بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآلِ محمد وعجِّل فرجه الشريف
قال
الله تعالى:(ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها،
وقد خاب من دساها) ( سورة الشمس: آية 7-11) يذكر اللغويون أكثر من معنى
للفظ الزكاة، أشهرها معنيان:
الأول: النماء والزيادة
قال في المعجم
الوسيط: زكا الشيء، زكوَّا، وزكاءً، وزكاةً: نما وزاد (المعجم الوسيط:396،
مادة(زكا))ومنه قوله: زكاة العلم بذله، أي: زيادته، وكذا قولهم: البركة هي
النماء والزيادة غير المحسوسة، أي: غير المترقبة والمحسوبة.
الثاني:الطهارة
قال
العلامة الطريحي: التزكية: التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من شر
البطن، والكلام، والغضب، والحسد، والبخل، وحب الجاه، وحب الدنيا، والكبر،
والعُجب... وفي الغريب(قد أفلح من زكاها) أي: ظفر من طهَّر نفسه بالعمل
الصالح(مجمع البحرين1: 203 مادة (زكا)).
والمعنى الثاني هو محل حديثنا،
وهو غاية الصالحين، ومنى الموالين، بل إن الرسالات الإلهية ومنها الرسالة
الخاتمة رسالات ذات مضمون وقاعدة أخلاقية تزكوية، وهذه القاعدة الأخلاقية
لها دور مهم في وحدة المجتمع الإنساني من ناحية، وتماسك هذا المجتمع من
ناحية أخرى, حتى يمكن أن نقول إن الرسالة الإلهية هي رسالة أخلاقية، وهذا
ما أشار إليه رسولنا الكريم بقوله: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) (
بحار الانوار68: 382عن معاني الإخبار).
وتدخل المسألة الأخلاقية في
مختلف الأبعاد سواء كانت في البعد الفردي للإنسان وتكامله في مسيرته
الذاتية أم -كما قلنا- في البعد الاجتماعي، بل تصل هذه القضية الحساسة
وتتعدى حتى إلى خارج المذهب الواحد والطرف المقابل والمضاد، والقران
الكريم يشير إلى أن السبب في قبول الدعوة الخاتمة والكاملة لدى المجتمع
الجاهلي كان يكمن وراء الأخلاق، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ) ( سورة آل عمران: آية 159) وضرب نبينا الكريم أروع الأمثلة
في خلقه وسلوكه وتعامله مع الآخر حتى ورد له (صلى الله عليه وآله وسلم) في
القران أعظم مدح حين قال تعالى:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ( سورة
القلم: آية 4).
ولو أردنا بحث مسألة الأخلاق من جذرها لوجدناها ثابتة
منذ النشأة الأولى، فعندما خلق الله تعالى الإنسان وميزه على جميع
مخلوقاته بصفة مركبة أودعها في جبلته، وهي: (العقل والاختيار) انطوت نفسه
على معادلة خطرة أطرافها متباينة، فقد يبلغ بها إلى عنان الكمال فيصبح قاب
قوسين أو أدنى، وبذلك استحق أن يكون خليفة الله، وقد يتسافل إلى درجة
الانعام بل هم اضل سبيلا.
وبلطف الله ومنّه على هذا المخلوق لم يتركه
لعقله -وحده- يسيره إلى طريق الهدى ، كما ينقل عن بعض علماء اليونان الذين
آمنوا بالله تعالى بواسطة عقولهم، بل بعث أنبياء ورسلا يبلغون رسالات ربهم
بطريقة لا تحيد ولا تنقص، وبذلك سهّل المولى على عباده الاسترشاد إلى
الهداية، ولولا هذا الفضل والهدى والطريق الذي خطه الله سبحانه وتعالى
للمؤمنين لأتبعوا الشيطان، قال تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (
سورة النساء