في سبيل الله
كلمة الصدر في بيان لجمعية البر والإحسان في صور صادر بتاريخ أول كانون الثاني 1963.كتبها بعد تجربة عمل سنتين ناظراً عاماً للجمعية.
بسم الله الرحمان الرحيم.
الحمد لله المحسن المجمل المفضل الذي جعل البر والإحسان طريقين واضحين لكمال نفوسنا ,وفتح علينا باب الإنفاق لخيرنا ولعلاج مشاكلنا الإجتماعية .وأيد بيده, التي تعلو كل يد , التعاون والإجتماع في سبيل مرضاته .والشكر له تعالى حيث الهمنا طريق الصواب والنجاح ,وألهم اخواناً لنا أن يصرفوا من خدماتهم وأموالهم متعاونين في سبيل الأهداف الانسانية السامية .
وأزكى الصلوات على أنبيائه ضمائر الوجود وعقول الكون ,سيما على حبيبه وخاتم رسله محمد المصطفى (ص) باعث الخير والحياة ,وشفيع الإنسان للنجاة.
والتحيات والتسليمات على آل محمد أئمة الهدى وقدوات البر والتقوى .وبعد فقد بدأت جمعية البر والإحسان سنتها الجديدة على بركة الله راجية منه قبول خدماتها عنده وإلهامها الطريق الأمثل وزيادة اندفاع في العمل ونجاح في الخطوات .
وليس لي أن أقدرها وأًََكبر مواقفها الجليلة ,وكفاها هذه الصحيفة البيضاء التي انطوت مع انصرام سنتها الماضية ,هذه الصحيفة المليئة بخدمة مئات العائلات وعلاج مئات المرضى وإجراء عمليات من الناس وتثقيف عشرات الأطفال وتعظيم شعائر الله وتجديد نادي الإمام الصادق (ع) مصدر الإشعاع للتوجيه الديني والخلقي في البلد .
ولكن الواجب علي توضيح بعض النقاط الهامة بهذه المناسبة .
الأولى:
قذ عدّت جمعية البر والإحسان في الدوائر الرسمية جمعية طائفية تسعى لخدمة فئة معينة من المواطنين وتتجاهل مصائب الآخرين.وهذه الفكرة مرسومة كذلك في بعض الأذهان هنا وهناك .والحقيقة غير ذلك فإن لهذه الجمعية صنفين من الخدمات تقوم بأدائهما معاً :
الصنف الأول :
الخدمات العامة ,فالجمعية إذ تسعى مثلاً في علاج مشكلة الفقر والمرض والجهل في صور لا تفرق أبداً بين المواطنين وتقوم بأداء واجبها تجاه جميع الطوائف على حد سواء.
الصنف الثاني :
الأعمال الخاصة والتي تقوم الجمعية بأدائها كواسطة مثل إقامة الشعائر وإدارة الأوقاف المخصوصة بالطائفة الشيعية في صور ومراقبة الجامع ومجالس التعزية وإحياء المواسم الدينية ونحو ذلك.
فالحقيقة أن هناك أموالاً تدخل في صندوق الجمعية لخصوص هذه الخدمات والغايات والجمعية تنفذها وتصرقها في مصارفها بكل أمانة وإتقان .
ولعل الجمعية في المستقبل القريب تتمكن من توسيع هذه الخدمات لتخفف عن المواطنين كثيراً من الخدمات الشاقة كالقيمومة والوصاية والولاية فتضاهي الجمعيات الخيرية العالمية المعروفة بإسم "ترست كمباني".
والواجب الإعتراف بأن الجمعية تغتنم هذه الثقة فتوجه هذه الخدمات والأهداف إلى الشكل الإيجابي الكامل ومن حضر المجالس التي تقيمها الجمعية في أيام عاشوراء وسائر المناسبات الدينية تشعر بهذا الدور الهام الإيجابي .والنتائج المادية والخلقية والتربوية التي تعود على البلد من هذه الخدمات لا تخفى على أحد.
الثانية:
كما وان الجمعية تعلن بكل اعتزاز تمسكها بقانونها الأساسي وسعيها الحثيث في ابتعادها عن السياسات المحلية وغير المحلية والحزبيات وتشعر بأن من تمكن من الترفع عن الطائفيات مع ما لها من الجذور والعوامل العديدة فبإمكانه الترفع عن السياسات المؤقتة.
ومن الطبيعي والمجدي أن يترك الدليل على ترفعها عن السياسة والحزبية إلى أعماله الحاضرة والمستقبلية التي تكشف كل حسنة واستقامةوتفضح كل انحراف وميوعة.فهي سائرة على اسم الله في طريقها المستقيم الذي لا عوج فيه ولا زيغ.
الثالثة:
قامت الجمعية في السنة الماضية,زائداً على أعمالها الجارية بخدمات أهمها-بعد تجديد نادي الإمام الصادق وانهاء المرحلة الأولى للمؤسسة الإجتماعية-إيجاد مكتب للفرع النسائي للجمعية فهي الآن تطير بجناحيها ومن أعمال هذا المكتب ,تأسيس دورة تدريبية لفن الخياطة ,حيث انه في الوقت الحاضر تستعد إحدى عشرة فتاة يتدربن على تعليم فن الخياطة وسوف يهيأن بعد حوالي شهرين لواجبهن الإنساني الكبير .
ويعتقد مكتب السيدات ان هذا العمل يوفر على العائلات ,ولا سيما الضعيفة منها أكثر من ربع ميزانيتها الشهرية ويكفي هذا الهدف السامي لمعرفة جلالة قدر هذه الخدمة.ولكن مكتب السيدات لا يقتنع بهذا القدر ويعتقد أن الصلات التعليمية مع عائلات البلد خطوة ناجحة في سبيل الخدمات التوجيهية القادة التي يفكر الفرع النسائي فيها ,مثل مكافحة الأمية والحضانة وغيرها.
الرابعة:
وتحمل السنة القادمة ,سنة ثلث وستين ,خدمات للجمعية أهمها مؤسسة البر والإحسان الإجتماعية وإني أرى لزوماً للبحث في لزوم إيجاد هذه المؤسسة في منطقتنا الكريمة ولا لشرح نتائجها وآثارها بل أذكر نفسي وجميع إخواني بهذه الآية الكريمة :
((وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله)) وأقول ان فكرة تشريد أولادنا وضياعهم بعد وفاة كل واحد منا ,الأمر الذي يحتمل وقوعه في كل ساعة ,هذه الفكرة تزلزل قلب الإنسان وتفزعه وتزيل الراحة من الجسم والإطمئنان من النفس .
فهلا نقوم بكل اهتمام ونشاط بإيجاد مؤسسة تؤمن الحياة السعيدة لأبنائها وأيتام الآخرين وتسد عليهم نقص اليتم وتبذل لهم توجيه الأب وعطف الأم.
وما أكثر الثروات الإنسانية التي تتوفر مع وجود هذه المؤسسة والتي يعود خيرها أخيراً إلينا وإلى مجتمعنا .
ثم أقول إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم جعل من طرق الجنة تصنيع الأخرق أي التعليم المهني وهذا هو الدور الأساسي الذي تقوم به مؤسستنا الإجتماعية .
الخامسة:
وتتمنى جمعية البر والإحسان أن تسلك طريقاً جديداً للإستفادة من تبرعات المواطنين طريقاً هو هدف سام في نفس الوقت :
وذلك ان تجاربنا تبشرنا وتبعث في نفوسنا أملاً كبيراً بأن هناك نفوساً خيرة وصلت من النبل درجة لا نحتاج في مساهمتنا إلى الطلب والإحراج كما هو المتعارف بل تشعر بأن المشروع مشروعها ولا فضل للمشرفين على العمل عليها بل المسوؤلية والحمل على عاتقهم أجمعين .
فهذا السيد خليل قرعوني تبرع من دون أي طلب صريح أو ضمني بخمسة وثلاثين ألف ليرة لبنانية .وهذا السيد منير عرب قدم ستة عشر ألف وخمسمائة متراً من الأرض التي تساوي قيمتها عشرات الآلاف من الليرات وذلك بدون طلب ,بل مع الإتذار وهذا نفر من الخيرين يحاول كل منهم أن يساهم في بناء غرفة بدون مطالبة ,وهذا السيد نجيب نصار طالبني باعلان قبول التبرعات واستعداده التام للمساهمة في المشروع .
وهذه الأمور تبعث في خواطر أعضاء الجمعية فكرة أشبه شيء بالأحلام الذهبية وهي أنه هل من الممكن أن يشعر مجتمعنا بكل وضوح أن المشاريع الخيرية له ومنه وإليه فلا لايطلب من المسؤولين التنازل بالمطالبة والإلحاح في الطلب أحياناً بل يتمثل بالآية الكريمة:(انما يستجيب الذين يسمعون)والمستقبل يكشف لنا هذا المجهول ويعبر هذه الرؤيا .
النقطة السادسة والأخيرة:
إن تجاربنا في الجمعية تكشف لنا عن سر خطير لعله يبدو غريباً وهو إن الجمعيات الخيرية أو لا أقل أكثرها كجمعياتنا بحاجة إلى الخدمات والطاقات أكثر مما هي تحتاج إلى المال .
فإدارة المكتب وتنظيم الحسابات والميزانيات وإعالة الفقراء وحملة الشتاء وإدارة الحفلات ومراجعة الدوائر الرسمية وغيرها وغيرها تطلب من الوقت أكثر مما يتصور .
وقد اثقلت اعباء الجمعية ظهور أعضائها وفي مقدمتهم السيد إبراهيم مصطفى خياط والشيخ محمد عقيل حيث ان فنائهما كغيرهما في خدمات الجمعية قضت على مصالحهما الخاصة وأصبحا وقفين للجمعية .
فجدير بنا أن نلاحظ هذه الناحية بعين الإعتبار وان نعرف أن قيمة الخدمات التي نتمكن كلنا من تقديمها لا تقل عن الصدقات بل هذا رسول الله محمد (ص) يفسر الصدقات بما تشمل الخدمات والمساعي.
فيا أيها الإخوان ,سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
والجمعية في هذه السنة في أضد الحاجة إلى الخدمات حيث إنها تفكر في إيجاد مكتب دائم يستعد في اناء الليل وأطراف النهار لخدمة إخواننا ولتقديم النجدة والمعونة في كل وقت ولزوم تأمين هذا الهدف السامي وما يتطلبه من الخدمات لا يخفيان على أحد.
"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد.إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز .ولا تزر وازرة وزر أخرى وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى .انما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير .وما يستوي الأعمى والبصير ,ولا الظلمات ولا النور ,ولا الظل ولا الحرور .وما يستوي الأحياء ولا الأموات ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور " صدق الله العظيم