لم
يكن مفاجئاً ما جاء في تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA
مؤخراً، من أن "انهيار إسرائيل خلال الأعوام العشرين المقبلة أمر محتوم
ولا مفر منه".
وقد ذكر التقرير
الذي نشرته مؤخراً ووزعته على نواب مجلس الشيوخ الأميركي وأعضاء اللجنة
المنتخبة في البرلمان: "إن أكثر من مليوني إسرائيلي بينهم 500 ألف يحملون
البطاقة الخضراء أو جواز سفر سوف يتوجهون إلى أميركا خلال الأعوام الخمسة
عشر المقبلة". مضيفاً: ان حوالى مليون و600 ألف إسرائيلي يستعدون للعودة
إلى أوطانهم في روسيا وأوروبا الشرقية والغرب".
بالتأكيد
كان هناك الكثير من الإشارات التي تنبئ بهذا المصير، ولم يأتِ تقرير
الوكالة بجديد في هذا الامر، بل أكد ما جاءت به جميع الإشارات منذ هزيمة
"اسرائيل" في حرب تموز لغاية الآن.
الواقع ان بعضاً من رموز اليهودية العالمية وقادة "اسرائيل" كانوا أسبق من
تقرير CIA في إدراك ان "اسرائيل" باتت في "خطر وجودي"، وهذا ما أتت به
خلاصات "مؤتمر هرتسيليا لعام 2008"، وهو ما تنبأ به الرئيس الإسرائيلي
الحالي شمعون بيرس، الذي حذر في الأيام الاولى للعدوان على لبنان، حين
بدأت تموج مظاهر التعثر والفشل، من عواقب الفشل بقوله: "... ان مصير هذه
الحرب يضعنا ويضع الدولة بين خيارين: الحياة أو الموت".
وهذا
ما كان بن غوريون بالضبط قد أكده عند تأسيس الدولة اليهودية بقوله:
"إسرائيل ممكن أن تهزم العرب مئة مرة، ولكن إن هُزمت مرة واحدة فيعني ذلك
نهايتها".
بالطبع كانت نتائج حرب لبنان وهزيمة "اسرائيل" فيها، ثم حرب غزة وصمود
المقاومة وأهل غزة الأسطوري، تأكيدا حقيقيا لما حذّر منه فينوغراد عندما
قال: "لا يمكن لـ"إسرائيل" البقاء في هذه المنطقة، ولن نستطيع العيش فيها
بسلام أو حتى بهدوء، من دون أن يكون هناك من يؤمن فيها وفي محيطها بأن
دولة "إسرائيل" تمتلك قيادة سياسية وعسكرية، وقدرات عسكرية وقوة ومناعة
اجتماعية، بما يمكنها من ردع كل من تسوّل له نفسه من بين جيرانها المس أو
إلحاق الأذى بها، ومنعهم - ولو بالقوة - من تحقيق مبتغاهم".
بالنسبة الى القدرات العسكرية أثبتت الوقائع وحربا تموز وغزة، ان العرب لم
تعد ترهبهم الآلة العسكرية الاسرائيلية، وأن المعايير انقلبت، وباتوا هم
من يمنعون "اسرائيل" - بالقوة - عن تحقيق أهدافها ومبتغاها. أما الإشارات
والدلائل التي تؤكد عدم المناعة الاجتماعية الداخلية في "اسرائيل" فكثيرة
جداً، ليس أقلها الهجرة المعاكسة، وما حصل قبل وبعد الانتخابات ووصول
اليمين المتطرف الى السلطة، الذي ان أشار الى شيء فإلى هجرة "المؤمنين
بالسلام" من الشعب الاسرائيلي، وبقاء المتطرفين في "اسرائيل".
كان مهماً تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية، ولكنه بالتأكيد لم يأتِ
بجديد، بل وصّف واقعاً بدأت تباشيره تظهر من حوالى سنتين. ولعل رئيس
الكنيست السابق أبراهام بورغ كان سباقاً في التنبؤ بمستقبل "اسرائيل"، حتى
قبل خسارتها في حرب تموز، عندما قال: "استندت الثورة الصهيونية دوماً الى
دعامتين: مسار عادل وقيادة أخلاقية.
ولم يعد
أيّ منهما قائماً الآن. فالدولة الإسرائيلية تقوم اليوم على سقالات من
الفساد وعلى أسس من الاضطهاد والظلم.. وهناك احتمال فعلي لأن نكون آخر جيل
صهيوني.. إن دولة تفتقر إلى العدالة لا يمكن أن تبقى على قيد الحياة".
بالطبع، ان دولة تفتقر الى العدالة لا يمكن ان تبقى على قيد الحياة، فكيف
إذا كانت هذه الدولة هي "اسرائيل" الخالية من كل معايير الحق والعدالة
والأخلاق والإنصاف؟!
- جريدة الانتقاد الالكترونية .