السفير 24/05/2007
العـيــد
نبيه بري
حتى لا تبقى شِفاهُنا واقفة على الطرقات تتناوبُ الكلامَ المرَّ والاتهامات.
وحتى لا تبقى أسماعُنا مشدودة إلى الخلف إلى حيث نأخذُ بعضنا بعضاً إلى الظلّ والفراغِ والألمِ والندمْ.
أستعيرُ شفاهكم وعيونَكم وأسماعكم.
بل أستعيرُ انتباهكم إلى مجدِ مقاومةِ وصمودِ شعبنا الذي صنع النصرَ في هذا اليوم.
ففي الخامس والعشرين من أيار 2000 اندحرَ الجيشُ الإسرائيلي عن معظمِ أرضنا العزيزةِ باستثناءِ مزارعِ شبعا وتلال كفرشوبا.
كانَ هذا حدثاً استثنائياً في تاريخ الشرقِ المعاصرِ، حيثُ لم يكنْ أحدُ في العالم يتوقعُ خيبةً مماثلةً لـ«الجيشِ الذي لا يُقهرُ» ولم يكن أحدٌ في العالم يصدّقُ أن «نبيَّ» إسرائيلَ الجديدَ بعدَ رابين وأقصدُ إيهودا باراك سوفَ يقودُ إسرائيل خطوتين إلى الخلف بدل خطوةٍ إلى الأمامْ.
لم يكن ما حدثَ إعادة انتشارٍ يقومُ بها الجيشُ الإسرائيلي إلى «خلفِ» الحدودْ.
لم يكن ما حدث انسحاباً تكتيكياً تمهيداً لحركةٍ جبهويةٍ ذاتَ يوم إلى الأمام.
كانَ ما حدث هزيمةً كاملةً واندحاراً عسكرياً.
إذاً للذين لم يقتنعوا بمصطلحِ «اندحارِ» الجيشِ الإسرائيلي آنذاكَ، ربّما يَتّفقُ إحساسهمْ السياسي مع نتائجِ حربِ الصيف الماضي وإذا لمْ يحدثْ ذلك نُحيلهم الآنَ إلى نتائجِ تحقيق «لجنة فينوغراد» المعلنة وغير المعلنة.
نحن نزعمُ أنّ ما حدث ليس هزيمة واندحاراً فحسب، بل هو حدث تاريخي يشكّلُ بعض ارتداداتهِ:
÷ سقوط مشروع خارطة الطريق كأنموذج لصورة الشرق الأوسط الجديد ومعها إسقاطُ مشروع تصفية المقاومةِ وحسّ الانتفاضة المتقدّمِ لدى الشعب الفلسطيني.
÷ الفشلُ الاستراتيجيّ للجيش الإسرائيلي في اختبار «الصيفِ اللبناني» وسقوط قدرة الردع الإسرائيلية.
÷ الانتصارُ على مشروعِ الفتنة من العراق إلى لبنان بفعل قوّة الردع المعنوية للمقاومة.
÷ الزخمُ المتزايدُ لمشروع السلام العربي، وإسقاطُ كلّ المحاولات لتعديله أو للمسّ بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي الطليعة حقُّ العودةْ.
÷ الحفاظُ على لبنان كنموذجٍ لإمكانِ حوارِ الحضارات وتعايُش الأديان والمذاهب والفئات والجهات، وإسقاطُ محاولات تدويله وجعله غرفةَ عملياتٍ متقدّمة لاستراتيجية الفوضى الخلاّقة العابرة للحدود.
هل نُغالي في ترشيحِ هذه الارتداداتِ أمْ تُرانا لا ننتبهُ إلى أنّ النصفَ الفلسطيني المرتبط بحقّ العودة يعيشُ في مخيّمات قلوبنا؟ ولا ننتبهُ إلى أنّنا أسقطنا محاولة تحويل وُجهة مُقاومتنا وصِراعنا معَ إسرائيلَ إلى صراعٍ مع العروبةِ حتّى باتَ بينَ الأنظمةِ العربيةِ وبينَ شعوبِها حربُ أفكارٍ... ومُعتقداتْ.
هل تُرانا لا ننتبهُ إلى أنّنا في لبنان سنبقى رغمَ ما نختلفُ أو ما نأتلفُ عليهِ نتقاسمُ سنبلةَ القمحِ ورغيف الخبز وشربةَ الماءِ ونسائمَ الهواءْ.
إذ كُنّا ننتبهُ تعالوا معاً لنحتفلَ بعيدِ النَّصر.
تعالوا لنعترفَ بالمقاومة.
تعالوا لنعترفَ بأنها ضرورةٌ لبنانيةٌ لمنعِ العدوانِ على حدود لبنانَ وعلى حدودِ المجتمع.
ضرورةٌ لبناء الثقة بالدولة.
ضرورةٌ لبناء الثقة بأنفسنا.
تعالوا جميعاً لنُعطي ترخيصاً لسلاحِ المقاومة المنضبطِ والمُلتزم بوحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسساتٍ والمُلتزم بالمعاهدات التي تلتزمُ بها الدولة عربياً ودولياً.
بعد ذلك تعالوا لندخُلَ إلى لبنان من بوابة المقاومة.
فإذا فعلنا.
فإنّ أحداً في العالم لن يتجرّأ على لبنان وعلى اللبنانيين.
وإنَّ أحداً في العالم سوف لا يفتكُ أو يغدرُ بأعلامنا وأقلامنا وأقمارنا.
تعالوا لنفعل ذلك إذْ لا خلاصَ للبنان إلا بأيدينا، وإلا فإنّ الدهرَ سيستمرّ بالوقوف حزيناً على رِتاجِ أبوابنا وسيبقى بعضنا يحتكر النارَ وبعضنا يحتكرُ البردَ وسنشبه سوياً «صاريةَ الموت في سفينةِ الريح».