في مناسبة ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر في 31 آب 1978 نظمت دائرة المتخرجين في المكتب التربوي لـ"حركة أمل" معرضا بدأ أول من أمس وينتهي اليوم. ثلاثون عاماً مرّت، ولا خبر يقين حتى الآن عن مصيره وما من "ملاحقة دولية تفيد بأننا مش تاركين القصة"، كما قال النائب غسان تويني الذي شارك الحضور ذكرياته وعلاقته الوثيقة بالإمام والذي لا يزال إلى اليوم يتمسّك ببيانه مشروعاً.
الداخل إلى "معرض الإمام المغيّب القائد السيّد موسى الصدر" تستقبله أناشيد له ومجسّمات تبرز أهم المراحل التي تبرز نضاله من أجل الإنسان والوحدة والتعايش المشترك. وعظته في كاتدرائية مار لويس للآباء الكبوشيين عام 1975 ورسالة إلى مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد واعتصامه في مسجد الكلية العاملية رفضاً للحرب. طبعاً نضاله أوسع، هو نضال من أجل حياة أفضل في تفاصيلها الحياتية والأمنية لأهل الجنوب خاصة وللبنانيين عامة. لكن انطلاقاً من الظروف التي يمر بها لبنان ارتأى المنظمون أن يكون محور المعرض الوحدة الوطنية والعيش المشترك. بالأمس شارك تويني الصديق ورفيق درب الإمام واليوم زوار المعرض على موعد مع المطران جورج خضر والشيخ أحمد الزين الذين عاصروه ووقفوا إلى جانبه في مقاومة الحرمان واقتنعوا بفكره المتحضّر.
"النهار جريدة أهل الجنوب"
كان من بين الحضور النائب عبد المجيد صالح، رئيس الهيئة التنفيذية في حركة "أمل" محمد نصرالله، المسؤول التربوي المركزي في الحركة الدكتور حسن زين الدين الذي قدّم تويني، المسؤول الإعلامي في الحركة زكي جمعة، رئيس دائرة المتخرجين يوسف جابر، مدير الفرع الاول لكلية الحقوق الدكتور محمد منذر والمدير العام للتعليم المهني أحمد دياب والدكتور رهيف هاشم إلى جمع من الإعلاميين وأعضاء في الحركة.
قدم حسن زين الدين تويني مستهلاً كلمته بـ"متعب أنت يا أستاذ غسان، أعياني البحث في قاموس الكلمات علّني أجد فيه ما يفيك، فأعيتني الحيلة وأنا القادم من عالم الأرقام والمعادلات واستعصى عليّ حسنُ البيان. حاولت الهرب منك فوقفت عليك واستجرتُ فيك يا قاموس الذاكرة ولوحة الذكرى لتاريخ وطن ومعاناة شعب وحكاية نظام". واستشهد بمقال كتبه تويني قبل عقود ثلاثة عن "ثورة الشيعة"، "الطائفة غير الطائفية التي أرهفت المأساة حسّهم عبر العصور فاكتسبت نفوسهم شفافية لقضية الحقوق السليبة والحريات الضائعة". بعدها تعرّضت الجريدة لأذى السلطة ومضايقاتها فدافع الإمام عنها بقوله "لن أقف متفرجاً خصوصاً على ذلك الضغط الذي تتعرّض له هذه الجريدة التي قدمت خدمات كبرى إلى الجنوب المهدّد وإلى المظلومين في هذا الوطن".
الإنسان، المارد والجبّار
ثم استراح تويني إلى ذكرياته المميزة المجبولة بالنضال من أجل الإنسان والوطن. معجب هو بالإمام والمواقف الإنسانية التي اتخذها وسعيد أنّ الظروف التي جمعتهما كثيرة. عاد بالتاريخ وتذكّر زياراته إلى منزل الإمام والأحاديث الطويلة التي تجمعه به مع أصدقاء. لا يفارقه مشهد الإمام يحمل ابنته ويضعها في حضنه. يصمت ثم يتابع: "كان إنساناً حنوناً ولديه جوانب إنسانية مهمة إلى كونه ماردا وجبّارا". الذكريات الإنسانية تتداخل فيها السياسة وهم الوطن. لأجل ذلك أثار موضوع القرار 425 الذي صدر في 18 آذار 1978، وكان فخوراً بتلقيه رسالة تهنئة من الإمام الصدر. وقال إن كثراً اعترضوا على القرار وكان الإخوان العرب يطالبون بإدانة لإسرائيل. "لكن بين مشروع قرار بإدانة إسرائيل وقرار يلزمها الإنسحاب فوراً وهذا ما حدث بعد ربع ساعة وكان متوقعاً أن تنسحب في 15 حزيران لكن اسرائيل غشّتنا إذ انسحبت من مرجعيون وسلّمت المنطقة إلى "جيش لبنان الحر"، يعني سعد حداد". وأثار يوم كان الإمام معتصما في الكلية العاملية حتى تتألف الحكومة وتقف الحرب. "تألفت الحكومة وقصدنا أنا والرئيس عادل عسيران الرئيس سليمان فرنجية الذي لم يكن يدري بالأمر، ووافق على أن نبلّغ الإمام بتأليف الحكومة من أجل أن يفك اعتصامه شرط أن نقول أننا من قبله. رفضنا وقلنا له أننا نمثل الحكومة". كان مشاركاً في الإعتصام يومها المطران جورج خضر والمونسنيور أنطون. وحين فكّ الإعتصام كان لا حدود لفرحتي لأن المهمة أنجزت بربع ساعة وقال: "ردود فعلنا كانت إنسانية لا تترجم بمعادلات رياضية".
بين الحاضر والماضي شبه وكأن ما اقترحه الإمام سابقاً من مشروع لا يزال مشروعاً قابلاً للتنفيذ إذ لفت تويني إلى أنه "قدمت الى طاولة الحوار مشروع الإمام بيحث تتحوّل كل قرية قلعة للمقاومة بالتنسيق مع الجيش. وهذا المشروع كان نتيجة تفكير مجموعة، كنت من بينها، التقت في جلسات عدة ترأسها الإمام وهكذا تأسست المقاومة". لا يزال تويني متمسّكاً بالمشروع.
وختم تويني بقراءة مقاطع من المحاضرة التي ألقاها في كاتدرائية مار لويس منها "اجتمعنا من اجل الإنسان التي كانت من أجله الأديان"(...) "الحرية، المكان الملائم لنمو الإنسان. لبنان بلد رصيده الأول هو الإنسان". (...) وبعدما أنهى كلمته قال: "هذه كانت عظته وهذا أبلغ ما كتب الإمام، لم يكتب أحد في هذا الحيّز هذا الكلام"