الضّاحية
جمهوريّة الوطن في عاصمة الوطن
بقلم: حسين أحمد سليم
الضّاحية, ضاحية بيروت الجنوبيّة, قلب الوطن النّابض, عند تخوم عاصمة المستقبل, جهة الجّنوب, تتربّع على مساحة من أرض الوطن, وارفة كانت بأشجار الزّيتون واللّيمون, لتتسامق حبّا وطنيّا بنسيج بشريّ من خلاصة نسيج الوطن, من كلّ حدب أتوا وصوب, تجمعهم هويّة الأرز على حبّ لبنان, من قرى ريف بعلبك أتوا, من قرى الصّمود في جبل عامل قدموا, من بلدات جبل العنفوان في جبيل وكسروان نزحوا, مع إخوان لهم يتقاسمون لقمة العيش في الوطن, من الفقر التّاريخيّ بداية بنوا خيم الفقر, أكرمهم الله بالحبّ القدريّ, فأقاموا صروحا من الحجر, تماسك البنيان بالبنيان منذ البدء, مكوّنا نسيج العشق في الضّاحية قلب الوطن, رغم قهر الزّمان وصلف العيش, بقيت صروح الوئام قائمة في الأحياء,أغمض الوطن عينه على حين غفلة من الحكّام, فإكتظّت الأرض بالحجر والبشر, وغدت عاصمة لبنان ضاحية العاصمة, تتعاظم عنفوانا في قلب الوطن, وأورق الوفاء في تربة الضّاحية, فأينع إخلاصا سقى الأرض بطهر الدّماء, ورغم الإيمان برب السّماء على دين عيسى ومحمد, بقيت ضاحية عاصمة لبنان الغد, تئنّ من قصور في حنين قلوب أولي الأمر, فغرقت تعضّ على جراحاتها من المعاناة, تحت وطأة العذابات والحرمان والظّلم والجّور, فبات من يتقلّدون زمام الأمر, لا أمر لهم في واقع الأمر, لولا الضّاحية الشّموس لم تبق بيروت للبنان عاصمة الأمس واليوم والغد, رجال أبطال فدين لبنان بالنّفوس المطمئنّة, وحملن الأمانة من صاحب الأمانة, سقين قداسة التّرب بطهارة الدّم, فعصفن رياحا هوجاء في وجه المعتدي, حطّمن أسطورة العصر وهزمن الجيش الذي لم يهزم, ورفعن للنّصر راية خفّاقة فوق القمم, منارات العلم قصور الثّقافة في قلب الضّاحية, أبناء الضّاحية رجال لبنان الغد, وأجيال الضّاحية أجيال الإعتزاز للوطن, أنجما تتألّق في الفضاءات كوكبات من الخلق والإبداع, أرست للغد معالم ثقافة الوطنيّة في الوطن...
" الشّياح " نواة الأمل, من واحاتها المغروسة بالتّوت واللّيمون والصّبّار, تبرعمت أغصان وارفة الظّلّ, وتنامت في دروبها حكايات الحبّ وروايات العشق, نقلتها الأجيال قدرا زمنيّا إلى الجوار, منبسطة بكلّ معالم الودّ, مدّت يدها حانية بوافر العطاء, ولدت من رحم الحبّ جارة الحبّ " الغبيري ", على شاكلة أختها في العشق, وفي " حارة حريك " كان للحبّ مقاما إليه تحجّ النّاس بالحبّ, وتكمل الحجيج طوافها في " برج البراجنة " وتشوط تحبّبا في " تحويطة الغدير ", مناسك الحبّ لا تكتمل في الضّاحية, بلا تبريكات من سيّدة " المريجة " والتّمتّع بين الورود وضوع الأريج في " اللّيلكي ", قلب الضّاحية " بئر العبد " , لها في حقب الماضي حكايا, رواتها أصائل سامقة في البقعة, وليست " الأوزاعي " ببعيدة عن قيلولات هادئة, تنأى بالرّواد بعيدا فوق أمواج البحر, و " الجناح " لزمت جيرة " بيروت " في حبّ خالص يسكن شغافات القلوب, ناهيك عن بيوت شاء لها القدر, أن تتماسك بقوّة تشكّل حرمة لمطار بيروت بالحراسة, و " مدينة الكرامة " بأحيائها صورة لبنان في الواقع, المطار غربا يحمي حماها, وصروح الفكر والمعرفة والثّقافة شرقا ترسم معالمها, فوارس العلم تأبى ولوج مضارب العلم إلاّ من باب " قرية الصّدر " ويأبى عنفوانا لبنانيّا أصيلا إلاّ أن يتهادى الغدير في ثنايا تراب " عمروسيّة الشّويفات ", مارست ثورة الصّناعات ثورة مخلفّاتها عند ضفافه, فغدا باكيا يئنّ خريرا من آسن مياهه, وصحراء الزّيتون في " حارة الأمراء " تنتشر في أرجائها ثروة الصّناعة, تنامت سريعا وإحتشد فيها تشكيل جديد من البنيان وشرائح النّاس, بالأمس كان " التيرو " ساح الصّيد فيها, لرئيس راحل في رحاب الله, والحكاية طويلة تروى على ألسنة الرّواة...
الضّاحية, موئل الفكر والأدب, في فيء الظّلال, تنتشر مقامات الخلق, وتتسامق منارات الإبداع, للنّشر فيها دورا وأروقة ومنتديات, تكتظّ بتشكيلات من الفنون الأدبيّة, سفراء فوق العادة لبلاد العالم, تحمل بين أغلفتها نماذج من النّبوغ في فنون العلم والأدب, ومدارس تشكّل وجه الضّاحية, إنعكاس حقيقة الوعي الباطنيّ في العقول, تجسيدا لطموحات البعد في رؤى قيامة المجتمع الفاضل, لا, لم أنس موازين الوعي في بيئة الأمّة, منارات هدي ورشاد في كلّ ناحية تتلألأ, نساء ورجالات من نسيج لبنان في الضّاحية, لمعن في فضاءات الفكر والأدب والعلم والصّحافة والإعلام, وآخرون في مجالات تنموية أخرى عليها يقوم مجتمع الضّاحية, فقط عين مسؤولة ترعى الضّاحية, تحمل تكليفا شؤون النّاس, صحوة ضمير ووجدان من أولي الأمر, وإهتمام بعدل ونظام ورؤى حكيمة, تترقّى الضّاحية سموّا على سموّ, مهما نأى عن الضّاحية أولي الأمر, وحاقوا بها ظلما وحرمانا زورا وبهتانا, تبقى الضّاحية للكرامة مدينة, تتسامق فيها الأصالة والعنفوان والوفاء والإخلاص للوطن, موروثات ماض تليد, نقلها الأجداد في إباء نفوسهم, من قرى ريف البقاع والجنوب والجبل, ليعمرون بها الضّاحية على أساسات متينة غائرة في الأرض, تتعاظم على متونها صروحا من الحبّ والعشق, تتحدّى همجيّة حضارة معولمة بالتدمير والقتل, سمتها الإرهاب مذ ولدت لقيطا أمميّا, منحته الأبالسة هويّة العظمة في هيئة الأمم, تحت وصاية طواغيت العصر في مجلس الأمن...
جمهوريّة الضّاحية الجنوبيّة لعاصمة لبنان الغد, قلب لبنان النّابض بالوئام والحبّ, مع أخوة وأشقّاء جارت عليهم قهرات الحضارة, فإرتحلوا عنوة من فلسطينهم لجؤأ إلى كنف الأمل, فوق كثبان من الرّمال حطّوا رحالهم إلى أمد, الضّاحية الأبيّة واسعة المساحة رغم رقعتها الضّيّقة, بإتّساع مساحة رقعة الوطن, وعظيمة الشّأن في وجودها رغم محدوديّتها, عظمتها على قدر عظمة شأن الوطن, ولازم لا بدّ منه وجودها, كما لزوميّة وجوديّة الوطن, ناسها نسيج فريد في تكوينه, كما نسيج فرادة الوطن, لا, لا تحدّث النّفوس أصحابها بشائنة, قداسة الضّاحية من قداسة الوطن, سرّ الله أودعه قدرا في قلب الضّاحية, كما أودع الأرز سرّا تليدا في مكنون الوطن, سليمان عبر التّاريخ من خشب الأرز بنى صروح محاريبه, محاريب الضّاحية محاريب لبنان في المكان والزّمان, تتعانق حبّا في الله تعالى المآذن مع قبب الأجراس, ترسم للعالم كلّ العالم لوحة إنطباعيّة واقعيّة صادقة المشهديّات, بين " حارة حريك " و " الجناح " و " المدوّرة " في أطراف " الأوزاعي " الجنوبيّة و " تحويطة الغدير " والمريجة " و " الليلكي ", محاريب الضّاحية أنجبت للوطن شرفاء الوطن...