لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بني النضير، عمل على حصارهم ، فضرب قبته في أقصى بني حطمةمن البطحاء. فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة، فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن تحول قبته إلى السفح ، وأحاط به المهاجرون والأنصار . فلما اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الناس : يا رسول الله ، لا نرى عليا؟ فقال عليه وآله السلام : «أراه في بعض ما يصلح شانكم» فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي صلى الله عليه وآله ، وكان يقال له عزورا، فطرحه بين يدي النبي عليه وآله السلام . فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «كيف صنعت ؟» فقال : «إني رأيت هذا الخبيث جريئا شجاعا، فكمنت له وقلت ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام ، يطلب منا غرة ، فاقبل مصلتا سيفه في تسعة نفرمن أصحابه اليهود، فشددت عليه فقتلته ، وأفلت أصحابه ، ولم يبرحوا قريبا، فابعث معي نفرا فإني أرجو أن أظفر بهم». فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله معه عشرة فيهم أبودجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف ، فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن ، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة. وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير. روى محمد بن عمر الواقدي قال : حدثنا عبدالله بن جعفر، عن ابن أبي عون ، عن الزهري قال : جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبدالله بن المغيرة وضرار بن الخطاب - في يوم الأحزاب - إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون ، حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا (يجولون بخيلهم ) فيما بين الخندق وسلع ، والمسلمون وقوف لايقدم واحد منهم عليهم ، وجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز و(يعرض بالمسلمين ) ويقول : ولقد بححت من النداء بجمـ * ـعهم هل من مبارز ؟ في كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب من بينهم ليبارزه فيأمره رسول الله صلى الله عليه واله بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير، لمكان عمرو بن عبد ود والخوف منه وممن معه ووراءه. فلما طال نداء عمرو بالبراز، وتتابع قيام أمير المؤمنين عليه السلام قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : «أدن مني يا علي» فدنا منه ، فنزع عمامته من رأسه وعممه بها، وأعطاه سيفه - وقال له : «إمض لشأنك» ثم قال :«اللهم أعنه» فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبدالله الأنصاري - رحمه الله - لينظر ما يكون منه ومن عمرو. فلما انتهى أمير المؤمنين عليه السلام إليه قال له : «يا عمرو، إنك كنت في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها». قال : أجل . قال : «فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تسلم لرب العالمين» . قال : يا ابن أخ أخر هذه عني. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «أما إنها خير لك لو أخذ تها» . ثم قال : «فها هنا أخرى» . قال : ما هي ؟ قال : «ترجع من حيث جئت». قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا. قال : «فها هناأخرى» . قال : ما هي ؟ قال : «تنزل فتقاتلني» . فضحك عمرو وقال : إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، وإني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديما . قال علي عليه السلام : «لكنني احب أن أقتلك ، فانزل إن شئت». فأسف عمرو ونزل فضرب وجه فرسه (حتى رجع ). فقال جابر بن عبدالله رحمه الله : وثارت بينهما قترة، فما رأيتهما وسمعت التكبيرتحتها، فعلمت أن عليا عليه السلام قد قتله ، وانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبدالله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم اقاتله ، فنزل إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضربه حتى قتله ، ولحق هبيرة فأعجزه فضرب قربوس سرجه وسقطت درع كانت عليه ، وفر عكرمة، وهرب ضرار بن الخطاب . فقال جابر: فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله تعالى من قصة داود وجالوت ، حيث يقول : (فهزموهم باذن ألله وقتل داود جالوت) . وروى عمرو بن الأزهر، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن : أن عليا عليه السلام لما قتل عمرو بن عبدود احتز رأسه وحمله ، فألقاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقام أبو بكر وعمر، فقبلا رأس علي.