كتب المحلل والكاتب الصحافي الاسرائيلي غدعون ليفي مقالاً تحليلياً نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم الخميس تحت عنوان "حرب غزة انتهت بفشل ذريع لإسرائيل" يقول فيه: "في أعقاب انسحاب آخر جندي إسرائيلي من غزة، يمكننا أن نحدد بشكل مؤكد أنهم ذهبوا جميعا إلى هناك بدون جدوى. فالحرب انتهت بفشل ذريع بالنسبة الى سرائيل. وهذا يتجاوز الفشل الأخلاقي العميق، الذي يعتبر امرا خطيرا بحد ذاته، ولكنه يرجع الى مسألة عدم القدرة على الوصول الى الأهداف المعلنة. وبكلمات اخرى، فان الحزن لا يعوضه الفشل. لم نحقق شيئا في هذه الحرب باستثناء مئات من القبور، بعضها صغير جدا، وآلاف الأشخاص المشوهين والكثير من الدمار وتشويه صورة اسرائيل. وما بدا كخسارة مقدر لها سلفا لعدد قليل من الأشخاص في بداية الحرب سيظهر تدريجيا على انه خسارة كذلك للعديد من الناس الآخرين، بعد ان تخفت حدة اصوات ابواق الانتصار. الهدف الأولي للحرب كان انهاء اطلاق صواريخ "القسام". وهذا لم يتوقف حتى اليوم الاخير من الحرب. وقد تحقق فقط بعد ترتيب وقف اطلاق النار. ويقدّر مسؤولون في وزارة الدفاع انه ما يزال لدى "حماس" نحو 1000 صاروخ. ولم يتحقق أيضا الهدف الثاني للحرب، وهو وقف التهريب. وقدّر رئيس جهاز الامن الداخلي "شين بيت" ان التهريب سيستأنف خلال أسبوعين. ومعظم التهريب الذي يجري هدفه توفير الغذاء للسكان تحت الحصار، وليس للحصول على أسلحة.
ولكن حتى اذا قبلنا الحملة النادرة المتعلقة بالتهريب مع مبالغاتها، فان هذه الحرب قد عملت على اثبات ان اسلحة بدائية رديئة النوعية قد مرت عبر انفاق التهريب التي تربط قطاع غزة بمصر. ان قدرة اسرائيل على تحقيق الهدف الثالث مشكوك فيها ايضا. الردع، استخف بهذا. ان الردع الذي من المفترض أننا حققناه في حرب لبنان الثانية لم يكن له اقل تأثير على "حماس". والردع الذي يفترض اننا حققناه الآن ليس بأفضل: فاطلاق النار المتقطع من قطاع غزة استمر خلال الايام القليلة الماضية. الهدف الرابع الذي يبقى غير معلن، لم يتم تحقيقه ايضا. فالجيش الاسرائيلي لم يستعد قدرته. ولا يمكنه تحقيق ذلك، ليس في شبه حرب ضد منظمة بائسة سيئة التجهيزات تعتمد على اسلحة بدائية، وبالكاد يستطيع مقاتلوها خوض قتال. ان الأوصاف البطولية وقصائد النصر التي كتبت حول "انتصار عسكري" لا تساعد في تغيير الواقع. الطيارون كانوا يحلقون في مهمات تدريب والقوات البرية شاركت في مناورات تضمنت التجمع واطلاق النار. ان وصف العملية بـ"الانجاز العسكري" من قبل جنرالات ومحللين مختلفين الذين ادلوا بدلوهم حول العملية هو محض سخف. نحن لم نضعف "حماس". والغالبية العظمى من مقاتليها لم يلحق بهم اذى، وفي الواقع فان الدعم الشعبي للمنظمة قد زاد. وقد كثفت حربهم روح المقاومة والتحمل والتصميم. ان شعبا ربى جيلا كاملا على روح بضعة قصائد لا بد انه عرف الآن كيف يكن التقدير لهذا الأمر. وليس هناك شك بخصوص من كان داود ومن كان جالوت في هذه الحرب. لن يصبح اهالي غزة الذين تلقوا ضربة قاسية اكثر اعتدالا الان. بل على العكس، فان المشاعر الوطنية ستتحول بدرجة اكبر من ذي قبل ضد الطرف الذي تسبب في الضربة وهو دولة اسرائيل. ومثلما يميل الرأي العام الى اليمين في اسرائيل بعد كل هجوم نتعرض له، كذلك هي الحال في غزة في اعقاب الهجوم الصارخ الذي قمنا به ضدهم. واذا كان هناك طرف اصابه الوهن بسبب هذه الحرب، فهو حركة "فتح" التي بدا اكثر وضوحا الان تأثير فرارها من غزة وتخليها عنها. ولا بد عند الحديث عن حلقات الفشل في هذه الحرب من أن يتطرق الحديث بالطبع الى فشل سياسة الحصار. وبدأنا ندرك لبعض الوقت ذلك الفشل- العالم قاطع.. واسرائيل حاصرت..
و"حماس" تسيطر ولا تزال تسيطر. غير ان عملية جرد نتائج الحرب بالنسبة الى اسرائيل لا تتتهي عند عدم تحقيق اي انجازات. فقد لحقت بنا خسائر فادحة سنظل نتحمل اعباءها لفترة من الزمن. وعندما يحيل موعد تقييم وضع اسرائيل على المستوى الدولي، فان علينا ان نخدع انفسنا بما يبدو انه دعم من القادة الاوروبيين الذين جاؤوا لالتقاط الصور مع رئيس الوزراء ايهود اولمرت. ان افعال اسرائيل تسببت في الحاق ضربة حقيقية للدعم الشعبي للدولة (الاسرائيلية). ومع ان ذلك لا يكشف عن ذاته في كل الاوقات ضمن اطار الوضع الدبلوماسي الفوري، فان الموجات الارتدادية لا بد ان تصل الينا يوما ما. لقد شاهد العالم أجمع الصور التي اصابت الانسانية بذهول وان خلفت برودا في المشاعر لدى معظم الاسرائيليين. والخلاصة هي ان اسرائيل دولة عنيفة وخطرة، لا تعرف اي مشاعر لضبط النفس وتغفل عمدا قرارات مجلس الامن الدولي، في ذات الوقت الذي لا تعير فيه أي اهتمام للقانون الدولي. وهي تواصل في الوقت ذاته التحقيقات في ما حدث. ولعل أقسى ما يخلفه ذلك على النفس تلك الاضرار التي ستصيب لب معنوياتنا. وستحملها الينا الاسئلة الصعبة عما ارتكبه الجيش الاسرائيلي في غزة رغم الصورة البراقة التي ترسمها وسائل الاعلام المجندة. والسؤال الان هو: ما الذي حققناه؟ على أرضية ان تلك حرب اشتعلت لارضاء مساومات السياسات الداخلية، تكون العملية حققت نجاحات اكثر من كل التوقعات. فمكانة رئيس "ليكود" بنيامين نتنياهو قد ارتفعت في الاستطلاعات. اما السبب فهو اننا لا يمكننا ان نحصل على ما يكفي بمجرد شن الحرب".