يتحدّث البعض في ((السّياسة)) بشكل مقطوع عن التّاريخ وبذاكرة مخصيّة وحميّة طائفيّة مفرطة ترفع نسبة السّكّر في الدّمّ، وكأنّما يخاطب قطيعا من نعاج يحاول سوقه بمعسول الكلام وزيف الشّعارات حيث يريد ليصنع بذلك ـ من وجهة نظره الأعشى ـ ((رأيا عامّا)) بليدا يبتلع كلّ ما يقدّم إليه بوصفه ((حقائق ثابتة)) كما تبتلع البالوعة الماء العفن، القصّة كلّها لم تتعدّ عشرين عاما إلاّ بقليل عندما نادى أصدقاء أسرة بوش ((الكبار)) ((حيّ على الجهاد)) فجنّدوا مع وكالة المخابرات الأمريكيّة تشكيلات المجاهدين للإطاحة بنظام نجيب الله ودحر الاتّحاد السّوفيتي من أفغانستان، وبعد النّجاح في إدارة الصّراع مع الجمهوريّة الإسلاميّة على السّاحة الأفغانيّة عبر فصائل المجاهدين بمساعدة طالبان بالاستيلاء على السّلطة ودحر المنافسين، وبعد سقوط الاتّحاد السّوفياتيّ وانهيار جدار برلين وظهور حاجة الغرب إلى عدوّ بديل لتبرير سياسات الغزو ونهب الثّروات تمّ تدبير أحداث الحادي عشر من أيلول لغزو أفغانستان والحيلولة دون أن يكون هذا البلد المسلم الصّغير بإمكانيّاته الكبير بعزائم رجاله وأبطاله قاعدة إسناد للحركات الإسلاميّة الرّاديكاليّة، ولأهداف اقتصاديّة تمّ تدبير غزو العراق بتمويل ومساندة أصدقاء أسرة بوش ((الكبار)) ومباركة ((أنظمة العجز)) ((العربيّ)) فكان أن دمّر هذا البلد العريق وأعيد إلى القرون الوسطى عن قصد وسبق إصرار، وقد شارك في التّحريض على احتلاله سلفيّون وشيعة إماميّة جعفريّة ونصيريّة اختلفوا في ((المذهب)) كخلفيّة أيديولوجيّة لكنّهم اتّفقوا في التّكفير وسيلة، وفي خيانة الأمّة وبيع مقدّراتها ونهب خيراتها وإعدام الأحرار من أبنائها هدفا فنجحوا عليهم جميعا من الله ما يستحقّون في تشتيت صفّ المسلمين وتحريض النّعرة الطّائفيّة بينهم على أساس تكفيريّ لا علاقة له بشرع الله وسنّة نبيّه وسيرة السّلف من الآل والصّحب الكرام، وكلّنا يتذكّر الفتاوى التي استصدرت من ((دور الإفتاء)) و ((المجامع الفقهيّة)) سواء بجواز الاستعانة بالكفّار والدّخول في حلفهم، أو بتحريم الجهاد إلاّ تحت راية المهديّ عليه السّلام، وكلّنا يتذكّر كيف فرشت الزّرابيّ الحمراء للإرهابيّ بوش ((الصّغير)) ترحيبا بما فعل، وكلّنا يتذكّر كيف ذهب بعض المنتسبين للأشراف من ذوي العمائم السّود إلى البيت الأبيض للتّشجيع على الإطاحة ((بالنّظام العراقيّ)) والوعد باستقبال العراقيّين لجيوش الاحتلال بالورود، استدعيت جيوش الاحتلال وبالمال ((العربيّ)) موّلت عمليّاتها العدوانيّة لغزو المنطقة والإجهاز على أيّ تطلّع إلى امتلاك القوّة والأخذ بناصية العلم والتّقنيّة وتحقيق النّهضة الاقتصاديّة المطلوبة، فكان أن احتلّ العراق وفكّكت بنياته العلميّة والتّحديثيّة، وشرع في اغتيال العلماء والباحثين والمثقّفين والأحرار بعد إلزامه بقرارات مجحفة تواطأ في إخضاعه لها القريب قبل البعيد، هكذا انتقلت إدارة الصّراع على النّفوذ بمنطقة الشّرق الأوسط على خلفيّة طائفيّة من أفغانستان إلى العراق، ويراد الآن نقلها إلى ساحات أخرى للحسم النّهائيّ، كيف لنا أن ننسى ما جرى بلبنان من تواطؤ مع العدوّ الإسرائيليّ، أم كيف لنا أن ننسى مساندة الصّهاينة في حصار غزّة في محاولة لليّ ذراع إيران بهذين البلدين: لبنان وفلسطين، وهو ما يجري الآن على السّاحة السّوريّة لخدمة مخطّط صهيونيّ أمريكيّ، وعلى الباغي تدور الدّوائر، فالطّغاة يخافون من أضواء الحقيقة الكاشف لذلك تراهم يحاربون حرّيّة التّعبير وحرّيّة العمل الصّحافيّ ويسخّرون الإمكانيّات العامّة ويجنّدون العملاء والمتعاونين لتمييع الخطاب الإعلاميّ الجادّ وطمس الحقائق والتّلبيس على النّاس، النّظام السّوريّ لا يشدّ عن هذا الوصف من حيث هو نظام متعفّن شأنه في العفونة شأن باقي الأنظمة الأخرى التي لا تتميّز عنه بشيء مطلقا مهما رفعت من الشّعارات الخادعة والعناوين المبهرجة، وأمر الإطاحة بهذا ((النّظام)) مردّه إلى الشّعب السّوريّ الذي يعرف متى وكيف يحقّق أهدافه بأقلّ الخسائر دون أن يقع فيما نصب له من شراك، كذاك أمر الأنظمة العفنة الأخرى التي يعرف الشّعب متى وكيف يسوّي الحساب معها أيّا كانت الفتاوى الباطلة التي يستصدرها ((الفقهاء المأجورون)) ويذيعونها بين الفينة والأخرى بما يفيد في استثمار الدّين وشرع ربّ العالمين لمساندة الظّالمين وفرض الحجر والوصاية على المستضعفين، فبعد الانتهاء من استخدام فزّاعة صدّام حسين بسقوط ((نظام البعث العراقيّ)) جاء الدّور على استعمال فزّاعة ((التّشيّع)) والولاء لنظام الملالي أملا في التّحريض على إيران وإسقاط نظامها لاسيما بعد أن أظهر قدرة على المرونة وتفوّقا اقتصاديّا وسياسيّا وتقنيّا فائقا حتى يصفو الجوّ لأحباب ((البيت الأبيض)) سردت هذه الوقائع على عجل لبيان أنّ روّاد الفيسبوك ليسوا بذاكرة مثقوبة ولا هم في متناول أيّ كان ليحرّضهم على القيام بهذا الشّيء أو ذاك، فللنّاس عقول وقلوب ولا يلدغ المرء المؤمن من جحر مرّتين، والله المستعان