ليسوا قلة هم الأطفال الذين يُعنّفون في لبنان جسدياً وعاطفياً ونفسياً، من قبل الاهل والمعلمين، بحجة التربية والتوجيه. وليس نظرياً الحديث عن تزايد عدد الاطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي. فنسبتهم توازي 16% بحسب دراسة اجرتها مؤخراً جمعية «كفى”، بالتعاون مع «المجلس الأعلى للطفولة”، و«مؤسسة غوث الأطفال السويدية”. وفوق ذلك، يدفع الأطفال، من ضمن منظومة المجتمع، ثمن الحروب والاضطرابات الأمنية المتتالية في لبنان، حيث يُصابون في أمنهم وهنائهم، وحيث تتسع دائرة التقصير عن الإيفاء بكثير من حقوقهم الانسانية.
ولإطلاق الدورات التدريبية حول «مشروع التربية على حقوق الطفل”، اجتمع امس عدد من مدراء واساتذة المدارس الرسمية والخاصة، وممثلو لجان الاهل، في اطار لقاء تمهيدي عقد في فندق «البريستول”، وذلك تحت عباءة «اللجنة الوطنية لليونسكو” بالتعاون مع «اليونيسف” وورشة الموارد الطبيعية.
ويرتكز المشروع على تقوية القناعات بحقوق الطفل في ضوء ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل، وتوعية العاملين مع الأطفال (أساتذة، اداريين، وأهال) على بنود هذه الاتفاقية وتوضيح مهامهم، لتمكين الاطفال من نيل حقوقهم، ومساعدة المعلمين على دمج مفاهيم حقوق الطفل في العملية التعليمية.
و«اتفاقية حقوق الطفل” التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1989 ودخلت حيز التنفيذ في العام 1990، كان لبنان من أوائل الدول التي صدقت عليها في أيار 1991. لكن، بالرغم من ذلك، ما زالت ثمة هوة كبيرة بين بنودها النظرية والتطبيق. من هنا، تركز الدورات التدريبية التي ستعقد للاساتذة في اطار المشروع، في آذار الحالي وايار المقبل، على ردم هذه الهوة.
وعن مدى امكان تطبيق الاتفاقية، تشدد الامينة العامة لـ«اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو” سلوى السنيورة بعاصيري، على أهمية «تعاون المدارس المشاركة مع فريق خبراء ورشة الموارد العربية، لاكتساب المعرفة الضرورية بشأن شتى بنود الاتفاقية واهمية تكاملها، ولاكتساب المهارات الأساسية للتعبير عنها في الممارسات اليومية داخل الصف وخارجه، ونقل مضامينها وغاياتها الى الأطفال أنفسهم، ليطلعوا بطرق سلسة وميسرة على حقوقهم، وعلى حقوق سواهم من الأطفال”.
غير ان اللافت هو المشاركة المحدودة لممثلي لجان الاهل في اللقاء التمهيدي الذي عقد امس. علماً بأنهم يمثلون الفئة المستهدفة اساساً من المشروع الى جانب المدارس. وتبدى ذلك عندما طلبت بعاصيري من ممثلي اللجان رفع اصابعهم للاطلاع على حجم مشاركة لجان الاهل. بعدها علقت بقولها: «كنا نتمنى لو كان تجاوب الاهل اكبر من ذلك، لأن الدورات التدريبية ستكون مخصصة فقط للأساتذة”.
وأثير خلال اللقاء اقتصار تمثيل المشاركة الرسمية على «المركز التربوي للبحوث” ممثلاً بمدير البرمجة نبيل قسطنطين، فعلقت بعاصيري بقولها: «الحكم ليس وحده الدولة. نحن الدولة ايضاً. نحن من يصنع التغيير، ولن نتخلى عن دورنا ونلقي المسؤولية على الآخرين. والتغيير يبدأ من الاسرة، ومن المدرسة. لا اعفي بذلك الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرار، لكن نحن من نشعرهم بأهمية هذا القرار ونؤثر بهم”. وتعهدت بنقل اقتراحات المشاركين الى وزارة التربية.
وقائع اللقاء
أدار اللقاء الدكتور رائد محسن، وتحدثت فيرا غابريلوفا ممثلة مسؤول «اليونسيف” في لبنان روبرتو لورنتي، فأشارت الى انه «من خلال عمل اليونيسيف داخل المدارس تبين وجود تفاوت في الحاجة في التدريب، من أجل ايصال المفاهيم المتعلقة بحقوق الطفل ومشاركة الأطفال في التعرف الى حقوقهم وواجباتهم”.
واشار رئيس ورشة «لجنة الموارد العربية” سمير جرار الى ان المشروع يقسم الى أربع مراحل، أولاها التوعية العامة وتحديد دور المشاركين في التعليم، والتمييز بين الحاجة والحقوق. والمرحلة الثانية تتضمن ورشات تدريب للمعلمين حول طرق تطبيق مواد اتفاقية حقوق الطفل. أما المرحلة الثالثة فتنصب على إعداد مشاريع قيد التطبيق في الصفوف، على ان تعقد بعدها اجتماعات تنسيقية لاختيار المشاريع المميزة لنشرها في كتيب، وإصدار تقرير ختامي.
وعرف رئيس «المجلس الأعلى للطفولة” الدكتور ايلي مخايل بـ«اتفاقية حقوق الطفل”، وقدّم مقاربة لعدد من موادها. وشدد على «أهمية المشروع الذي يعبر عن حاجة وطنية اساسية”، لافتا الى ان «مستوى الوعي العام لحقوق الطفل لا يزال ناقصا”.
ورأى ان «تنفيذ الحقوق لا يتم إلا بمقاربة شاملة، ويستلزم شراكة كاملة بين كل المؤسسات التي تهتم بحياة الاطفال”، مشددا على «أهمية توعية الطفل الى حقوقه وتمكينه بحيث يتحول من صاحب حق الى شريك”.
ثم عرض للمبادئ التي تقوم عليها حقوق الطفل وترتكز على اربعة: عدم التمييز، المصالح الفضلى للطفل في كل التدابير التي يتم اتخاذها، والحق بالحياة والبقاء والنمو، والمشاركة.
وتحدث الدكتور رائد محسن حول الدور التكاملي بين الاهل والمدرسة والمعلم. فقال ان الوالدين هما المسؤولان اساساً عن رعاية ومساندة نمو اطفالهم، وعلى المجتمع ان يقدر بصورة اكبر هذا الدور لهم. واكد على ضرورة أن تعمل الاجهزة الحكومية، كوزارات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية، كشركاء مع الاهل، لضمان وصول الخدمات والدعم الى العائلات، وهي الخدمات التي تشجع تطور الطفل المعرفي والاجتماعي والعاطفي والجسدي.
واعتبر محسن انه لدى المهنيين نزعة في دعوة الاهل الى الانضمام اليهم، والعمل بناء على شروطهم، في حين أن الشراكة الحقيقية تستدعي تقبل خبرة لجان الاهل.
وطالب الاهالي بضرورة اشعار اطفالهم بالامان والثقة بالنفس لـتأمين نمو صحي وعاطفي سليم لهم، وان يتحدثوا مع اطفالهم ويصغوا اليهم منذ ايامهم الاولى، وان يأخذوا مخاوفهم على محمل الجد، ويشجعوهم ويدعموهم كسبيل الى الاستقلالية. ولفت الى ان الحاضنات ذات الخدمات الرفيعة المستوى تعطي نتائج تدوم طويلاً.
