يؤمن كثيرون في إسرائيل أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتجبره على التقدم نحو السلام مع الفلسطينيين والسوريين. بل إن هناك من يشدد على أن الخطة جاهزة عند الأميركيين. وقد سبق لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نقلت عن رئيس طاقم البيت الأبيض راحم عمانويل، قوله لأحد زعماء اليهود، بأن السلام سيتحقق في السنوات الأربع المقبلة.
وبديهي أن هذا التفــاؤل لا يستقيـم مع المواقــف المعـروفة عن نتـنياهو وائتلافه الحــكومي، وخــصوصاً بعد تصريحات وزير خارجيــته أفيغدور ليبرمان. ومن المؤكد أن نتـائج زيارة المبعــوث الرئاسي الأميركي جورج ميتـشل لا تنـبئ بأن الأمــور تسـير بسـهولة فــي اتجـاه التـفاؤل.
وأياً تكن الحال فإن المعلق السياسي في «هآرتس» عكيفا ألدار يؤكد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيعرض في الأسبوع المقبل على الملك الأردني عبد الله الثاني خطته للسلام في الشرق الأوسط. وبحسب ألدار فإن أوباما يبلور خطة سلمية تشمل محادثات ثنائية متوازية بين إسرائيل وكل من الفلسطينيين والسوريين، وعلى أساس المبادرة العربية. وفي هذا الإطار ستبلور الولايات المتحدة «رزمة أمن» تشمل تجريد المناطق التي تخليها إسرائيل من السلاح وإمكانية نشر قوات متعددة الجنسيات فيها لسنوات عديدة.
وبحسب ألدار فإن إدارة أوباما تبنت الرأي بأن الاختراق السلمي مع الدول العربية سيكبح النفوذ الإيراني ويساعد دبلوماسياً في كبح المشروع النووي. ومن هنا فإن المسألة هي كيف سيتعامل نتنياهو وحكومته مع هذا الموقف الأميركي.
وفي هذا السياق يشدد المراسل السياسي لـ»معاريف» بن كسبيت على أن نتنياهو «سوف يعترف في نهاية المطاف بمبدأ الدولتين للشعبين. فليس أمامه مفر. المشكلة هي أن ذلك قد لا يكون كافياً. إدارة اوباما، كما تبدو الأمور الآن لن تكتفي بـ «الاعتراف بالمبادئ» أو بالتصريحات أو بالنوايا أو بالقمم الدولية الاستعراضية. اوباما و(وزيرة خارجيته) هيلاري كلينتون سيقيسان الأمور بالأفعال. وبالأفعال فقط. باراك اوباما محاط بأشخاص كانوا هنا من ذي قبل وجربوا على جلودهم مدى ضراوة هذا المكان، ومدى صعوبة الناس فيه. هم سيطرحون على بنيامين نتنياهو إن عاجلاً أو آجلاً ائتلافاً، ستكون فيه دول مثل مصر والأردن والسعودية ودول الخليج والمغرب وتونس وحتى ليبيا. (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن هو الآخر سيكون فيه. سوريا تعكف الآن على بطاقة الدخول. نتنياهو سيضطر لاتخاذ قرار إن كان سينضم أم انه سيبقى في الخارج. هذا ائتلاف مناهض لإيران سيحاول اوباما بلورته بالأشهر القريبة. هؤلاء هم أبناء النور. بإمكان نتنياهو أن يختار: الدخول أم البقاء في الخارج مع أبناء الظلام».
واعتبر كسـبيت أن «اوبــاما يعرف أن معالجــة المشــكلة الإيرانية تستوجب دعماً دولــياً. هذا الأمر سيــحصل عليــه فقط إن تفاوض مع الإيرانيين بأيادٍ نظــيفة، وأجرى مفاوضـات حقيــقية، ووفر شيئاً إضافياً آخر: بضــاعة إسرائــيلية. مواجهة إيران تحــتاج لتكتل من الدول العربية المعتدلة وإبراز إنجــازات ونجــاحات في مواجــهة إسرائيل. اوباما هو الذي سيضطر لجلب هذه البضاعة. أما نتنياهو فسيضطر إلى توفيرها. تفاصيل الصفقة واضحة. «السلام مقابل الذرة» أو «المناطق مقابل إيران». بإمكان نتنياهو أن يختار كيفية تسمية ذلك، ولكن ليس بإمكانه أن يتملص من مواعيد الدفعات. دولتان واحدة فلسطينية والأخرى إسرائيلية وفقاً لتصور (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش وتصور كلينتون وكذلك تصور اوباما الجديد. هذه اللعبة الوحيدة في المدينة. نتنياهو أعلن عن «إعادة تقييم» السياسة في هذه القضية، ولكنه سيصل في آخر المطاف إلى المكان ذاته الذي يقود إلى نفس الطريق المسدود. باراك اوباما عازم على اختراق هذا الطريق المسدود مرة والى الأبد».
وأضاف «ونتنياهو؟ من جهة، إن بقي في الخارج، سيحول إسرائيل إلى دولة شبه مارقة. ليس بإمكانه أن يبقى في الخارج. بإمكانه أن يحاول زج نفسه للداخل مع مواصلة الشعور والتصرف وكأنه في الخارج. أو اللعب على الوقت. أو الابتهال لأعجوبة على شاكلة عملية أبراج التوائم في أيلول عام 2001 أو أي شيء آخر يغير المعادلة ويهز الوضع ليقلب القدر على من فيه. من جهة أخرى، ليس هناك وقت كثير لتضييعه. أجهزة الطرد المركزية في نتانز تتكتك. رغم الخيار العسكري الذي يحاول الجيش الإسرائيلي بلورته الآن (مع وجود خلافات شديدة في الرأي حول مدى نجاعته) إلا أن الجميع في آخر المطاف من دون استثناء يعرفون الحقيقة: أميركا وحدها هي القادرة على إيقاف المشروع النووي الإيراني. أميركا باراك اوباما. أميركا التي لا تعتبر إسرائيل في سياستها الحالية فيها الآن الصرعة الرائجة. أميركا قصيرة النفس، قليلة الصبر، وتخوض حرب بقاء ذاتية، أميركا التي لا تمتلك الآن صبراً كثيراً إزاء الحيل على شاكلة «ايباك». المحافظون الجدد الذين عول عليهم نتنياهو وبنى الأبراج في الهواء ذهبوا وكأنهم لم يكونوا.»
وتساءل «فما الذي سيفــعله نتنــياهو؟ هـو سيعــترف بمبدأ الدولتين وسيبقي ذلك لاوبــاما. هو يحاول الآن بلورة صــياغات إنقاذية على شاكلة «مبدأ الدولــتين، حيث تكون الدولة الفلسطــينية منزوعة السلاح وذات قدرات اقتــصادية». في ظل هذا الوضع يتــرك نتنياهو الأمور غامضة ويؤكــد على الجانب الاقتصادي. هو معــني بالشـروع في القضية الاقتـصادية والسير في المراحل الأولى عليها فقط من اجل كسب الوقت.
الآن أصبح واضحاً انه لن يشتري الوقت بهذه الطريقة. الأميركيون والفلسطينيون والعالم العربي لن يشتروا هذه البضاعة. السؤال هو إن كان نتنياهو قادراً على تبديل القرص. وإن كان بإمكانه أن يعيد خلق نفسه وفلسفته واستغلال الفرصة التاريخية التي سنحت له والتي لن تتكرر».
وقد أشار مراسل معاريف في واشنطن شموئيل روزنر إلى قرب نفاد صبر الأميركيين من حكومة نتنياهو. وكتب أن «خطاب ليبرمان حول انابوليس اضطر اوباما إلى الالتزام بالعملية التي لم يكن معنياً بها بالمرة. رفض حل الدولتين من قبل نتنياهو اضطر ميتشل للتذكير بأن التفويض المعطى له واضح: دولتان لشعبين.
الحكومات الجديدة تتراسل من خلال قنوات مفتوحة جداً وأحياناً مع بعض التحركات حول بداية طريق مشترك، أو خطوات محسوبة، تهدف إلى الإشارة للجانب الآخر حول الخطوط الحمراء. هذا بالنسبة للساحة الفلســطينية وليــس اقـل من ذلك بالنــسبة لإيــران التي وصلت الإدارة الأميركية بصددها إلى المرحلة الحاسمة على مستوى اتخاذ قرار رئاسي».