كلمة الرئيس نبيه برّي في حفل إزاحة الستارة عن نصب تذكاري للرئيس حافظ الاسد

رعى رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه برّي والامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي السيد عبدالله الاحمر حفل ازاحة الستارة عن النصب التذكاري للرئيس الراحل حافظ الاسد في مدينة صور، الاحد 17/ 6 /2001، وذلك لمناسبة الذكرى السنوية الاولى على غيابه.
وحضر الحفل ممثل رئيس الحكومة رفيق الحريري والوزير ميشال موسى وعدد من الوزراء والنواب والقيادات الحزبية والدينية وفعاليات جنوبية.
بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم كانت الكلمات على التوالي الساده: السيد عبد المجيد صالح، متروبولت صور لطائفة الروم الكاثوليك المطران يوحنا حداد، رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، الامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي السيد عبدالله الاحمر.
ثم القى الرئيس بري كلمة قال فيها:

بسمه تعالى
ثم ها نحن في صور، المدينة التي تنثر كلام الحياة على جبهة الدهر، والتـي لا ترتوي الا بما ينهمر من ينابيع فيضها على حقول اعمارنا، والتي تغسل اوقاتنا وتعبنا على شاطئها، حيث يتعمـد النهر بالبحر، يتعانق دم الحبر وحبر الدم .
ها نحن في المدينة التي اغرقت واحرقت الفاً، وقامت من رماد المواعيد محناة الرأس كسنونة على موعد مع الربيع وفرح التراب .
ها نحن في المكان الذي تسلل اليه الجبابرة من نوافذ العتمة ومسام الماء .
ها نحن في المكان الذي تسلل اليه جلادو الامم، وهم يحملون نعشاً لوأد القمر .
ها نحن في المكان الذي تآخت فيه الاعاصير والمجاذيف، في المدينة التي مخرت لغتها بحر الحياة .
ها نحن في صور التي من ارضها بدأنا، التي كانت معنا ايام المحنة، والتي خرجت ووقفت للدفاع عن الحق،
ها نحن في مدينة الامام الصدر، الامام الذي كافح الحرمان بعاطفة الكادحين، والذي اكل من خبزنا وملحنا ونام على زنده بظل الفلاحين والصيادين، والذي تلحفنا عباءته في ليالي البرد. ها نحن في مدينة الامـام شرف الدين ومدينة الامام الصدر، نجتمع اليوم على الاسم الذي سيبقى كلمة سر المقاومة، على الاسم الذي علمنا ان التاريخ تكتبه الشعوب ولا تحركه الصدفة، على اسمه الذي ينكر الصمت ويحتمل الصوت، على اسمه الذي ينكر الموت ويحتمل الشهادة، على اسمه الذي ينكر النسيان ويحتمل الخلود.

القائد الخالد حافظ الاسد
لحافظ الاسد الذي صب الضوء على عنقود الليل، وكتب في تشرين نهار التصحيح .
ولحافظ الاسد الذي اعاد الى اذرعنا الحياة والى اصابعنا الحبر وكتب في تشرين كتاب التحرير .
لبطل التشرينيين الذي سهر كي لا نتعب، وحرس امنياتنا ونحن نقوم الى حياتنا .
لـه تحية الوفاء من الجنوب الذي يلبس عباءة الحسين وشمس كربلاء واجران قانا وبعـــد،

في كل عام، من الاعوام التي شهدت الكارثة والبطولة عل ارض الجنوب والبقاع الغربي، كنت اتشارك واخي الرفيق عبدالله الاحمر الامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس اللجنة الشعبية السورية العليا لدعم صمود الشعب اللبناني في افتتاح مشروع من مشروعات دعم صمود الجنوب، والتي كانت تتحقق بتوجيه من سيادة الرئيس الخالد حافظ الاسد، فكانت مشاريع مراكز باسل الاسد الثقافية واحدها في صور وقرية الصرفند لابناء الشهداء، ومتحف تخليـد شهداء قانا، والجنوب ومدينة الاسد الرياضية وكان الحضور المستمر لشركة قاسيون الامر الذي اراد من خلاله الراحل العظيم التأكيد على ان الجنوب الذي استحق شرف المقاومة يستحق شرف القيامة من الحرمان، وان سوريا تعمر مقابل اسرائيل التي تدمر مظاهر الحياة .
ووفاء بوفـاء مـن الجنوب نجتمع اليوم في عاصمة المقاومة صـور، لنزيح الستار عن الصورة الحية في ضمـائرنا وقلوبنا للقـائد الخالد حافظ الاسد .
الاخ عبدالله الاحمـر الامين العام المساعد لحـزب البعـث العـربي الاشتراكي،
السادة الحضور،

رغم اني استطيع ان افاخر الكثيرين بأني احد الذين تعرفوا وعرفوا الرئيس الاسد وكان لي شرف لقائه مرات ومرات، والاستماع اليه حول كل القضايا التي تحيط بعالمنا العربي واقطارنا، الا انني اعترف بأنه من غير الممكن الاحاطة بشخصية قيادية تتميز برؤيتها الاستراتيجية الثابتة الشاملة لقضايا الحاضر والمستقبل كشخصية هذا القائد الخالد.
اقول ذلك، لأن سيادته كان يمتلك قدرة استشعار الاخطار عن بعد، نتيجة متابعته الدقيقة واليومية لمجريات الامور وصورة الحركة المحيطة بمنطقتنا وبأقطارنا، ولانه تميز بشخصيته الفذة التي قابلت على الدوام المواقف الساخنة بروية وحكمة، حيـث لم تأخذه مفاجأة ولم تحكمه ردة فعل، وكانت كل مواقفه ومبادراته مدروسة بعناية تأخذ في الاعتبار كل العوامل والتحديات والمعوقات.
واقول ذلك انطلاقاً من قناعة مؤكدة هي ان التاريخ لا تحركه الصدفة، وانـه لا بد من قوة محركة للتاريخ، ولا بد لكل قوة من عقل مدبر، والرئيس الاسد بهذا المعنى كان العقل المدبر لسورية كقـوة محركة للوقائع والتاريخ في منطقتنا.
لقد كانت فلسطين هي المسألة الجوهرية الانسانية والسياسية والعسكرية والوطنية والقومية الاولى التي شغلت الرئيس القائد حافظ الاسد.
لقد انتبه سيادته منذ البداية الى المخطط الصهيوني الامبريالي الذي يستهدف السيطرة على المنطقة، والى اننا في الصراع العربي الاسرائيلي نواجه الحركة الصهيونية العالمية هذه الحركة العنصرية التوسعية العدوانية.
لقد وضع سيادته حداً لمخططات التوسع الاسرائيلية انطلاقاً من بناء سورية القوية المتينة .
فقد كانت النقلة العربية النوعية بعد قيادته للحركة التصحيحية في سورية قرار حرب تشرين التحريرية، تلك الحرب التي انتقل منها المقاتل العربي من الدفاع الى الهجوم، واثبتت ان الجيش الاسرائيلي رغم امتلاكه لكل وسائل الحرب الحديثة ليس قوة اسطورية .
وجعل سيادته من سوريا قاعدة ارتكاز للممانعة العربية ومشروع المقاومة للمشروع الصهيوني .

وعندما اعتقدت اسرائيل ان لبنان يشكل نقطة الانكسار في نظام المنطقة العربية، وانها وبعد ان ادخلته في الفتنة بات ملائماً للتوسع على حسابه، اطلق سيادته مبادرته المستمرة نحو لبنان، تلك المبادرة التي افسحت المجال لاستعادة وحدة الارض والشعب والمؤسسات، وقيامة المقاومة وانطلاقة التحرير الاولى عام 1985، وانطلاقة التحرير الثـانية في ايار عام 2000 بإنتظار استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.
اما في البعد الفلسطيني فإن احداً لا يستطيع ان ينكر ان تحويل الوضع الفلسطيني من واقع النكبة الى واقع المقاومة ارتكز على روح التصحيح التي اشاعها الرئيس الاسد في الواقعين العربي والفلسطيني، وفي رعاية حالة المقاومة واستنهاضها وفي تنمية روح الانتفاضة.
الم تفتح روح التحرير التي اشاعتها حرب تشرين باب الامل امام العرب لتحرير ارضهم، وجعلتهم يقفون على ارض صلبة للمطالبة بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ؟
وفي البعد اللبناني الم تفتح حرب تشرين الباب امام الامام الصدر الاعلان ان مواجهة العدو الاسرائيلي هي مسؤوليتنا، وانا الشيخ المريض سأحمل سلاحي واصبح فدائياً لرد العدوان ؟
الم تفتح حرب تشرين الباب واسعاً امام إمامنا لتشكيل افواج المقاومة اللبنانية ( امل )، ثم امـام كل الشرفاء للانضمام الى خندق المقاومة ؟
وبعد وبعد ..

فإن الراحل العظيم لم يكن قائداً انقلابياً ولا قائداً توفيقياً، بل ولم يمثل نمطاً من انماط السلطة المنقولة او المستنسخة، بل كان مدرسة خاصة في ادارة الدولة والحزب وادارة العلاقات العربية ـ العربية، وادارة الاختلاف والاتفاق وادارة العلاقات الدولية .
لقد نما وترعرع ودرس ابتداء من مدرسة الفدائي العربي جول جمال، وتولى رئاسة اتحاد الطلبة في اللاذقية، وتميزت مرحتله العسكرية بإنضباط عال وقيم وتقاليد نابعة من القيم العربية الاصيلة والثقـافة والمعرفة، وسير الرجال العظام في التاريخ العربي والاسلامي، كما تميزت مرحلته الحزبية بتمسكه بالعمل المنظم وتمسكه بالاهداف الوطنية والقومية .
لقد شكل سيادته خلال مراحل نضاله الطالبية والحزبية والعسكرية والوطنية والقومية ضميراً لامته، ومثالاً في التواضع والنزاهة والوفاء والاخلاص .
لقد شكل القائد الاسد امثولة في الدور التاريخي للقائد في صياغة وصنع التاريخ، واضافة الى دوره كمعلم رائد في تحريك الواقع فإن سيادته كان استاذاً في ترتيب الاولويات والمصالح وتوجيه القوى نحو الاهداف الاستراتيجية .
لقد استطاع سيادته خلال تاريخه المضيء ان يقود سورية وكل المجاهدين في احيان كثيرة على حد السكين وعلى حافة الهاوية وعلى شفا الحروب، وكان واثقاً وكنا واثقين من الوصول الى الاهداف ودفع التهديد والضرر عن سورية والامة .
ان المبادىء التي آمن بها القائد الاسد والتي نتمسك بها انسجمت على الدوام مع روح العصر والعلم، وهي تنطلق من ايمان ثابت بالعدالة، وعمل من اجل الحق وبعد عن التعصب، ونضال ضد العنصرية .
وانني في يوم الجنوب وفاء للرئيس الخالد حافظ الاسد .
وانسجاماً مع الوعد والعهد الذي قطعناه لنعم خلف لنعم سلف سيادة الرئيس الدكتور بشار الاسد بأن نكون وسورية حتى النصر او الشهادة .
وانطلاقاً من التجربة والدروس والعبر خلال صراعنا مع العدو الاسرائيلي .
ولأن هذا الجنوب يقع على خط تماس جغرافيا وتاريخ المنطقة، ومجاورة الخطر الذي تمثله اسرائيل تقتضي منا الاستعداد الآن وفي المستقبل للدفاع عن وطننا وسيادتنا ومستقبلنا وكرامتنا، وكذلك من اجل استكمال تحرير ارضنا في مزراع شبعا وتلال كفر شوبا اعلن :

اولاً : ان افواج المقاومة اللبنانية ( امل ) وبعد ربع قرن على انطلاقتها ستعمل من اجل استنهاض مشروعها التنظيمي والسياسي والايدولوجي على قاعدة انها قوة مقاومة اولاً وثانياً، ودائماً تأسيسياً على ان الوطن هو ابعاد وجود الانسان واساس كرامته ومجال رسالته ويجب حمايته بالارواح، وان الدفاع عن الوطن وعـن حريـة الانسان والموت من اجلهما هو دفاع عن الله، وسبيل الله مفتوح لا غموض فيه ولا اوصياء عليه .
انني وعلى ابواب بدء الانتخابات للمؤتمر العام لحركة امل اؤكد اننا وعلى خط الرئيس الخالد حافظ الاسد ومؤسس حركتنا الامام الصدر واقول لاخوتي المجاهدين ان اقل الوفاء للرئيس الاسد والامام الصدر هو صيانة النصر الذي حققته المقاومة واستكمال التحرير، وهذا يحتم على افواج المقاومة اللبنانية ( امل ) التزام قسمها في صور وبعلبك وكل مكان .
كما اننا من صور نجدد العهد والوعد من اجل تكوين الدولة الحق وتحمل مسؤولياتها الكاملة، حتى يشعر المواطن بأن الانتماء الى الوطن هو البديل الكافي عن الانتماءات الطائفية او المذهبية او المناطقية لحمايته ولصيانة حريته وقوة عمله وكرامته .

ثانياً : انني ادعو رفاق خندق المقاومة من كل القوى الوطنية والاسلامية التي لا تزال على قناعة تامة بأن اسرائيل لاتزال تمثل التهديد الاول والتحدي الاول للبنان كياناً وشعباً وارضاً ومؤسسات الى تشكيل جبهة وطنية تأخذ علىعاتقها :
أ ـ مواجهة كل عدوان على الوطن، انسانه وارضه وجـوه وبحره، ومواجهة كل عدوان على القوات السورية في لبنان او على سورية، وان نعمل معاً لاستكمال تحرير ارضنا في مزراع شبعا وتلال كفر شوبا وازالة الاثار المترتبة على الاحتلال الاسرائيلي وحروب اسرائيل ضد لبنان .
ب ـ العمل من اجل الاستمرار في بناء وطن عصري في مستوى اماني المواطنين، وطن العدل وتكافؤ الفرص، يتساوى فيه الجميع امام القانون، دولة عصرية تترفع فوق الطائفيات والحساسيات والحسابات والمحسوبيات .
ج ـ علىالمستوى القومي فإن رسالة وعمل الجبهة سيتركزان على :
دعم سورية في نضالها العادل لاسترجاع الجولان المحتل حتى حدود الرابع من حزيران بكل الوسائل التي تمتلكها الجبهة، انطلاقاً من المنظور الذي تراه سورية بقيـادة سيادة الرئيس بشار الاسد لادارة الصراع مع العدو .
دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل وانتفاضته المباركة لتثبيت حقوقه الوطنية في ارضه وحقه في العودة تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .

انني هنا اوجه عناية الجميع الى المساعي الدولية المذلة التي تعمل بكل السبل ليس على احتواء الانتفاضة فحسب، بل وعلى انتزاع احجار واظافر اطفال فلسطين وتجريد الشعب الفلسطيني حتى من امكانية اطلاق صرخته في برية الله .
انه من المؤسف ان تنصب المساعي الاميركية علىمطالبة الفلسطينيين بتحويل مناطقهم الى سجن كبير لوجدان الشارع الفلسطيني المتأجج وجمع الاسلحة الفردية، في وقت تستمر اسرائيل بتصويب مدافع الدبابات والطائرات الى الشعب الفلسطيني، وفي وقت يصل فيه الامر بمجرمي الحرب الاسرائيليين الى التلويح بالقنابل الذرية والنيوترونية .
ان الشعب الفلسطيني يجب ان يشعر وان يلمس انه ليس وحيداً، واننا نقف معه بما يتجاوز خطابات الدعم لانتفاضته والاستنكار لجرائم العدو .
اننا يجب ان نجد الوسائل المعبرة عن هذا الدعم، وهذا الامر يتجاوز مسؤولية القادة العرب الى قيادة القوى السياسية الحية على مساحة الامة .
وعليه فإننا على المستوى القومي وازاء السعي الدؤوب للبنان وسورية والشعب الفلسطيني لتحرير الارض واستعادة الحقوق، فإن هذه الجبهة الوطنية اللبنانية ستأخذ علىعاقتها استنهاض كل القوى الحزبية والشعبية والنقابية في العالمين العربي والاسلامي، وتحريك الواقع بما يمكننا من ان نلمس الدعم من الاقطار الشقيقة والصديقة، وبما يمكن اقطارنا وشعوبنا من الاستمرار في الممانعة والمقاومة والانتفاضة حتى التحرير واستعادة الحقوق .
الحضور الكريم،
لقد اغمض سيادة الرئيس الاسد عينيه وهو يستمع الى خفق قلوب العائدين الى مدنهم وبلداتهم وقراهم المحررة في جنوب لبنان والبقاع الغربي وفي هذا بعض الوفاء .
اما كل الوفاء فهو بجهادنا الاكبر من اجل ان نكون كما ارادنا الرئيس الخالد نسلك طريق الصدق مهما كانت صعوباته، ونحافظ على كرامة الوطن والامة مهما كلفنا ذلك من ثمن، وان نحرص في كل خطوة على الاسترشاد بمشاعر الشعب ورغباته لأنها المرشد الصادق الحق .
يبقى ان نؤكد على ما اكد عليه الراحل العظيم : ان قوة لبنان هي قوة لسورية، وان قوة سورية هي قوة لبنان .
-
المجد للقائد الاسد
عاشت سورية