مؤسس أول مدرسة علمية في العهد الثاني من حياة جبل عامل العلمية، وصاحب الفضل في إعادة نشر المذهب الجعفري في البلاد، هو علامة دهره، ووحيد زمانه، مجدد صرح العلم بعد إندراسه، هو الشيخ حسن بن قاسم بن أمين بن حسن بن الشيخ إسماعيل القبيسي.
ولد عام 1185 هـ الموافق عام 1771م، انصرف إلى طلب العلم من منابعه الأولى في النجف الأشرف، فكان من أساتذته كبار العلماء وجهابذة الفقه، من أمثال السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء، وغيرهما من الاعاظم.
بعد ان تزود ما تزود به من العلم، ونال الإجازات من أساتذته وصار شاخصاً يشار إليه بالبنان، عاد إلى وطنه جبل عامل سنة 1213 هـ الموافق 1798م، بتكليف من إمام النجف الأشرف آنذاك، واستقر في بلدة الكوثرية، وتزامن ذلك عهد الطاغية أحمد باشا الجزار، فعزم على إعادة الحياة العلمية الأدبية الشعرية السياسية كعهدها الأول، وتصدى للظلم والاستبداد وطغيان الجزار الذي طغى في البلاد وفتك بالعلم والعلماء.
أسس مدرسة عالية في بلدة الكوثرية، وكانت أول مدرسة في جبل عامل بعد زوال محنة الجزار، فعادت سحائب العلم تغدق على العامليين بفضله.
يقول المؤرخ محمد جابر آل صفا في كتابه تاريخ جبل عامل، ص 241:" أسس فيها (الكوثرية) العلاّمة الشيخ حسن قبيسي بإيعاز من علماء الشيعة وأساطينها في النجف الأشرف أول مدرسة علمية في العهد الثاني من حياة جبل عامل العلمية، تدرس فيها العلوم العربية والدينية وآداب اللغة، وكان الناس في ظمأ لارتشاف مناهل العلم بعد تلك الصدمة التي دهمت البلاد، فتهافت عليها الطلاب من كل حدب وصوب وحفلت بالمشتغلين والمدرسين، وكان في عداد تلامذته فريق صالح اصبحوا بعدها من كبار المجتهدين ومرجع الفتاوى في جبل بني عاملة وما جاورها من بلدان.
ويقول عنه الآغا بزرك الطهراني في كتابه " الكرام البررة " ج1، ص 299 " عمّر البلاد بعلمه وعمله، حيث طلب من سليمان باشا ( كان يميل إلى العدل كما يقول المؤرخ صفا ) أن يعمّر له مدرسة لنشر العلم، فبنى له المدرسة الكوثرية، فأقام فيها سوق العلم، وببركته عادت للبلاد نضارتها وزهوتها ".
ومن المعلوم أن بلاد عاملة كانت يومها شعلة من نار تتقد بحرب العصابات، فلما رأى سليمان باشا ذلك، أوفد رسولاً طالباً للهدنة، وأوعز للأمير بشير الشهابي التوسط في ذلك أيضاً، إلى أن عقدت هدنة في عام 1220هـ الموافق 1805م ، واستراحت البلاد في عهده، وكان نتيجة ذلك ان حقق رغبة الشيخ حسن في بناء المدرسة، وقد بنيت في وسط البلدة على مساحة 900م2 ، وكانت عبارة عن عشرة غرف للدراسة، وعشرة غرف للنوم، وعلّية خاصة بالشيخ حسن المؤسس، وبقيت عامرة إلى عام 1967م وكان تمويلها من عائدات بيع الحرير الذي ينسجه دود القز، حيث كان تحت يد الشيخ حسن مرج لزراعة التوت.
تخرج على يديه من اصبحوا المراجع في الدين والشعر والسياسة، وابرزهم: العلامة الشريف السيد علي بن السيد إبراهيم بن احمد آل إبراهيم الحسيني، الذي اسند إليه منصب الإفتاء على المذهب الجعفري، وكان ممن تولى التدريس في تلك المدرسة وتوفي في سنة 1260 هـ والعلامة الأكبر الشيخ عبد الله بن علي نعمة الجبعي الحبوشي، مؤسس مدرسة جباع، والمتوفي عام 1304هـ. والعلامة الشيخ محمد علي عز الدين مؤسس مدرسة حنوية، والمتوفي عام 1301 هـ والعلامة اللغوي الأديب الشاعر الشيخ علي بن محمد السبيتي، المتوفي عام 1303 هـ والشاعر البليغ الشيخ علي بن ناصر بن زيدان المتوفي عام 1289 هـ ، وحمد البك بن محمد بن محمود النصار الوائلي الذي أصبح بعدها زعيم جبل عامل وشيخ مشايخ بلاد بشاره، كما كانت تنعته المراسلات الحكومية. والشيخ إبراهيم صادق.
كان عالماً فاضلاً مشهوراً بالورع والفضل والتقوى والقداسة.
كان مئناثاً لم يتخلف بذكور، وقد صاهره على إحدى ابنتيه العلامة السيد علي آل إبراهيم الحسيني.
كان على مرتبة عالية من العلم، وكان مرجعاً للبلاد العاملية إلى أن توفاه الله عام 1258 هـ الموافق عام 1841 م .
بعد وفاته تابع صهره السيد علي آل إبراهيم الحسيني السير على خطاه، ولكن لم يعمر بعده، حيث توفي عام 1260 هـ، وبذلك أفل نجم مدرسة الكوثرية، وانتقلت الدراسة إلى جباع حيث أسس تلميذه الشيخ عبد الله نعمة الجبعي الحبوشي مدرسة جباع، كما أسس تلميذه الشيخ محمد علي عز الدين مدرسة حنوية.
للحق يقال ان للعلامة الشيخ حسن القبيسي الفضل في إعادة نشر المذهب الجعفري في البلاد، وإنشاء المدارس الفقهية فيها، وخلق قادة تصدوا للمحتل والمستعمر.
المراجع:.................................
- " أعيان الشيعة " ، للسيد محسن الأمين.
- " خطط جبل عامل "، للسيد محسن الأمين.
- " فصول من تاريخ الشيعة في لبنان "، للشيخ علي الزين.
- " تاريخ جبل عامل "، للمؤرخ محمد جابر آل صفا.
- " الكرام البررة "، الاغا بزرك الطهراني.
- مجلة آل قبيسي