جعفر العطار
قبل وصول خبر وفاة الشاب يوسف فتوني الذي اختفى مساء الجمعة الفائت (راجع «السفير» عدد الأربعاء) بساعة، اتصل شقيق المغدور خضر فتوني بـ «السفير» مطمئناً: «ان شاء الله خير، لقد اجتمعنا بمستشار وزير الداخلية العقيد بيار سالم وأطلعنا على التحقيقات الأولية. غداً (اليوم)، سنلتقي بالرئيس نبيه بري، ومن ثم نطلعكم على النتائج النهائية... خير».
في غضون ساعة واحدة، تحول خبر «الخير» إلى «شر» غير متوقع: العثور على جثة فتوني، المتزوج والأب لفتاتين، في منطقة عاليه مطعوناً بالسكاكين.
وعلمت «السفير» من مصادر مطلعة على التحقيق بأن شريك القاتل المدعو م. ز.، هو شقيقه، وهو القاتل الرئيسي، وقد ألقت القبض عليه شعبة فرع المعلومات، بعد رصد دقيق للمكالمات الأخيرة التي تلقاها هاتف المغدور، كما استعانت ببعض الكاميرات المنتشرة على الطرقات التي سلكها القاتل وشقيقه.
عن الدوافع التي وقفت خلف جريمة القتل، يلفت محامي العائلة هاني ابراهيم الى أن الأسباب شخصية، وما زالت طي الكتمان: «فالتحقيق لم ينته بعد. وشقيق القاتل لم يعترف، حتى الآن، بمكان تواجد أخيه الذي وصل من الكويت لتنفيذ الجريمة على أمل العودة إليها وكأن شيئاً لم يكن».
انتشر الخبر، مرفقاً بالتباس يفيد بأنه قد تم إلقاء القبض على الجاني بعد العثور على الجثة، بسرعة جنونية في أرجاء الحي الذي يقطنه المغدور، في منطقة الكفاءات قرب أفران «الهادي». وعلى اثر الخبر، سارعت الوفود المعزية والمستنكرة و«المستغربة» إلى منزل آل فتوني.
الساعة تشير الى التاسعة والنصف من مساء الخميس، أمس الأول. ثلة من الشبان تفترش الطريق المحاذي لمدخل البناية، الذي تحول إلى «وكالة أنباء» تبث الأخبار «الساخنة» نقلاً عن «الوافدين» من أقرباء وأصدقاء القتيل.
تتقدم إحدى النسوة المتشحات بالسواد، وهي جارة فتوني، ممسكةً بيد ابنتها الصغيرة، في اتجاه المصعد. تتنهد قليلاً، ثم تطلب من الطفلة أن تردد وراءها: «أنت دعاؤك مسموع، قولي: الله لا يوفقن.. الله يذلن.. الله ينتقم منن!». تستغرب الطفلة طلب أمها، ثم تردد وراءها الدعاء، بحنق.
وما إن يصل «المعزي» الى مدخل المنزل حتى يتناهى إلى أذنيه صراخ النساء المفجوعات، اللواتي جلسن في شقة القتيل. والى جانب هذه الشقة، فتحت شقة الجيران لاستقبال الرجال الذين شدوا على أيدي أشقاء يوسف، طالبين منهم الصبر والتروي و«عدم الإقدام على أي خطوة غير مدروسة».
يجلس خضر إلى كنبة في زاوية الصالون، يسند رأسه إلى كفه الأيمن، ويبكي. يستقبل المعزين بدموعه وجملة واحدة في فمه: «قتلوه.. قتلوا خيي الصغير.. قتــلوه!»، ثم يتلقى اتصالاً هاتفياً بالجملة نفسها، التي تحولت إلى إجابة موحدة عن كافة الأسئلة التي تطرح عليه.
القاتل يُقتل. تنتقل هذه الفكرة بين المجتمعين، تجيّش عواطفهم التي هاجت كالنار في الهشيم، الى حد طلب أحد أصدقاء القتيل من الأقرباء النهوض وعدم الجلوس: «هيا.. ماذا تنتظرون هنا؟ الدولة لم تأخذ لنا بحقنا، والقاتل قبض عليه بعد فعلته، فلنذهب لقتله!». بيد أن طرحه هذا لم يدم طويلاً، إذ قوبل بالتهدئة والكلام الرامي إلى التهدئة التي بقيت مبدئية: «أقلها، فلننتظر نتائج عمل الطبيب الشرعي والتحقيقات، ونتأكد من الفاعل».
هذه ردود أفعال تفرّغ طاقة موت قاتلة دخلت هذا البيت. الخبر شل العائلة. الزوجة، مريم فتوني، تجول بـــين النسوة وتلطم على خدها صارخةً: «وين رحت وتركتنا يا يوســـف؟ بناتك بدن ياك! الله لا يوفقن اللي كانوا السبب.. الله ياخدن هني وأهلن!». حال الأم كحال كنتها. أما الأب المصاب بداء السكري، فقد أصيب بوعكة صحية أفضت الى شلل نصفي في فمه.
تمر الدقائق، ولا يتغيّر شيء في الخبر. الغياب أفضى إلى موت، والقتيل هو ابن هذا البيت الذي ثار وبكى وغضب وعـــاد ليواجه خبر الموت الذي لا يتغيّر. يقول خضر فتــــوني لـ «الســفير» بعدما التـــقط نفسه: «حقــنا سنأخـذه على أكمل وجه عبر القضاء اللبناني، والقتلى سيعاقبون على فعلتهم ما إن تنتهي التحقيقات».