بسم الله الرحمن الرحيم
عاشوراء من منظور الإمام الصدر
لم يحتل حدث محوري وتاريخي حيزاً من عقل وقلب الإمام الصدر كما احتلت عاشوراء مد ضلت كتبه وخطبه واحاديثه وامثاله وموقفه الشعبي والاجتماعي التربوي والثقافي لقد دخلت إلى كل تفاصيل وجدانه وسلوكه ومقالاته فكانت المحرك والدافع والطاقة المتجددة التي لاتعرف النضوب ابداً . كانت بالنسبة إليه انتباهة تاريخ ويقظة دائمة اللحظة المعاشة كل لحظة ووعي مستمر , طاقة لا تستنفذ حرارة لا تبرد دفع هي لكن محدد المنطلق والهدف تقف على اساس لا ياسرها الماضي المدون بين دفي الكتاب بل يخحرجها الى الحياة حين تجددت الاسباب ويحدد الاهداف والقيم وادوات الصراع والاهداف والغايات والدروس والعبر المستقاة لتكون في خدمة الانسان والانسانية في كل زمان ومكان " عاشوراء في ابعادها تتجاوز محنة عاطفية ومأساة بشرية بل انها نموذج بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلم الاجيال , كل الاجيال وتفتح امام الاجيال , كل الاجيال طريق النجاة وطريق الخلاص "
النهظة الحسينية حركة لا مؤسسة :
رفض الامام الصدر ان تصبح عاشوراء طقساً من الطقوس الدينية التي تمارس في وقت محدد وفي مكان محدد لا تتجمد عند هذا الحد فتشطب من قاموس الحياة وتغادر اللحظة المعاشة تدون في سجل الماضي الحزين الذي لا يستدر الا الدمع والحزن دون ان تكون لها دور فاعل في حياة الناس وبهذا الصدد يقول " المطلوب عدم الاكتفاء بهذه الاحتفالات كي لا تتحول الى طقوس ومراسيم شكلية متحجرة ويختفي وراءها المذنبون ويطهر الطغاة ذمتهم امام الشعب بحجة حضورهم المأثم ولئلا يصبح
ــــ
البكاء و المشاركة في المآتم بديلاً عن العمل و تنقيساً للغضب التأثر و الاحتجاج البناء و في كلام آخر يؤكد " لا يجوز أن تبقى ذكرى عاشوراء فارغة من محتواها كطقس جامد ".
مقتل عاشوراء هو تحويلها الى طقس جامد منصرة الحسين ( ع ) تتطلب إبقاء النهضة على توهجها و حضورها الدائم في ساحة الحياة حيث المواجهة المستمرة بين الحق و الباطل صغيراً كان الحق أم كبيراً و صغيراً كان الباطل أم كبيراً لا هم ، بل الوقوف الدائم في جبهة الحق بما يقتضيه ذلك من جهوزية نفسية على مستوى الأفراد من خلال الانتصار على كل نوازع الشر في النفس ( حيث سمي الجهاد الأكبر ) ليتم التمكن ساعتئذٍ الانتصار للحق في ميدان الأسرة و الوطن و القضية أي قضية عادلة و محقة بغض النظر عن حججها و مستوى تأثيرها و يؤكد الصدر في هذا المجال " ذكرى عاشوراء يجب أن تبقى حية متحركة مؤثرة في حياتنا كما كانت المعركة فنحولها الى دوافع للوقوف القوي الثابت بجانب حقنا مهما بلغت التضحيات "
حركية عاشوراء كانت شغله الشاغل لأنه يعتبر حياة عاشوراء و استمراريتها بحركيتها و مواكبتها لقضايا الناس لأن قضايانا لا يمكن أن تستقيم و تنصر إلامن معين عاشوراء الدائم التوهج و الدائم العطاء فالمشكلة كل المشكلة فينا نحن الذين كانت عاشوراء لأجلنا فإما نأسرها في قمقم الماضي و النسيان أو في قالب جامد يمنع الحياة من الاستفادة من الطاقة الهائلة الكامنة فيها و نصرة القضايا العادلة في حياة أمتنا و أوطاننا
ـــــــــــــــــــ
وحيث كان الصراع طويلاً و ممتداً عبر الزمان كان لا بد من مواكبة دائمة يوماً بيوم، و جيلاً بعد جيل فكانت كريلاء كما يعبر الامام الصدر " حلقة في تاريخ الصراع بين الحق و الباطل اذا أخرجناها من الجمود و ربطناها بالمستقبل عند ذلك نكمل كما نقول بأن الحسين وارث آدم و نوح و عيسى ، مورث كل من يصرع الباطل و كل من يناضل في سبيل الحق و كل من يسعى و يقوم جهده في سبيل الدفاع عن الحق "
القربانية في عاشوراء: حيث أن ليست كل ألوان الصراع بين الحق و الباطل بيضاء ، هادءة، أو باردة، فكانت في معظمها حمراء دامية و عنيفة تتطلب دماءً و أسراً، سبياً و نفياً تقطيعاً للأجساد و بذلاً من الأنفس و الأبناء و الأصحاب، فليس فداءً و عطاءً في التاريخ كما كان في عاشوراء " لا يوم كيومك يا أبا عبدالله " و كما يقول الحسين ( ع ) أني لم أجد أهل بيت أبر و أوفى من أهل بيتي و لا أصحاب أبر و أوفى من أصحابي ".
و القربانية لا تقتصر على بذل الدم و الولد بل تنسحب على قضايا حياتنا صغيرة كانت أم كبيرة دماً كانت أم مواقع سياسية، أسرية كانت أم وطنية و قومية فالبذل لا حدود له في عاشوراء كماً و نوعاً.من هنا التدريب على البذل و العطاء و الجهوزية الدائمة لأن تعطي من وقتك ، دمك، موقعك، أولادك، مالك إلخ... هذه الجهوزية الدائمة و التلبية الفورية هي هدف و غاية من أهداف و غايات عاشوراء لرفد الحق بما يريد من متطلبات المعركة المستمرة مع الباطل فلا تأجيل في الزمان و المكان و القضية لأن ما تبذل اليوم يوقد الكثير في المستقبل
لكل قضية قرابين واعظم قرابين القضايا في التاريخ القربان الاعظم والاكبر الامام الحسين (ع) حيث رفعت السيدة زينب عليها السلام جسد اخيها المقطع نحو السماء وقالت اللهم تقبل منا هذا القربان ليكون ذلك تربية وسلوك يومي في حياة الناس الحسينية تربية على التضحية وهذا ما أكده الإمام الصدر " الحسينية تعني بلوغ الانسان غاية التضحية , بلوغ الانسان نهاية التقديم وزالوفاء والخدمة بلوغ الانسان اكثر ما يمكن من الخدمات والبذل والعطاء بلوغ الانسان اكثر ما يمكن من العفو والتسامح "
وهذا الفهم الصدري للبذل والعطاء كان من الحوافز الرئيسية والاساسية التي دفعت المقاومين في افواج المقاومة اللبنانية أمل للتنظيم في سبيل الله والوطن درءاً للخطر الإسرائيلي في الجنوب ولبنان وصوناً للوحدة الوطنية والعيش المشترك وهذا ما ميز ابناء الخط الصدري عن غيرهم من الافرقاء في الوطن انهم يضحون في سبيل الآخر لكن الفائدة غداً ستكون للجميع في تحرير الارض ورفع الحرمان والتهميش وتجاوز المذهبية والطائفية والفئوية والمناطقية لايكون إلا بالتربية الوطنية على البذل في سبيل الآخر . سواءً كان هذا الآخر مذهبياً منظمة أو غيرها.
ويتدرج الامام الصدر فهمه ووعيه لهذه التربية والسلوك " امام سكون الامة على المظالم أمام الضمائر الخائفة أو النائحة كان لابد من تضحية كبرى توقظ الضمائر وتهز المشاعر فكانت كربلاء .