{تلك الدّار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتّقين} لقد هزّ الحراك الشّعبيّ قلوب ((الأنظمة)) بعدد من البلدان العربيّة قبل أن يهزّ عروشها، لذلك ترى من كان مستبدّا منها يسخّر ما تبقّى لديه من وسائل الدّعاية فيجنّد الأبواق والعيون، بل إنّ منها من أقدم ((علمائها)) على الإفتاء بحرمة الخروج للاحتجاج وتكفير المطالبة بالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان، وتكفير المخالفين في المذهب أو المخالفين في الرأي السّياسيّ بالجملة في محاولة لإسقاط حقوق المواطنة عن هؤلاء وإرغامهم على السّكوت والرّضا ((بالمكتوب))ّ، لقد أطلقت هذه ((الأنظمة)) التي لم يعد لها مكان تحت شمس ثورة الشّعوب ونورها السّاطع الوهّاج لسان كلّ متفيقه عالة على العلم والعلماء في استنكار حقّ المشاركة السّياسيّة واعتبار حقوق المواطنة من سقط المتاع، وممّا جاء على لسان واحد منهم في هذا السّياق قوله: ((إذا احتاج المسلمون إلى انتخاب الإمام الأعظم، فإن ذلك مشروع بشرط أن يقوم بذلك "أهل الحلّ والعقد" في الأمة والبقية يكونون تبعا لهم، (...) الولايات التي هي دون الولاية العامّة فإنّ التّعيين فيها من صلاحيّات وليّ الأمر بأن يختار لها الأكفّاء الأمناء ويعيّنهم فيها، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُركُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وهذا خطاب لولاة الأمور، والأمانات هي الولايات والمناصب في الدّولة جعلها الله أمانة في حقّ وليّ الأمر وأداؤها اختيار الكفء الأمين لها، (...) أما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدّول فليست من نظام الإسلام، وتدخلها الفوضى والرّغبات الشّخصيّة، وتدخلها المحاباة والأطماع، ويحصل فيها فتن وسفك دماء ولا يتمّ بها المقصود، بل تصبح مجالا للمزايدات والبيع والشراء والدعايات، الكاذبة وأما المظاهرات فإن الإسلام لا يقرّها لما فيها من الفوضى واختلال الأمن وإتلاف الأنفس والأموال والاستخفاف بالولاية الإسلامية، وديننا دين النّظام والانضباط ودرء المفاسد، وإذا استخدمت المساجد منطلقا للمظاهرات والاعتصامات فهذا زيادة شرّ وامتهان للمساجد وإسقاط لحرمتها وترويع لمرتاديها من المصلّين والذّاكرين الله فيها، فهي إنّما بنيت لذكر الله والصّلاة والعبادة والطّمأنينة، فالواجب على المسلمين أن يعرفوا هذه الأمور ولا ينحرفوا مع العوائد الوافدة، والدّعايات المضلّلة، والتّقليد للكفّار والفوضويّين))، وعلى هذا النّحو كذلك، أطلقت بعض تلك ((الأنظمة)) المستبدّة يد زبانيّتها في حضر حقوق النّاس التأسيسيّة وفي الحجر على حقّهم في التّعبير الذي تعدّه تقليدا ((للغرب الكافر))، عجبا لهؤلاء المتعالمون كيف يقولون عن الغرب كافرا والأنظمة التي بفتاواهم المأجورة يسندون تستثمر فيه المليارات وميزانها التّجاريّ يقوم جلّه إن لم يكن كلّه على التّعامل معه، وفيما يلي بعض الأمثلة لما يردّ به علماء السّلطان ويهتزّ له ((الحواريّون)) طربا في إحدى منتدياتهم الإلكترونيّة المشبوهة عن بيان أصدره بعض المثقّفين حول حرّيّة التّعبير: ((سبحان الله! أغلب الموقّعين والموقّعات من المتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع علمانيّة ورافضة وإسماعيليّة وهلمّا جرّا!))، ((فهؤلاء الآن جمعوا 91 توقيع يقصدون بهذا أنهم كثرة لا كثّرهم الله))، ((خيّب الله سعيهم واسئل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم والغالب أنّهم متجنّسين، فليذهب إلى الغرب ويجد ما يريد، أما هنا يجعل لسانه مصوناً لكي لا يبتر))، ((أجمع أهل العلم على أنّ من لم يكفّر الذي كفّره الله ورسوله فقد كفر)) وللإشارة فهم يوافقون بهذا الإسناد ما استشهد به أيضا أبرز المراجع الشّيعيّة المعاصرة في تكفير المخالف حيث ائتلفوا جميعا في النّتيجة رغم الاختلاف في المنهج، وكلّ من يداخل بمشاركة ليتفاعل مع هذه الشّريحة من المتنطّعين وليبدي رأيه تصدّى له الزّبانيّة بألسنة حداد أشحّة على الخير فكان فيهم كصالح في قوم ثمود أو كموسى في قوم يهود، فلا يخرج من مشاركته على موقعهم إلاّ وقد كفّروه أو يوافقهم إمّا مجاملة أو مكرها عياذا بالله، وحيث إنّ أسلوب هؤلاء في التّلبيس على النّاس ماكر لعلمهم بحبّ هذه الأمّة لشعار السّنّة وإتّباع السّلف، فإنّه يتعيّن على كلّ طالب حقّ ناصر لميراث النّبوّة أن يتصدّى لمكر هؤلاء وأمثالهم فيفضح عور منطقهم، ويوثّق خذلان منهجهم، ويستنكر خبال أسلوبهم، ويبيّن جهد المستطاع فشلهم في الأخذ بمنهج السّلف الذين حقّقوا بما كانوا عليه من حسن الأخلاق كمال الإتّباع فبلغوا شأوا كبيرا في الدّعوة، وأنقذ الله بهم وعلى أيديهم خلقا كثيرا من النّار ولله الحمد والمنّة، فالرّجاء توثيق بعض ما يروج على هذه المنتديات الرّهيبة من فتاوى عمّيّة وتحريض وتكفير لأهل القبلة لحين استعماله في الرّدّ العلميّ والقانونيّ وحتى لا تكون فتنة ويصير أمر الحنيفيّة السّمحة إلى جماعة من الأنجاس المتنطّعين والله المستعان