يصدر في منتصف الشهر الجاري كتاب «اهدن لعنة المسيحيين العرب» للكاتب والصحافي الفرنسي ريتشارد لابيفيير، احد اكبر الصحافيين الفرنسيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط ورئيس تحرير مجلة معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني.
ويتحدث الكتاب، الذي سيصدر عن دار فايار، عن تأثير المجزرة التي ارتكبها حزب الكتائب اللبنانية بزعامة بشير الجميل على حياة المسيحيين العرب. ويسلط الضوء على علاقة بشير الجميل الرئيس اللبناني السابق، الذي اغتيل قبل ان يتسلم مهامه، بإسرائيل وتحديدا بمسؤول الموساد ديفيد كيمي، والتي تعود إلى ربيع عام 1976، والهادفة إلى ايصاله إلى السلطة لتوقيع سلام مُنفصل بين اسرائيل ولبنان وعلى رأسه سلطة حليفة له.
ألف شخص شاركوا فيها
ويؤكد لابيفيير في كتابه ان مجزرة اهدن كانت تهدف بشكل اساسي لوضع اليد الكتائبية حليفة اسرائيل على القرار المسيحي اللبناني، وان الف شخص شاركوا فيها.
وقال لابيفيير لـ«القبس» ما هو مهم في الكتاب هو انه يكشف ان تعيين سمير جعجع قائدا لقوات الكتائب في شمال لبنان تم بناء لطلب من الموساد الاسرائيلي انطلاقا من تحليل الخلية النفسية في الموساد لشخصية سمير جعجع. فهو من بلدة بشري في قضاء الشمال، اي من عرين زعيم مسيحيي الشمال طوني فرنجية، ومن عائلة متواضعة، والعملية تسمح له بالانتقام من وضعه الاجتماعي.
والمسألة الثانية هي ان طلب سمير جعجع ابن البيت المتواضع من طوني فرنجية الوزير، وابن رئيس الجمهورية وابن عائلة فرنجية الاستسلام له سيدفع بطوني فرنجية للدفاع عن نفسه وسيتصدى لمهاجميه.
وقد حشد بشير الجميل له الف مقاتل.
دفع فرنجية للانتحار
واختيار جعجع برأي الموساد لتولي عملية الارز لا يترك مجالا امام طوني فرنجية سوى المواجهة، وبالتالي الانتحار. ولذلك فان عملية اهدن برأي لابيفيير كانت مركبة من عمليتين في ذات الوقت للتأكد من مقتل طوني فرنجية.
ويلفت الكاتب الى ان الخطة كانت تهدف للقضاء على معقل آل فرنجية ووصول بشير الجميل في مروحية الى قصر طوني فرنجية لعقد مؤتمر صحافي يؤكد فيه سيطرة الكتائب على الشمال المسيحي كاول خطوة للاستيلاء على السلطة في لبنان ضمن التحالف مع اسرائيل، الا ان مسارعة انصار فرنجية الى القصر والاشتباكات التي جرت والمقاومة التي ابداها طوني فرنجية احبطت عملية الارز، كما كان مقررا لها.
وعما اذا كانت هناك علاقة قائمة بين جعجع والموساد، يقول لابيفيير انه لا يعتبر ان سمير جعجع كان على اتصال بالموساد، فبشير الجميل كان يحصر العلاقة مع الاسرائيليين به. وان سمير جعجع كان مقتنعا ببشير وينفذ تعليماته.
حديث مليء بالتناقضات
والكتاب يتضمن مقابلة مع قائد القوات اللبنانية. ينفي فيها جعجع اجراء اتصالات مع المخابرات الاسرائيلية.
ويشير لابيفيير الى ان حديث جعجع عن مجزرة اهدن مليء بالتناقضات. فهو يقول مثلا انه اصيب في بداية المعركة في يده وذراعه عن طريق القنص. بينما يستند لابيفيير في شهاداته الى ان انصار فرنجية من اهالي اهدن بدأوا بالقنص بعد مقتل زعيمهم الذي اصيب في المواجهات، وتمت تصفيته جسديا مع زوجته وابنته.
ويؤكد لابيفيير لـ «القبس» انّ ردود سمير جعجع على اسئلته كانت غير متجانسة وغير دقيقة وتحفل بالتناقضات.
ويروي الكتاب ادق التفاصيل التي احاطت باغتيال طوني فرنجية ومرافقيه، بعد سنتين ونصف من العمل للعثور على شهادات الذين شاركوا في المواجهات في الجانبين. ويقول ان المعركة بدأت بقصف القصر وبعدها طلب جعجع من صاحبه الاستسلام، وقال له اخرج يا طوني واستسلم لأنك مُحاصر.
انعكاسات إقليمية
وعن الاسباب التي دفعته الى كتابة كتابه. الجديد يوضح لابيفيير انّ مجزرة اهدن شكلت اول عملية اغتيال سياسي فتحت الطريق امام الحروب بين المسيحيين. مما كان له التأثير الكبير على المسيحيين اللبنانيين اولاً والمسيحيين العرب لاحقاً. ويرى الكاتب الفرنسي ان هناك رابطاً بين ما جرى في لبنان وهجرة المسيحيين العراقيين اليوم فالحروب المسيحية في لبنان لها انعكاسات اقليمية.
ويقول ان كتابه محاولة للمساهمة في الكشف عن الحقيقة ويسعى لاحداث المصالحة المسيحية - المسيحية التي لم تتحقق بعد.
وعن توقيت موعد صدور الكتاب قبيل الانتخابات النيابية في لبنان، يقول لابيفيير ان هذه المسألة تعود الى الناشر، وانه لا يريد ان يكون اداة في المعركة الانتخابية النيابية،وهو صحافي وليس رجل سياسة.
ويؤكد الكاتب والصحافي الفرنسي انه وافق على اجراء حفل التواقيع لكتابه ولكنه اشترط ان يتم ذلك بعد انتهاء الانتخابات التشريعية.