السفير 13/02/2007
الرئيس الشهيد رفيق الحريري: لبـنان لن يكـون إلا على صورتك
نبيه بري
عامان على رحيلك وها أنت تزداد تألقاً وحضوراً.
هذا الحضور تصنعه أنت بدمك، بعيداً عن كثرة الضجيج وقلة الحجيج، وبعيداً عن الذين يقتربون منك وعن الذين توضع أمامهم الحواجز لمنع الوصول إليك.
هذا العام، كان لبنان الأكثر حضوراً في دائرة الضوء.
وهذا العام وطيلة ثلاثة وثلاثين يوماً كان لبنان في دائرة تصويب أسلحة الجو والبر والبحر الإسرائيلية التي استهدفت كل طريق سلكت وسلكنا إلى لبنان، واستهدفت المطار الذي أردت له أن يتسع لستة ملايين سائح سنوياً، واستهدفت شبكات الماء والكهرباء والاتصالات والجسور والمصانع، واستهدفت أساساً المدنيين من قانا إلى القاع ومن عيترون إلى الميلة، واستهدفت حقهم في الحياة، واستهدفت أن توقع شرخاً بين اللبنانيين، بين طوائفهم ومذاهبهم، كما حقهم في مقاومة أي عدوان.
في هذا العام، وُلد بعد تسعة أشهر من المخاض الصعب وشهر من الألم الكثير انتصار جديد لشعبك ومقاومتك، ووُلد قرار لمجلس الأمن الدولي الجديد (1701) الذي يحاول تعويض تقصير الالتزام الدولي تجاه لبنان في تنفيذ القرار 425 عبر المساعدة على نشر الجيش اللبناني حتى الحدود اللبنانية.
هذا العام سلكنا الطريق إليك، جلسنا وجهاً لوجه وبحثنا ما اعتقدنا أنه قضايا خلافية، كنت أنت في مقدمة الحضور عنواناً للحقيقة والعدالة، وكنت كما كنت موقع إجماع المتحاورين الذين أقروا سلوك كل الطرق وأقصرها لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وكان هكذا الأمر بالنسبة إلى بقية المواضيع لولا أن الوقت أدركنا قبل بحث الاستراتيجية الدفاعية، ولولا أن إسرائيل استعجلت الأمور واستبقتها وشنت حرباً معلومة سلفاً.
في هذا العام جئنا إلى التشاور بنفس الحماس وخرجنا دون تحقيق الإجماع، لأن هناك من يضغط على كل إمكانية للاتفاق والوفاق والمشاركة، في وقت كانت فيه إسرائيل منذ أواخر أيار تضغط على الوقت وتحاول استنفاده لمنع لبنان من ترسيخ وحدته.
عند هذا الحد أقول لك أيها الصديق العزيز، إننا دخلنا الحرب من موقع المتحاورين والمتشاورين ربما غير المتفقين على كل شيء، ولكن ارتكازاً على إيماننا بأن ثقافة الحوار والتشاور تشكل طريقاً أكيداً للتفاهم على خلفية الحوار والتشاور. تمكنّا من بناء تماسك جبهتنا الداخلية خلال الحرب وانتصر كل لبنان، ولكن سرعان ما تمكنت «الجرذان» من جعل سد الوحدة الوطنية يتآكل قليلاً وتحدث به بعض الانهيارات، وأن نقع تحت ضغط فلسفة الحكم والتحكّم تحت ستار المحكمة التي أردناها لمحاكمة المجرمين ولمحاكمة الجريمة المنظمة والإرهاب الذي استهدف لبنان ولا يزال، وأرادوها محاكمة دون تحقيق ودون ادعاء عام باسم كل لبنان.
وهكذا يا صديقي وأخي، وبدلا من أن يستكمل زلزال نتائج الحرب ارتداداته على حكومة العدو وهيئة أركان حربها وعلى كل من ساهم في إدارة هذه الحرب، عاد لبنان ليقع على منظار التصويب بفعل تفكك جبهته الداخلية.
هذه هي صورة المشهد اللبناني الآن:
÷ خطوط تماس سياسية متقابلة.
÷ حالة من التوتر الطائفي والمذهبي.
÷ تنامي الحس الميليشياوي لدى كل الذين كانوا خارج مشروع المقاومة وفكر المقاومة ودور المقاومة.
÷ وقوع لبنان في حالة شبيهة بالحالة السائدة الضاغطة عليه باتفاقية 17 أيار.
÷ محاولة تدويل الهواء والماء والخبز والملح والسلطة والتشريع والقضاء والأمن و.. المال في لبنان.
ولكن يا صديقي هذا هو لبنان كما تعرفه، أصغر من أن يفتت وأكبر من أن يدوّل أو أن يهوّد، عربي الهوى والهوية، مقاوم على حدوده السيادية وحدود مجتمعه.
ولأن لبنان كذلك، وعدنا لك أننا سنستعيد الوحدة الوطنية وسنرسخ السلام الأهلي، وسنحفظ جذوة المقاومة وسنبني المشاركة وسننقل لبنان من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، ولن يكون لبنان إلا على صورتك أيها الشهيد الرئيس رفيق الحريري، حديقة للحياة الكثيرة والفرح وشاهداً على التاريخ، وشهيداً من أجل حقيقة التاريخ والجغرافيا واللغة.