أوائل الأمم التي قالت بالتناسخ والحلول هي المجوس التي قالت بالتثنية ومحصل قولها: إنها أثبتت مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر، والنفع والضر، والإصلاح والفساد، وهذان الأصلان هما (يزدان وأهرمن) وتعني (النور والظلمة). وكل شيء عندهم يدور وفق قاعدتين، الأولى كيفية امتزاج النور بالظلمة، هذا هو المبدأ والقاعدة الثانية سبب خلاص النور من الظلمة وهذا هو المعاد.
أصل النور والظلمة:
على أن المجوس فرق متعددة، فزعم بعضهم أن الأصلين النور والظلمة لم يكونا قديمين منذ الأزل، بل أحدهما قديم أزلي وهو (النور) والأصل الثاني (الظلمة) محدثة أي ليست أزلية، ولهذا اختلفوا في الأصل الثاني ومما تكون؟! لأن النور خير والخير لا يحدث شراً وهو الظلمة..
وهؤلاء يزعمون أن المبدأ الأول من الأشخاص هو كيومرث والمعني به آدم(ع) وبعضهم قال المبدأ الأول هو زوران الكبير ويعد أول معلم لهم، ثم النبي زرادشت.
وللكيومرثية مزاعم في خلق الظلمة وسيطرته على النور، وقد أثبتوا إلهاً قديماً وسموه يزدان ومعناه النور، يعنون به الله تعالى، وإلهاً مخلوقاً سموه أهرمن ومعناه الظلمة ويعنون به إبليس. ويزعمون أن سبب وجود أهرمن أن يزدان فكّر في نفسه أنه لو كان له منازع كيف يكون محدث، أهرمن مطبوعاً على الشر والفتنة والفساد والضرر والإضرار، فخرج على يزدان وخالف طبيعته فجرت بينهما محاربة، كان آخر الأمر فيها أن يكون العالم السفلي لأهرمن سبعة آلاف سنة ثم يخلي العالم ويسلمه ليزدان، ثم إنه أباد الذين كانوا في الدنيا قبل الصلح وأهلكهم وبدأ برجل يقال له كيومرث وحيوان يقال له الثور فكان من كيومرث البشر ومن الثور البقر وسائر الحيوان.
وقاعدة مذهبهم تعظيم النور والتحرز من الظلمة ومن هنا أبحروا إلى النار فعبدوها، لما اشتملت عليه من النور. ولما كان الثور أصل الحيوان عندهم المصادف لوجود كيومرث عظموا البقر فعبدوها لما اشتملت عليه من النور، ووصل بهم الأمر إلى أن يتعبدوا بأبوالها.