اطلاق سراح القنطار أساس المعضلة الحقيقية
28 حزيران 2008 بن كاسبيت - "معاريف" الاسرائيلية
"من الجنون اطلاقه. اطلاق سمير القنطار جنون ببساطة. دولة تطلق قاتلاً بغيضا كهذا، انساناً حطم جمجمة طفلة صغيرة، وقتل اباها ازاءها، انسان كهذا يجب قتله او جعله يتعفن في السجن طول حياته. لا توجد دولة في العالم تطلق انسانا كهذا وعوض جثث جنود موتى ايضا. انظر ماذا يفعل الاميركيون ببولارد الذي لم يقتل احداً. اي رسالة نرسلها الى الارهاب؟ الى جميع الشبان العرب الذين يزِنون الان هل يجندون انفسهم بالمنظمات الارهابية؟ ماذا يقول لهم هذا ان اليهود اغبياء؟ وانه اذا قتلتهم ايضا وقتلت اطفالهم سيفرج عنك في النهاية؟"
يقول هذه الاقوال احد مقربي رئيس الحكومة. شخصٌ لا يتولى منصباً رسميا، لكنه من اكثر المؤثرين في رئيس الحكومة. ويوجد آخرون. لقد استعملوا الضغط على اولمرت في الاسبوع الاخير منذ تبين ان الصفقة مع نصرالله قد تمت. وليسوا هم فقط. رئيس الشاباك يوفال ديسكن ايضا ورئيس الموساد مئير داغان، وهما رئيسا جهازين يخضعان مباشرة لاولمرت يعبران عن موقف حازم ومركز يعارض اطلاق سمير القنطار. اولمرت الذي نوى بالاصل ان ينجز الصفقة في اسرع وقت تردد. اهتزت ثقته. فجأة بدأ إجراء اعلان كون ريغب وغولدفاسر ضحيتين مكان دفنهما غير معلوم. وآنذاك نشر ان اولمرت غير رأيه. في احاديث خاصة أجراها امس الاول اعترف بأنه "لم يقرر بعد" في موضوع صفقة القنطار. "سأجلس في السبت مع المادة كلها، وسأقرأ كل شيء وافكر واستشير واقرر"، قال اولمرت لرجاله. جاء في الجدول الزمني لجلسة الحكومة الذي وزع على الوزراء انه سيكون "نقاش لمخطط الصفقة الممكنة". لم يكتب هنالك انه سيكون تصويت. سأل بعضهم اولمرت امس الاول ما احتمال ان يجوز ذلك. "لا اعلم"، اجاب رئيس الحكومة، "الامر معلق بكيفية عرض افراد اذرع الامن ذلك".
في مقابلة ذلك تواصل عائلتا ريغب وغولدفاسر ضغوطاً كثيفه على الوزراء. في يوم الاربعاء الماضي تنقلوا بين مكاتبهم في الكنيست. يتحدثون الى الوزراء شخصياً للمرة الثانية. "هذه فرصة الصفقة الاخيرة"، يقول ابناء العائلات للوزراء، "اذا لم يحدث هذا الان، فلن يحدث. بالرغم من الاعلان لن يزول الشك. سينشر نصرالله صوراً مشوشة ويزعم انها صور الجنود.حياتنا ستدمر. ستنشئون عائلتي رون آراد أُخريين. وتامي آراد اخرى. لا تفعلوا ذلك.
ستنطوي جلسة الحكومة المقبلة على دراما انسانية يصعب حملها. سيظهر امام الوزراء جميع رؤساء الاذرع الامنية ويبدون ارائهم المختصة. سينقسمون كما يلي: رئيس الشاباك ورئيس الموساد يعارضان الصفقة. ورئيس الاركان ورئيس امان (كما يبدو) يؤيدان. وسيكون عوفر ديكل بطبيعة الامر مؤيداً. وآنذاك سيتحدث شخص مفاجئ. الجنرال احتياط ايلان بيران. المسؤول عن مجال الاسرى والغائبين. ايلان بحسب جهات عالمة بما يجري سيعارض. انه يلتزم الحصول على معلومات في شأن رون آراد ولم يهادن. سيكون الجدل حاداً. والتعليلات جليلة. ستكون تلك المعضلة التي هي ايضا معضلة رئيس الحكومة طول نهاية الاسبوع كله. لا توجد معضلة اشد تمزيقاً منها.
حول رئيس الحكومة غضب كبير على وزير الجيش، وعلى غير قليل ايضا من "الجهات الامنية". بحسب جهة عالمة بما يجري، "لو كان النقاش تم وراء ابواب مغلقة، ولو كان القرار اتخذ بسرية، فلا ريب في ان الصفقة ما كانت لتتم". بيد ان النقاش سيكون علناً. سيتسرب كل شيء الى الخارج. الضغط العام شديد. وازمة العائلات تمزق القلب. يقول ايهود اولمرت، باحاديث مغلقة، ان اكثر الجهات الامنية عارضت الصفقة في المرحلة الاولى، لكنه بعد ان بدأ الضغط، انحت وغيرت رأيها. وفوق ذلك يقول اناس اولمرت، يتفق رئيس الاركان مع وزير الجيش. لا يوجد عمود فقري.
ازاء كل ذلك، يقف واحدٌ. عوفر ديكل. لا يعلم كيف حدث انه بعد ان أتى بصفقة معقولة ورخيصه ومنطقية، بحسب جميع المقايس تعقد الامر على هذا الحال. يرى ديكل ان القصة فصل كل القصة هي سمير القنطار. هذه هي المعضلة. تتحدث في هذا في المباحثة الامنية التي تمت في الاسبوع الماضي لاربع ساعات تقريبا. عن القنطار. عن مبلغ كونه رمزاً في العالم العربي. والى اي حد سيسبب احتفال اطلاقه الصارخ ضرراً استراتيجيا بمكافحة اسرائيل للارهاب. يعتقد ديكل ان القنطار ليس رمزاً لاي شيء. وان قائمة الاسرى التي تطلبها حماس مقابل جلعاد شاليط فيها قتلة كبار حقيقيون من اولئك الذين يستعملون الارهاب وسيعودون الى الارهاب. اما القنطار في مقابلة ذلك فهو عديم الشأن. اسرائيل جعلته رمزاً عندما ازالته عن صفقة تننباوم في آخر لحظة. نحن الذين شهرناه ونحن خلقنا الاسطورة. هذا ما يقوله ديكل الذي درس دراسة عميقة جميع الصفقات التي نفذتها اسرائيل مع المنظمات الارهابية. صفقات كثيرة اطلق فيها اسرى وقتله عوض جثث او اجزاء جثث قتلى. يقول ديكل انه ليس من الممكن ان يكون جميع رؤساء الحكومة هؤلاء الذين وقعوا على هذه الصفقات قد أخطأوا.
بدأ كل شيء بصفقة تننباوم في 2004. ان اخراج القنطار من قائمة المحررين في اللحظة الاخيرة وقرار أن يحرر فقط مقابل معلومات عن مصير رون آراد، احدث اطاراً يصعب الان كسره. بحسب ذلك الاتفاق يجب على حزب الله ان يزود اسرائيل بـ "صيغة علمية" تثبت مصير رون آراد. لم ينجح حزب الله في تقديم هذه الصيغة. يفترض الان ان يقدم الى الوسيط الالماني كونراد تقريراً خاصاً يسميه ديكل تقريراً مع مقاييس دقيقة عن كل الاستيضاحات والاعمال التي تم الاخذ بها. هذه هي المرحلة الاولى من الصفقة. في المرحلة الثانية ستفحص اسرائيل التقرير. اذا لم تقبله ستجمد الصفقة. واذا قبلته ستتم المرحلة الثالثة التي يطلق فيها القنطار والاسرى اللبنانيون الاربعة وتحصل اسرائيل على جثتي غولدفاسر وريغب واعضاء من جثث 199 عضواً من جثث جنود اسرائيليين سقطوا في لبنان. بعد ذلك في المرحلة الاخيرة ستطلق اسرائيل عدداً صغيراً من الاسرى اللبنانيين كتفضل خاص من اجل الامين العام للامم المتحدة. الحديث عن عدد تحدده اسرائيل وحدها. يقول ديكل "ان الحديث عن عدد احادي الخانة".
قدم عوفر ديكل تقريراً لرئيس الحكومة عن تفاصيل الصفقة في يوم الجمعة الماضية. معلومات استخبارية جديدة افترضت ان ريغب وغولدفاسر ليسا حيين. الأن وقد اصبح واضحاً ان الحديث عن جثث قالت جهات امنية ومقربون لاولمرت لا تسويغ الان لاطلاق القنطار. تمزق اولمرت بين التوجهين. فالموقفان كما يقول مشروعان. في نقاشات داخلية مال اولمرت الى معارضة الصفقة. ان حديث ديسكن ودغان عن السابقة، وعن كون القنطار رمزاً في العالم العربي. وعن امكان ان يفضي هذا الى مس بجلعاد شاليط "اذا كانت اسرائيل تدفع ثمن باهظ مقابل جثث فلماذا يبقى حيا؟" أثر فيه. بعد ذلك أتى المقربون. رأى اولمرت كيف تتغير مواقف الجهات الامنية اثر الرأي العام وغضب. وكالعادة طرحوا التهم عليه. وهو ما زال لم يقرر.
في يوم الاربعاء الماضي في الكنيست تقدم دختر رئيس الشاباك السابق الى اولمرت. "يجب علينا تنفيذ الصفقة"، قال دختر لاولمرت، "ويجب علينا تنفيذها سريعاً. هذه الصفقة، بالمفاهيم التي اعتدناها، هي صفقة معقولة بل رخيصة". تحدث دختر عن صورة التعبير عن علاج الصفقة هذه في وسائل الاعلام ازاء الجمهور والعائلات وحث اولمرت قائلاً "يجب انهاء هذا". يعلم رئيس الحكومة انه يجب انهاء هذا والسؤال كيف؟
في الحصيلة العامة مر على اولمرت اسبوع جيد. فمن الحقائق انه بقي حياً. تجاوز الازمة مع ايهود باراك بفضل برود الاعصاب والادارة الصحيحة. "التهديد باقالتهم نجح"، اعترف اولمرت في احاديث مغلقة الاسبوع الماضي. ومن جهة ثانية يوجد موعد انتخابات تمهيدية لكن اولمرت ما زال يؤمل معجزة. فهو مقتنع بأنه اذا نافس سيربح. والسؤال هو هل سينافس. احتمال ان يحدث هذا ضئيل. يقول اولمرت اذا نافست سأربح. حتى قبل التحقيق المضاد مع تلانسكي. في هذه الاثناء يسمح لنفسه بأن يمزح على حساب وزير الجيش. "بعقب تدخل باراك النشيط"، يقول اولمرت، "أُجلت الانتخابات التمهيدية اسبوعين من بدء ايلول الى نهايته".
ينظر حوله ويقتنع بانه لا يوجد اشد ملائمة منه لمنصب رئيس الحكومة. تسيبي ليفني؟ حسنٌ يقول اولمرت للاشخاص الذين يحدثونه عن عمل وزيرة الخارجية، اذا ورثتني فسيتبين لها كشفٌ مثيرٌ للاهتمام، سيتبين لها انه يحتاج في هذا المنصب الى اتخاذ قرارات. قرارات كثيرة. كل يوم. قرارات صعبة. ليس هذا منصباً سهلا، يعود اولمرت ويؤكد، يجب القرار كل يوم، لا التنزه في العالم والاستمتاع. ويوجد لاولمرت ايضا ما يقوله عن باراك. فهو يقول في حلقات مغلقة ان باراك لم يدبر اي امر قط. فهو ببساطة لا يعرف التدبير. اما تسيبي التي يعود اليها فلم تتخذ الى الان قراراً واحداً. انها تجري محادثات لا تنتهي مع ابي العلاء، لكن القرارات الحقيقة في هذا التفاوض اتخذتها انا.
بحسب جميع الدلائل، يواجه اولمرت قراراً آخر. درامياً. فعلى حسب جهات مقربه منه يوجد التفاوض بينه وبين ابي مازن على شفا الاتمام. الاتفاق قريبٌ في موضوع واحد هو الحدود. على حسب مصادر فلسطينية الفرق بين الجانبين في هذا الموضوع هو فرق درجات مئوية قليلة. قال اولمرت نفسه في حديث مغلق لشخص ما الاسبوع الماضي انه في موضوع الحدود "نحن اشد قرباً مما كان يمكن توقعه". وعندما قالوا له ان ليفني تعتقد انه يجب الربط بين جميع الموضوعات والعمل بطريقة الصفقة الكاملة"، نخر اولمرت باحتقار. وقال لن يكون اتفاق ابداً بهذه الطريقة. يجب البدء في حل امور. هل هو في الطريق الى التوصل الى "تفاهمات اولمرت - ابي مازن؟"، سؤال ممتاز. سنحصل على اجابته في الايام القريبة. حدد لكليهما لقاء في القريب جداً، وقد يتم احراز الاتفاق الذي يتحدث اولمرت عنه. اتفاق يجر على آثاره انفجاراً سياسيا.