هل سمعتم يوما ((المثقّف القفّاز))؟ إنّها تسمية تدلّ على عكس ما يدلّ عليه اصطلاح ((المثقّف العضويّ))، تلك الصّفة التي أطلقها المفكّر الإيطاليّ غرامتشي لتوصيف كلّ باحث عن الحقّ وسالك طريق الصّواب بعيدا في البحث والسّلوك عن الميل إلى فئة اجتماعيّة على حساب أخرى، أو الخضوع لهوى أيديولوجيّ يعلي المصالح الأنانيّة عن الصّالح العامّ، فالأوّل أي: ((المثقّف القفّاز)) أكرمكم الله، شخص مأجور وتافه، بضاعته غثّة، إنّه مرتزق أنانيّ لا ضمير له ولا هدف، وظيفته المدح، وهمّه كلّ همّه نيل رضا المتحكّمين في الشّيء العامّ، فهو طفيليّ من فصيلة المتسلّقات، وطبّال يباشَر به ما يستقذر من إلهاء وتسطيح وتغييب للمواطن عن مصالحه المشروعة، ومن تدجين وتسكين لأوضاع مختلّة لصالح ذوي النّفوذ الماليّ أو السّلطان السّياسيّ فلذلك صار قفّازا، فهو إمّعة لا يمتلك إرادة ولا رأيا ولا يهمّه إن كان من يكيل له المديح تافها مثله، ولا يحسن فعل شيء نال ما نال من وجاهة ونفوذ، فبغياب الصّدق والتّمحيص كانت بضاعته فاسدة، وكانت عبارة عن أفكارا خاطئة، وتمثّلات سيّئة، وتخيّلات منحلّة، وتخرّصات تطفح بقيم مبتورة بعيدة عن قيم الإسلام الأصيلة، وكان ما يبثّ من صور يعزف على وتر الشّهوة، وكان ما يرصف من جمل يفتقر إلى المعنى النّبيل، تسرح به الاستيهامات في عالم نرجسيّ لا يشبع من حبّ الذّات ويفتقر إلى المعقوليّة، ويشرد به الغرور إلى الضّياع فيَضلّ ويُضلّ، ولذلك كان التّصدّي له ولأمثاله من أوجب الواجبات لأنّه من قبيل ما لا يصحّ الواجب إلاّ به، والله المستعان ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله الغليّ العظيم