بسم الله والحمد لله وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله، اللّهمّ لا سهل إلاّ سهلك وأنت تجعل الصّعب سهلا، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، اللّهمّ إنّا نسألك فقها في الدّين وخلق الصّالحين وأوبة المتّقين، اللّهمّ اجعلنا سلما لأهلك، حربا على أعدائك نعادي بعداوتك أعداء نبيّك وأعداء سنّته وأعداء آل بيته وصحبه وقرابته، اللّهمّ إنّا نسألك حياء منك تحيي به قلوبنا، وتزكّي به أعمالنا، وتسترنا به يوم العرض عليك يا أرحم الرّاحمين، السّلام عليكم ورحمة الله تعالى إخوتي الكرام، أسأل الله لي ولكم التّوفيق والرّشاد وبعد، روى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ في التّمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، ومعناه عند أهل الفقه والأثر من أهل السّنّة والجماعة النّهي عن أن يكفّر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع، فورد النّهي عن تكفير المسلم، يقول عليّ بن عليّ بن محمّد بن أبي العزّ الدّمشقيّ في شرح العقيدة الطّحاويّة: ((واعلم رحمك الله وإيانا أنّ التّكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتّتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائل كلّ طرف، فالنّاس في تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحقّ الذي بعث الله به رسوله على طرفين ووسط)) أخرج البخاريّ في الصّحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمّته)، قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: {فيه أنّ أمور النّاس محمولة على الظّاهر، فمن أظهر شعار الدّين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك، ولهذا فقد أخرج البخاريّ عقب هذا الحديث ما يوضّحه وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: ((أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله))}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوي: (وقد تقرر من مذهب أهل السّنّة والجماعة ما دلّ عليه الكتاب والسّنّة أنّهم لا يُكفّرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا يخرجونه من الإسلام بعمل، إذا كان فعلاً منهياً عنه كالزّنا والسّرقة وشرب الخمر ما لم يتضمّن ترك الإيمان، وأمّا إن تضمّن ترك ما أمر الله به من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت فإنّه يكفّر به) ونظرا لما يترتّب عن التّكفير من أحكام في الدّماء والأموال والمناكحات أسند الشّارع الحكم به للقضاء على من يجاهر أو يدعو غيره إلى قول يخالف عقيدة الإسلام مخالفة صريحة بنيّة الإساءة للمجتمع، ومن غير أن يكون متأوّلا أو مخطئا أو واهما أو مكرها، وذلك بعد أن يستثاب ثلاثة أيّام ثمّ يقام عليه حدّ الله المتعلّق بمنعه بعد ثبوت كفره من أن يرث مسلما أو يرثه مسلم، وبالتّفريق بينه وبين زوجه ومنعه من أن يدفن في مقابر المسلمين بعد الموت، ذلك كلّه عند إصراره البيّن على فعل يوجب الكفر أو قول يخالف الحقّ الذي بعث الله به رسوله مخالفة واضحة جليّة، وهذا هو وجه الخلاف بيننا، حيث إنّني أرى أن الحكم بالكفر على شخص أو مجموعة أشخاص هو من اختصاص قضاء حرّ ونزيه بعد إقامة دعوى عموميّة يمكنّ فيها المدّعى عليه من الإدلاء بأقواله وحججه، وليس لغير القضاء القيام بذلك لما فيه من الفتن العظيمة والأخطار الجسيمة على وحدة المسلمين، وأمن المجتمع واستقراره خصوصا وأن إطلاق هذا الحكم الشّنيع على عواهنه ودون وجه حقّ يسيء للكثيرين ويستفزّهم إلى المعاملة بالمثل انتقاما، ومتى ما أخذ السّياق العامّ بالاعتبار حيث التّحذير من الهلال الشّيعيّ ومن علاقة المقاومة اللّبنانيّة وحماس الفلسطينيّة بالجمهوريّة الإسلاميّة، وحيث الحراك الشّعبيّ باليمن وسوريّة والبحرين وغيرهما، وحيث يستهزأ بمن يدعو إلى الدّيمقراطيّة ويسفّه رأي من يطالب بالمشاركة السّياسيّة واحترام حقوق الإنسان، وحيث يحرّم ويجرّم الخروج للاحتجاج ويطالب المستضعفون بلجم أفواههم عن التّعبيرـ وكبح إرادتهم في التّغيير، ثمّ والرّضا والتّسليم بالقسمة وكأنّ الأمر قضاء وقدر، ولا حقّ لأحد في دفعه أو أخذ المبادرة لتغيير مساره نحو الأحسن طبقا لقوانين المجتمع ومقتضيات المعادلة الرّبّانيّة في قوله: ((إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم))، وحيث يكفّر الشّيعة على الهوّيّة وبالجملة لاستبعادهم من حقّ المشاركة السّياسيّة وتدبير الشّأن العامّ قلت ومتى ما أخذ هذا المناخ السّياسيّ السّائد بالاعتبار في قراءة هذه الفتاوى وتحليلها يتّضح من جهة الإسناد والدّليل العلميّ أنّ دعاة التّكفير بالجملة تدخل عليهم في الإثبات العامّ أمور عظيمة حيث إنّ النّصوص المتواترة قد دلّت على أنّ الله تعالى سيخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، وأنّ نصوص الوعد التي يحتجّ بها هؤلاء تعارض نصوص الوعيد التي يحتج بها أولئك، ويظهر من جهة الموقف السّياسيّ الغلوّ في الاستبعاد على نحو عبّر عنه الدّكتور خالص جلبي على نحو مبدع في مقال له بعنوان: إيجاد الملغى وإلغاء الموجود بتاريخ 28/05/2011 على مجلّة الوطن السّعوديّة الإلكترونيّة حيث يشير إلى أن الله الذي خلق الطّرفين المتناقضين، وأنعم بالوجود على جانبيّ الخلاف لم يلغ طرفا على حساب طرف، بل منح الوجود لهما معا سويّا، إلاّ أنّ الطّرف المسيطر لا يرضى بالعيش المشترك بل يعمد إلى إلغاء الآخر وأحياناً بأسلوب ((لأقتلنّك))، فإذا احتجّ الطّرف المستضعف بما منحه الله من مشاركة في الوجود يكون الجواب العمليّ للطّرف المستكبر: نعم إنّ الله منحك الوجود أمّا أنا فسوف ألغيك! وهو ما قد يفضي إلى حرب أهلية إمّا بشكل صريح كما العراق أو مبطن كما لبنان، وهو ما يحيل أيضا إلى فرق رهيب في العقليات. إخوتي لقد آن الأوان للرّجوع إلى الإسلام الأوّل إسلام الآل الأطهار والصّحب المجاهدين الأبرار، وحان وقت التّخلّص من اجتهادات فقهيّة رتّبها الحكّام كما المعارضون لإدارة الصّراع السّياسيّ واستقطاب الأتباع والأنصار، روى الإمام مسلم عن النّوّاس بن سمعان رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطّلع عليه النّاس) ألا رجوعا إلى الله عباد الله، والحذر الحذر من بعض الأقلام الطّائفيّة المسمومة والله المستعان وهو أرحم الرّاحمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وآله الطّاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين