تأريخ ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)
ذكرت الأحاديث الشريفة أنه(عليه السلام) يظهر في وتر من السنين الهجرية
[1] أي من الأعوام الفردية، ويكون ظهوره في يوم الجمعة
[2]، فيما ذكرت أحاديث أخرى أن خروجه يكون يوم السبت العاشر من محرم الحرام
[3]، ولعل الجمع بين التأريخيين هو أن ظهوره يكون يوم الجمعة وفيها يخطب خطبته في المسجد الحرام فيما يكون خروجه منها باتجاه الكوفة يوم السبت.
مكان ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ وانطلاقة ثورتهذكرت مجموعة من الأحاديث الشريفة أن بداية ظهوره يكون في المدينة المنورة وإعلان حركته يكون في مكة المكرمة
[4] وفي المسجد الحرام حيث يُعلن حركته ويدعو إليها في خطبة موجزة ذات دلالات مهمة وهي مروية عن الإمام الباقر(عليه السلام) ضمن حديث طويل عن ظهور سليله المهدي، يقول(عليه السلام)في جانب من الحديث:
ثم ينتهي الى المقام فيصلّي عنده ركعتين ثم ينشد الله والناس حقه. فيقول:
يا أيها الناس إنّا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا، من يحاجنا في الله فانا أولى بالله، ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجنا بمحمد فإنا أولى الناس بمحمّد (صلى الله عليه وآله)، ومن حاجنا في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله، أنا أشهد ]نشهد[ وكل مسلم اليوم إنّا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا واخرجنا من ديارنا واموالنا وأهالينا وقُهرنا، الا أنا نستنصر الله اليوم كل مسلم»
[5].
وورد في رواية ينقلها نعيم بن حماد وهو من مشائخ البخاري بسنده عن الإمام الباقر(عليه السلام) أيضاً، خطبة ثانية في المكان نفسه ولكن بعد أداء فريضة العشاء، فيروى عن الإمام الباقر(عليه السلام) قوله: «... فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: اُذكركم الله أيّها الناس، ومقامكم بين يدي ربّكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تُحيوا ما أحيى القرآن، وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، وَوَزراً على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، فإني أدعوكم الى الله، والى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته...»
[6].
وقفة عند خطبتي إعلان الثورةويُلاحظ في الخطبة الأولى تأكيده(عليه السلام) على مخاطبة أتباع جميع الديانات السماوية انطلاقاً من عالمية ثورته الدينية فهو يمثل خط الانبياء(عليهم السلام) جميعاً ويدعو الى الأهداف السامية التي نادوا بها جميعاً. هذا أولاً وثانياً يؤكد(عليه السلام) على تمثيله لمدرسة الثقلين فهو ممثل أهل البيت(عليهم السلام) ثاني الثقلين الذي لا يفترق عن الأول ـ أعني القرآن المجيد ـ لذلك فهم أولى الناس بكتاب الله جل ذكره وأعرفهم بما فيه وبسبل هداية البشرية على نور هداه السماوي.
ثم يشير ثالثاً الى مظلومية أهل البيت(عليهم السلام) وتعريضهم لأشكال الظلم والبغي بما أدى الى غيبة خاتمهم ـ عجل الله فرجه ـ وسبب تعريضهم لكل ذلك هو نزعات الطواغيت وعباد السلطة للاستئثار واتخاذ مال الناس دولاً وعباد الله خولاً ومنع أهل البيت(عليهم السلام) من إقرار العدالة الإلهية وقيادة الناس على المحجة البيضاء.
ثم يستنصر كل مسلم لدفع هذه المظلومية التي يكون في دفعها الخير للبشرية جمعاء لأنّ تسليم مقاليد الأمور الى ممثل نهج الأنبياء وعدل القرآن الكريم يعني تحقيق أهداف العدالة الإلهية، ولكن ـ عجل الله فرجه ـ يستنصر الله جل قدرته أولاً وفي ذلك إشارة الى حتمية انتصار ثورته الإصلاحية فهو المضطر الذي تُستجاب دعوته وولي دم المقتول ظلماً فهو منصور إلهياً، وبهذه الإشارة يحفز(عليه السلام) الناس لنصرته ليفوزوا بسعادة الدارين ويتقوا عذاب الدنيا وخزيها على يديه وعذاب الآخرة أكبر.
إعلان أهداف الثورةأما في الخطبة الثانية التي يلقيها ـ عجل الله فرجه ـ بعد صلاة العشاء، فهو يحدد الأهداف العامة لثورته، وهي الأهداف التي يستنصر الناس لأجلها، والتي تمثل الوجه الآخر للثأر لمظلومية أهل البيت ومدرستهم ومنهجهم(عليهم السلام)، فهو يحدد الهدف الأول والعام المتمثل باقامة التوحيد الخالص الذي بُعث لأجله الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ واُنزلت معهم الكتب السماوية، وهو الهدف الذي يتجسد من خلال طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله(صلى الله عليه وآله) ومن خلال إحياء ما أحيا القرآن، وإحياء سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإماتة ما أماته القرآن وهو الباطل والبدع والشرك وسائر العبوديات الزائفة. فدعوته هي دعوة الى الله عز وجل وتوحيده والى رسول الله(صلى الله عليه وآله)والعمل بسنته الموصلة الى الله.
وعليه يتضح أن استنصاره للثأر لمظلومية أهل بيت النبوة تعني الدعوة الى المعونة على الهدف والمؤازرة على التقوى.
الاستجابة لاستنصاره ومبايعتهوأول مَن يبادر لبيعته(عليه السلام) في المكان الذي يستنصر فيه المسلمين أي مابين الركن والمقام هم صفوة أنصاره: «فيُبايع ما بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق»
[7].
ويُستفاد من مجموعة من الأحاديث المروية في مصادر أهل السنة أن ظهوره ومبايعته يكون بعد اختلاف بين قبائل الحجاز وأنه يرفض في البداية قبول البيعة ويخاطب المبايعين بالقول: «ويحكم! كم عهد قد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟»
[8]، ويبدو أن هذا الرفض يمثل محاولة لإشعار المبايعين بمسؤولية وتبعات البيعة والمهمة التي هم مقبلون عليها نظير ما فعله جدّه الإمام علي(عليهما السلام) عند إقبال الناس على بيعته بعد مقتل عثمان.
ويُستفاد من بعض الأحاديث أن حركة الموطئة للظهور المهدوي تبعث بالبيعة للمهدي(عليه السلام). وهو في مكة
[9] ثم تجددها بعد ذلك.
وتصرح بعض الأحاديث الشريفة أن أصحابه الخاصين أي الثلاثمائة والثلاثة عشر يجمعون في مكة وبصورة إعجازية أو سريعة بوسائل النقل المتطورة ليدركوا ظهور الإمام ويبايعوه
[10].
خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخليةيخرج(عليه السلام) بجيشه متوجهاً للكوفة التي يتخذها منطلقاً لتحركه العسكري
[11] بعد إنهاء فتنة السفياني والخسف الذي يقع بجيشه في البيداء
[12]. وينشر راية رسول الله(صلى الله عليه وآله) المذخورة عنده في نجف الكوفة
[13]. وتنصره الملائكة التي نصرت جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة بدر
[14]. وتذكر الأحاديث الشريفة أنه يواجه وأصحابه وجيشه صعوبات شديدة وتعباً في بداية تحركه العسكري
[15] وحروبه التي تستمر ثمانية أشهر لتصفية الجبهة الداخلية فيما تستمر ملاحمه عشرين عاماً
[16].
ويُلاحظ هنا أن المسير الذي يختاره(عليه السلام) هو المسير الذي اختاره جده الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته الإستشهادية من مكة الى الكوفة، التي مُنع جده سيد الشهداء عن الوصول اليها فيصل سليله المهدي(عليه السلام) إليها ويحقق الأهداف الإصلاحية في الاُمة المحمدية التي سعى لها جدّه سيد الشهداء (عليه السلام).
وعندما يدخل الكوفة يجد فيها ثلاث رايات تضطرب
[17] فيوحدها وينهي اضطرابها بنشره للراية المحمدية المذخورة وينهي جيوب النفاق المتبقية فيها في معركته مع الفرقة التي تصفها الأحاديث الشريفة بالبترية
[18].