السلام عليكم و رحمة الله
قرأت هذا المقال في إحدى الصحف اليومية و أثّر في نفسي كثيرا.. و أحببت أن تشاركوني لما يحكي بصدق و يعبّر عن واقعنا و حالنا المؤلم..
هذا العيــد.. كيف يمكن أن يكون عيـــدا؟
عندما نودع شهر الغفران والرحمة شهر رمضان المبارك الذي لا يأتينا في العام سوى مرة واحدة وقد ذرفت الدموع لفراقه، فإننا بذلك نستشعر روحانيته ومحبته.. ونستشعر ايضاً ما به من ألفة ومحبة، ثم يأتي العيد وهو عيد المسلمين القائمين الصائمين ليتبادلوا فيه أروع عبارات التهاني والحب والإخاء.
يأتي العيد ونبتهج به.. وتعلو شفاهنا الابتسامات فرحاً بقدومه. فللعيد بهجة في القلوب، وللعيد فرحة عند الناس!! انه موسم من المواسم الرائعة التي تذكرنا بنعمة الله وفضله علينا، بعد أن منَّ الله علينا بصيام شهر رمضان المبارك. لكن بهجة العيد يشوبها كثير من المآسي والأحداث المؤلمة في كثير من أقطار العالم، فكل ما حولنا من أحداث سواء في العالم العربي وخاصة في العراق وفلسطين ولبنان النازفة مفعم بالمآسي والأحزان، بل انها أحداث تدمي القلوب، وتكاد أن تجهض الفرحة في حياتنا وفي شعورنا بهذه المناسبة السعيدة.
فبالرغم من فرحتنا بالعيد، إلا أن كثيراً من الناس محرومون من بهجة العيد، لأنهم لا يجدون ما يسد رمقهم أحياناً، ولا يجدون لباساً لائقاً يتقون به غوائل الطقس. انهم جياع وربما عراة لا يعرفون من العيد إلا اسمه، واقعهم أليم، وحياتهم نمط متواتر من الكفاح ضد أعداء الدين والعقيدة، وضد الجوع والتشرد. هؤلاء وأولئك في عالمنا العربي وعالمنا الإسلامي كانوا يعرفون العيد فرحاً وغبطة وسروراً. كانوا يحتفلون بالعيد ويسعدون به، لكنهم في غمرة الفقر والجوع والتشرد والحرمان وظروف الاحتلال نسوا اسم العيد ولم ينسوا معناه، نسوا الفرحة وتذكروا عذاب التشرد والحرمان.
ففي العراق، العيد عند أغلبهم ضيف من الدرجة العادية، أو غير ذي أهمية، لأول مرة في حياة ذلك المجتمع الذي عرف بحبه وشغفه بالأفراح والزيارات والترفيه عن النفس بسبب ما يمر به العراق من محن ومآس تقطف يوميا أرواح عشرات الأبرياء من أبنائه. لن يعود العيد الحقيقي على العراقيين إلا بعد خروج آخر جندي أمريكي من العراق. فللعيد في العراق طقوس باتت خاصة به. فلم تعد النسوة العراقيات يقفن بالطابور قبل العيد بثلاثة أيام لعمل «الكليجة»، وهي واحدة من أبرز أكلات العيد في العراق. لم يعد العيد العراقي يشهد تلك الاحتفالات التي تعم شوارعه، حينما كان الفتية والصبية الصغار يحملون الطبلة الصغيرة ويجوبون الشوارع والأحياء، أو في مدينة الألعاب أو مدينة الزوراء، بل صار للعيد لون باهت لدى أغلب العراقيين، ولم يعد هناك من شيء يمكن أن يفرح به العراقيون، وسط أرقام القتلى والمعتقلين والهاربين من منازلهم. وحينما يفكر احد المواطنين بالتنقل من مدينة لأخرى خلال أيام العيد فان الاستعدادات لا تشمل تحضير أطعمة او برنامج زيارات أو سفرات ورحلات لزيارة أماكن ترفيهية، وإنما البحث عن هوية أحوال مدنية يمكن أن تنجيه من المليشيات الطائفية على طول الطريق بين المدن المختلفة. هذا هو المشهد الطاغي في العراق هذه الايام.والمشهد الآخر فهي الزيارات الحزينة لعوائل الشهداء الذين سقطوا بنيران الاحتلال أو نيران الميليشيات الطائفية. زيارات يتخللها البكاء والعويل، وتذكر حبيب كان بالأمس بين ظهرانيهم واليوم تحت التراب.
فأما في فلسطين المحتلة، فيأتي العيد والأوضاع الاقتصادية أليمة وسيئة، وأوضاع نفسية أشد سوءا، والرواتب معدمة، وحصار وخنق وتقطيع للأوصال بين البلاد والعباد، واحتلال يجثم على الصدور وأزمات داخلية تجعل الكل في مهب الريح. فمدن فلسطين سجينة، وعيون أطفالها يملؤها الرعب والخوف، والفرحة والبسمة عن وجوههم مسروقة ومقتولة، والمعابر مغلقة، وهناك آلاف من الشهداء والجرحى، ومن المعوقين والسجناء، وأيضا هناك الكثير ممن لا يجدون مكانا للسكن بعد أن هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية منازلهم، وهناك الغارات بالطيران والصواريخ والمدفعية على المقاومين في المدن والقرى، في ظل تواطؤ النظام العربي الرسمي والمجتمع الدولي.
في لبنان، فإن بصمات الحرب لا تزال ترخي بآثارها على تفاصيل بلدات جنوبية كثيرة، سعى العدوان الإسرائيلي الى محوها عن بكرة أبيها. ففصول هذه الحرب كانت مؤلمة جدا. مبانٍ سقطت على رؤوس ناسها. عائلات انقرضت. آباء أو أمهات فقدوا فلذات العمر. فطالما ان اسرائيل هي جارتهم فانه يستحيل أن يهدأ بالهم وتهنأ حياتهم. انها منطقة مفتوحة على احتمالات حرب قد تتجدد في أي لحظة. وعندما ترى الأطفال هناك يستيقظون من نومهم باكرا في يوم العيد تعتقد للوهلة الأولى أنهم يستعجلون للخروج من منازلهم إلى المتنزهات ولشراء الألعاب أو لزيارة أقاربهم، لكن الحقيقة غير ذلك! انهم يتوجهون إلى مقابر الشهداء. انك ترى أطفالا في مختلف الأعمار وقد وفدوا إلى المقابر مع آبائهم أو أقاربهم. فمنهم من جاء لزيارة والده أو والدته أو أخيه أو أخته أو صديقه. وعندما تنظر في عيونهم ترى فيها هموم الدنيا ومآسيها، وترى وجوها غاضبة وشفاها ترتجف وهي تقرأ الفاتحة، وقلوبا مجروحة.. عندها تدرك حجم المعاناة التي بات يعيشها هؤلاء الأطفال وأهاليهم.
إن هذا العيد.. يمكن أن يكون عيداً بكل تأكيد، عندما نشعر أننا نعيش بمشاعر موحدة مع الآخرين، ويمكن بذلك أن يصبح العيد تعبيراً صادقاً عن أحاسيسنا ومشاعرنا نحو اخواننا في الدين والعقيدة والمصير، في هذا العالم العربي والاسلامي وبالذات في العراق وفلسطين ولبنان، والذين يسعدنا أن نقول لهم: «كل عام وأنتم بخير» بشكل فاعل ومؤثر.
ان هذه المناسبة الجليلة تتجاوز مسائل الطعام وأشكال وأنواع الحلويات والبذخ باللباس، وإظهار كل منا قوته تجاه ضعف الآخرين في المسائل المادية والتي هي بعيدة عن قيم هذه المناسبات وجوهرها. فهي مناسبة ليقدم كل منا يد المساعدة للآخر والوقوف إلى جانبه في محنة لا يمكن تجاوزها دون مساعدة الآخرين.
ان العيد سوف تكون له بهجة وألق رائع عندما نتواصل مع الآخرين على أرضية المحبة، وعندما تكون أحاسيسنا صادقة نحو جميع اخواننا من المحرومين أو الضعفاء في كل مكان من هذا العالم. فينبغي أن تكون مشاعرنا بالعيد هي مشاعر الإنسان المسلم الصادق والمتعاطف نحو اخوانه، لمحو كل قوى الظلم والظلام في كل مكان.
تحياتي..