الدعاء أمر أوجبه الله وحضَّ عليه في الكتاب فقال عزّ من قائل: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))، وقال سبحانه: ((ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنّه لا يحبّ المعتدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وادعوه خوفا وطمعا، إنّ رحمة الله قريب من المحسنين))، وقال جلّ وعلا: ((قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً))، وقال: ((قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ، وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ، وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ، كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ))، فمن أبطل الدعاء مستغنيا فقد أنكر القرآن وردّه، وأتى بما يدلّ على فساد رأيه وسقوط قوله، قال الإمام الشّوكانيّ رحمه الله ورضي عنه: ((إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا أمر عباده بالدّعاء أنذر المستغني عنه استكبارا بسوء العذاب فقال: ((إِنَّ الّذِين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين)) فالدّعاء عبادة، وتركه تكبّر لا أقبح منه))، وقال المناويّ رحمه الله في فيض القدير: ((من ترك سؤال الباري عزّ وجلّ لا يخلو أن يكون إمّا قانطا وإما متكبّرا، وكلا الأمرين موجب لغضب الله وعقوبته)) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))، أخرجه الإمام أحمد في المسند، والترمذيّ وابن ماجه في السّنن، وصحّحه الحاكم في المستدرك، ووافقه الذّهبيّ وحسّنه الألبانيّ في صحيح الأدب المفرد، قال أحدهم:
لا تـسـأل ابن ادم حـاجةً **** واسألِ الـذي أبـوابـه لا تـحـجـب
الله يـغـضـب إن تـركـت سـؤالـه **** وابن ادم حين يُسأل يغضب
وقال عبيد بن الأبرص في قصيدة له:
فَقَدْ يَعُودَنْ حَبِيبًا شَانِئٌ *** وَيَرْجِعَنْ شانِئًا حَبيبُ
ساعِد بِأَرضٍ إِذا كُنتَ بِها *** وَلا تَقُل إِنَّني غَريبُ
قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد *** يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ
مَن يَسألِ الناسَ يَحرِموهُ *** وَسائِلُ اللهِ لا يَخيبُ
باللهِ يُدْرَكُ كلُّ خَيْرٍ *** والقَوْلُ في بَعْضِهِ تَلغيبُ
واللهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ *** عَلاّمُ ما أخفَتِ القُلُوبُ
وَالمَرءُ ما عاشَ في تَكذيبٍ *** طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلّى الله على سيّدنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين