اختصر الرئيس الاميركي باراك اوباما، من الجملة الاولى في خطابه الاستثنائي امام البرلمان التركي، في أنقرة امس، المحاور التي غلفت زيارته التاريخية الى تركيا: الالتزام بـ«تجديد التحالف» بين أمتين، وسياستين، يرتكز على يد تركية تقبض يوما بعد يوم على تفاصيل اقليمية أكثر، والى نافذة إسلامية ينطلق من خلالها للعبور بعلاقات واشنطن مع العالم الاسلامي نحو ضفة أقل مواجهة.
26 دقيقة من العبارات المرتجلة تحت قبة البرلمان، بحضور الرئيس التركي عبد الله غول، ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وحتى رئاسة الأركان للمرة الاولى منذ وقت بعيد، بدت كافية لاوباما ليوزع من خلالها رسائل داخلية وإقليمية ودولية، ترسم إطارا أكثر تحديدا لسياسة خارجية تكون أنقرة إحدى ركائزها، انطلاقا من العلاقة مع الإسلام، ووصولا الى ايران وسوريا وفلسطين والعراق.
وبدا واضحا ان «استعادة» تركيا والعودة بالعلاقات الثنائية الى ما قبل آذار العام 2003، والدخول الى قلوب الأتراك، تكون عبر مدخل تاريخي. وقد اظهر اوباما براعة في فهم التاريخ التركي، وربطه بالتاريخ الاميركي، عندما أشار الى اللوحة المرمرية التي أرسلها السلطان عبد المجيد في العام 1853 لتوضع عند «نصب واشنطن».
من هذا المدخل التاريخي، أكد اوباما على الهوية الاوروبية لتركيا، معتبرا ان «عظمتها» لم تعد تنحصر في قدرتها على أن تكون «محورا .. ليس هذا مكان الفصل بين الشرق والغرب، بل هو مكان التقائهما». أضاف «تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ودولة تسكنها غالبية مسلمة.. ونتيجة لذلك، فلديها رؤية محكمة لجميع التحديات الإقليمية والاستراتيجية».
وفيما أشاد اوباما بـ«الانجازات» التي تحققت على يد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، قال ان «كثيرا من الصحافيين وجهوا إلي سؤالا خلال جولتي في أوروبا: هل اخترت مدينة اسطنبول لأوجه منها رسالتي الى العالم؟.. وكان جوابي: إيفيت (نعم بالتركية)»، مشددا على ان «الولايات المتحدة وتركيا لم تتفقا دائما على جميع القضايا.. لكن نتيجة لقوة تحالفنا، أصبح البلدان أكثر قوة وأصبح العالم أكثر أمنا».
ورغم ان الرئيس الاميركي، الذي زار ضريح اتاتورك وعقد اجتماعات مع غول اردوغان، تمسك بوجهة نظره في أعمال القتل الجماعية في حق الأرمن على أيدي الأتراك العثمانيين، توقع، من دون ان يستخدم كلمة «إبادة»، انفراجة في المحادثات بين تركيا وأرمينيا، قائلا «أريد التركيز ليس على آرائي الشخصية بل على آراء الشعبين التركي والارمني. فإذا تمكنا من التقدم.. فإن العالم اجمع سيشجعهما.. الحوار قد يحمل ثماره بسرعة».
«لسنا في حرب مع الإسلام»
من «الأهمية الاستثنائية» لـ«التحالف» مع تركيا، انتقل اوباما ليوجه رسالة «مغايرة» الى العالم الاسلامي. باختصار: «الولايات المتحدة ليست ولن تكون طرفا في حرب مع الإسلام.. ان شراكتنا مع العالم الاسلامي في غاية الأهمية ليس فقط بالنسبة لمكافحة الارهاب، وإنما على خيارات أشمل وأعم تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة».
وشدد الرئيس الاميركي الذي من المتوقع ان يلقي كلمة اليوم الثلاثاء في منتدى «تحالف الحضارات» في اسطنبول، على ان «علاقة أميركا مع العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون ولن تكون مستندة الى معاداة القاعدة.. نحن نسعى لتفاعل واسع النطاق مستند إلى المصلحة المشتركة والاحترام المشترك». اوباما سيستمع «الى الجميع بإمعان، وسنبحث عن أرضية مشتركة، وسنحترم حق الاختلاف».
وأعاد الرئيس الاميركي التذكير بجذوره المسلمة، إسهاما في مشوار «المصالحة» مع المسلمين. قال «سنعبر عن فهمنا للإسلام الذي ساهم على مدى قرون في صياغة العالم، بما فيها بلادي.. هناك مسلمون يعيشون في أميركا ويسهمون في نهضتها بشكل كبير، وهناك أميركيون لهم أقرباء مسلمون، او عاشوا في دول مسلمة، وأنا واحد منهم.. سنركز على الشراكة مع العالم الاسلامي».
تعاون مع تركيا
لحل القضايا الإقليمية
على الصعيد الإقليمي، أكد اوباما على دور أنقرة المحوري. قال ان الولايات المتحدة وتركيا «تمكنهما مساعدة الفلسطينيين والاسرائيليين.. يجب أن نعمل معا على بناء الثقة وألا نستسلم لغياب الأمل، وأن نعمل على ذلك مع جميع الأطراف، من خلال دعم المحادثات بين سوريا واسرائيل».
وشدد الرئيس الاميركي على دعم ادارته «لحل الدولتين... وسنعمل مع تركيا لتحقيق هذا الهدف وسأتابعه بشكل نشط كرئيس للولايات المتحدة من منطلق الالتزام باتفاقات أوسلو وخريطة الطريق ومقررات أنابوليس، وعلى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن يلتزما بالتعهدات التي قطعاها على نفسيهما لإحداث التقدم تجاه سلام دائم»، وذلك بعد أيام قليلة من نبذ الحكومة الاسرائيلية اليمينية الجديدة لعملية انابوليس وحل الدولتين.
وقد رحبت السلطة الفلسطينية بتصريحات اوباما، فيما قال وزير البيئة الاسرائيلي جلعاد اردان القريب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ان اسرائيل «لا تتلقى أوامرها من الرئيس الاميركي.. عبر التصويت لبنيامين نتنياهو، قرر الإسرائيليون ألا يكونوا الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة»، وذلك في وقت اعلنت وزارة الخارجية الاميركية ان المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل سيزور مصر والأراضي الفلسطينية والخليج وشمال إفريقيا اعتبارا من 13 نيسان الحالي «ليدفع نحو الهدف المتمثل في حل من دولتين».
وفي ما يتعلق بإيران، أكد الرئيس الأميركي انه أوضح «لقادة وشعب ايران الاسلامية أن الولايات المتحدة تبحث عن المصالح المشتركة والتعاون، ونريد لايران أن تؤدي دورها المناسب في العالم لانها تمتلك حضارة عظيمة.. وعلى قادة ايران ان يختاروا بين أن يبنوا سلاحا نوويا، أو ان يبنوا مستقبلا أفضل لشعبهم».
وتطرق اوباما الى الوضع العراقي، قائلا «أعرف أنه كان هناك خلاف بين تركيا وأميركا بشأن هذه الحرب.. لكن الآن يجب أن نجتمع معا لإنهاء هذه الحرب بشكل مسؤول». واضاف ان بلاده وتركيا والعراق «تواجه تحديا مشتركا من الارهاب، ويشمل إرهابيي القاعدة.. ومنظمة حزب العمال الكردستانى الإرهابية.. سندعم تركيا من أجل التعاون مع الحكومة العراقية والأكراد في شمال العراق.. كما سنتعاون مع تركيا من أجل تعزيز التعليم والفرص الديموقراطية للشعب الكردي في تركيا».
(«السفير»، ا ب، ا ف ب،
رويترز، يو بي آي)