البهائية نسبة الى حضرة بهاءالله، وهو الميرزا حسين علي، ولقبه "بهاءالله"، الذي ولد في طهران بإيران في الثاني عشر من تشرين الثاني عام ١٨١٧م من أسرة مرموقة. كان والده وزيراً في بلاط الشاه، فتلقى تعليمه الأوّلي في المنزل كعادة أبناء الوزراء آنذاك. اتصف منذ طفولته بحميد الخصال وتميّزَ بحِدّة الذكاء، وأبدى منذ صباه كفاءة في حلّ المعضلات الدينية، وأظهر عِلْماً لدنيّاً أدهش مَنْ حوله من العوام ورجال الدولة. عُرِضَ عليه منصب والده بعد وفاته فرفض وانصرف الى أعمال البرّ ورعاية المساكين منفقاً ماله الخاص على الفقراء والمحتاجين. وفي سن السابعة والعشرين حُمّل رسالة إلهية ما لبثت أن مَلَكت على قلوب الملايين من البشر من كل عرق وثقافة وجنس ودين وطبقة وأمَّة. فوجد الكلّ فيها ضالّته الروحية المنشودة. وبها أشرقت شمس الحقيقة الدينية من جديد لتنير للبشرية دربها في شؤونها التي تشهد تحوّلاً خطيرا في مسارها عبر ماضيها المشترك نحو ما قُدّر لها من خيرٍ نهاية المطاف.
لقد أعلن حضرة بهاءالله أنه رسول من عند الله وما بُعِث إلاّ ليلبّي احتياجات عالم في عصر بلغت الإنسانية فيه مرحلة النضوج، وأنه صاحب ظهور إلهي حقَّقَ الوعود كلّها التي وردت في الكتب السماوية السابقة، وأن ظهوره سوف يبعث في القلوب والأرواح حياة جديدة يتوحّد فيها أهل العالم في جميع شؤونهم. فالحقيقة التي تؤكِّدها الديانة البهائية هي أن طبيعة الإنسان روحية في أساسها، وأن أي تنظيم لحياة الناس على هذا الكوكب لا بد وأن يكون قائماً على هذه الحقيقة.
بشَّر بظهور حضرة بهاءالله شاب من شيراز اسمه علي محمد ولقبه "الباب"، وبأن يوم الله قريب وهو الذي تحدثت عنه الأديان السابقة. كان ذلك عام ١٨٤٤م، فأثارت دعوته تلك في إيران موجة من الأمل وعاصفة من الإنفعال خاصة بين رجال الدين وأرباب السلطة. فحُبِس حضرة الباب ثم نُفي داخل إيران كما لاقى أتباعه قسوة التعذيب والذبح والتنكيل بهم وبأطفالهم ونسائهم بسبب عقيدتهم، وفاق عدد الشهداء منهم عشرين ألفاً. وكان حضرة الباب قد أعلن بأن الإنسانية تقف على أعتاب عصر جديد يشهد إعادة تشكيل بُنْيَة المجتمع الإنساني بما يتفق وجوهر الإنسان وطبيعته الروحانية وتعاليم الحقّ سبحانه وتعالى، وأن الهدف من دعوته إعداد الجنس البشري وتهيئته لاستقبال ذلك الحدث الذي سيولد من لُبِّ الأحداث الدامية في العالم، ألا وهو ظهور ذلك الرسول الذي سيبعثه الله الى العالم بأسره، والذي ينتظر مجيئه أتباع الديانات السماوية قاطبة.
أعدم حضرة الباب عام ١٨٥٠م بأمر السلطات الدينية والمدنية في إيران بعد حبس طويل، ولكون حضرة بهاءالله كان من أبرز المدافعين عن دعوة مبشِّره حضرة الباب، فقد زُجَّ به في سجن مظلم في باطن الأرض في طهران مع بعض أصحابه، دون توجيه التهمة له نظراً لمكانة عائلته. وفي ذلك المكان المظلم، وفي أقسى ظروف الحياة وتحت الخطر اليومي الذي يهدد حياته، تَبلَّغَ الرسالة الإلهية وأعلن دعوته السرّية لمن حوله، وأنه المظهر الإلهي المنتظر. بعد أربعة أشهر أطلق سراحه عام ١٨٥٣م شريطة مغادرته إيران، فاختار الإقامة في بغداد التي أعلن فيها دعوته العلنيّة عام ١٨٦٣م. أخذ المؤمنون به يزدادون من طبقة العلماء والمثقفين والمسؤولين وعامة الناس، الأمر الذي دعا السلطات العثمانية، بتحريض من السلطات الإيرانية، الى نفيه وعائلته الى مدينة استانبول ثم إلى أدرنة بعد أربعة أشهر وبعدها الى عكاء بعد أربع سنوات، ليوضع هو وعائلته وبعض أتباعه في سجن انعدمت فيه وسائل العيش قصد التخلص منه، إلاّ أن الإرادة الإلهية حفظته الى أن رفَّت روحه المقدسة من هذا العالم عام ١٨٩٢م بعد أن أتمّ الحجّة ونُزِّلت عليه الآيات والأحكام التي حُفِظت في عدة مجلدات. ومن أدرنة وعكاء وجَّه الى ملوك العالم ورؤسائه وإلى رجال الدين رسائله الخاصة والعامَّة يحثُّهم فيها على تحرّي حقيقته والحكم بالعدل والإنصاف، وأنذرهم من عواقب تجاهل ندائه.
تُركِّز آثار حضرة بهاءالله الكتابية على عرض مُسْهَب للمسائل الكبرى التي شغلت علماء الدين والفقهاء عبر القرون. فهي تتناول بالشرح والتفسير مسائل عدة معقدة ومتنوعة من أهمها: عظمة الله سبحانه وتعالى – دورالظهور الإلهي في تاريخ البشرية – علاقة النُُّظُم الدينية في العالم بعضها ببعض – معنى الإيمان – ما هو دين الله – القواعد الخلقية التي يجب أن ترتفع عليها أركان المجتمع الإنساني في بناء حضارته الإنسانية القادمة (حضارة مادية وروحية معاً) .... وغيرها.
ففي هذا الوقت الذي انهارت فيه العلاقة المتوازنة التي تقوم عليها بُنْيَة الحياة الروحية والأخلاقية والمادية – أفرادا ومجتمعات – بفضل ما علا جوهر الإنسان الحقيقي من غبار النفس والشهوات وبالتالي تخلّي الإنسان عن إنسانيته فانعكس ذلك على المجتمع الإنساني اضطراباً وبلبلة في جميع شؤونه، نجد أن كتابات حضرة بهاءالله وآياته وألواحه قد زخرت بتلك الأسس التي سيقوم عليها مجتمعنا الإنساني الذي يتطلّع الى مجئ ملكوت الله على الأرض. ويمكننا استخلاص بعض منها باختصار شديد:
الدين سبب الألفة والإتحاد بين العباد، وإلاّ فإنه ليس بدين. فيخبرنا بقوله: "يا أهل الأرض لا تجعلوا دين الله سببا لاختلافكم، إنه نُزِّل بالحقّ لاتحاد مَنْ في العالم".
يعتبر الدين البهائي تقريراً جديداً للحقائق الخالدة المودعة في قرارة كل دين من الأديان الماضية، وكقوة موحِّدة تبُثُّ في نفوس أتباع هذه الأديان حماسة روحانية جديدة، وتمدّهم بأمل جديد وحبّ جديد لعالم الإنسان، وتضرم فيهم نار إلهام جديد بوحدة مذاهبهم الدينية الأساسية، وتكشف لأبصارهم المستقبل المجيد الذي ينتظر الجنس البشري.
ضرورة توافق الدين والعلم لأنّهما وجهان لحقيقة واحدة، وكلاهما الطريق الصحيح للمعرفة ويكمّل أحدهما الآخر. فالدين مصدر الأخلاق والفضائل، وبالعلم نكشف أسرار الطبيعة لنسخِّرها لخدمة الإنسان وازدهار حياته والعيش بسلام. فعِلْم بلا دين دمار وهلاك وموت للضمير، ودين بلا علم شعوذة وطرّهات وخرافات.
المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، لأنهم سواء في الصفات الإنسانية والحقائق الجوهرية. ويشبّه حضرة بهاءالله الرجل والمرأة بجناحي طير، فلن يطير إلا بتكافؤ الجناحين قوة وانسجاماً. وبذلك تنعم الإنسانية بالتقدم الاجتماعي والسياسي في جميع الشؤون.
التعليم الإجباري وتهيئة أسباب المعرفة أمام الجميع وخاصة البنات، وإن قصَّر الوالدان في واجب التربية والتعليم وجب على السلطات رعاية ذلك، لأن دور الأم هامّ ومحوري في التربية والتوجيه داخل المنزل وخارجه.
وحدة العالم الإنساني: فجميع أمم الأرض في نظر البهائية أخوة رغم ما وضعه المتصورون من عوامل التفريق والتمزيق الوهمي. وقد خاطب حضرة بهاءالله أبناء العالم بقوله: "كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد". "ليس العالم إلاّ وطن واحد والبشر سكّانه". فكما أن الكون متحد في عناصره ومركّباته، فإن عالم الإنسان بالأحرى تجمعه وحدة إنسانية وروحية واحدة. وجميع الدلائل تشير الآن الى أننا نعيش في فجر عصر جديد تتوحّد فيه المشاكل والقدرات والمصائر. فيدعونا بإلحاح الى "الوحدة والإتحاد في التنوّع والتعدّد". فوحدة العالم الإنساني هي المحور الذي تدور حوله تعاليم حضرة بهاءالله، بل هو هدفها الأعلى والأسمى.
محو التعصبات بأنواعها: لقد أُسيئ فهم التعاليم السماوية في كثير من الأحيان فتولَّدت التعصبات المميتة بمختلف أنواعها. فكانت الحروب الطاحنة وما جلبت للإنسانية من شقاء وتعاسة. وما لم ننبذ تلك التعصبات فلن يجد العالم طعم الراحة.
الإستقلال في تحرّي الحقيقة: وهو تجرّد الإنسان عن الوهم والتقليد والتفحّص بنظر التجريد في كل أمر بعينه وفكره لا بواسطة غيره.
حل المشاكل الإقتصادية ومحو أسباب الفقر المدقع والغنى الفاحش، واعتبار رأس المال والعمال شركاء في العمل والإنتاج، ووجوب العمل على كل قادر واعتباره بمنزلة العبادة، ووضع نظام اجتماعي بحيث لا يبقى فقير معدم أو مشرد يستعطي. الى جانب الإتفاق على عملة عالمية واحدة وتوحيد المقاييس والأوزان والمكاييل في التبادلات التجارية العالمية، واتخاذ لغة عالمية واحدة وخطّ عالمي الى جانب اللغة الوطنية، على أن تدرّس في جميع مدارس العالم.
إن العبادات في الدين البهائية خالية من الطقوس والمراسيم وتؤدَّى الصلاة منفردة إلاّ في صلاة الميت، وتميل أحكامه الى تهذيب النفس أكثر منها الى العقوبة، وتجعل أساس طاعة الفرد محبته لله. وأمرت البهائية بالصلاة والصيام والحجّ ودفع حقوق الله من فائض الأموال ووضعت العقوبات لمن يرتكب المحرّمات. ويحضّ الدين البهائي على الزواج ويحرّم تعدد الزوجات ويبيح الطلاق في حالات اضطرارية وضمن شروط محددة.
لقد أثبتت الجامعة البهائية في أنحاء العالم قدرتها على تحقيق غاياتها الإنسانية والروحانية. إذ عمل الدين على تطور أفكار وتقويم سلوك الملايين من المُنضَوِينَ تحت لوائه، وألّف بين قلوبهم على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم، وأضحت جامعة إنسانية عالمية متحدة في مُثُلها ودوافعها وأهدافها، دائبة السعي لرعاية المصالح الإنسانية بغض النظر عن العرق واللون واختلاف الإتجاهات والرأي والتفكير.