...بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق وشخص الرئيس، لن يلغيا حقيقة أنّ ميليشيا "حزب السلاح" و"حركة أمل"، بزعامة السيد حسن نصر الله و "الرئيس" نبيه بري ارتكبت جرائم بحق الشعب اللبناني، وتحديدًا بحق اللبنانيين السنة، في بيروت والجنوب والبقاع والشمال. إعلان الدوحة وخطاب القسم لن يلغيا حقائق أسبوع الدم الحار الذي نزف من كرامة اللبنانيين السنّة ولن يغيّبا قلق من لم تسمح الوقائع الميدانية باستهدافه، أو قهره ... هناك من قضى، وهناك من يتنظر ليلةً ليلاء وخطابًا جديدا لسيّد "حزب السلاح" أو بيان نفي مسبق تصدره قيادة حركة "الرئيس" بري ليواجه المؤامرة التي دبرت له في الغرف السوداء. هناك، بين اللبنانيين السنة، من ينتظر "جارًا" من "حزب السلاح" وميليشيا بري ليقتحم منزله مجددًا، يقتل أمه، وشقيقه. يسرق يحرق، يدمر وهو يعتقد أنه يختبئ وراء قناع أو وراء زي رسمي لميليشيا تحرس مجلس نواب الأمة اللبنانية. نعم الأمة اللبنانية نفسها التي سيقسم الرئيس العتيد على احترام دستورها. صحيح أن إعلان الدوحة تضمّن "تعهدًا" و "وعدًا" بعدم اللجوء مجددًا إلى السلاح لحسم الخلافات السياسية. وصحيح أيضا أنه تضمن تعهدًا ووعدًا بألا تكون المربعات الأمنية موئلا للمجرمين واللصوص والخارجين على القانون. "الرئيس" بري، في الدوحة، شكر أمير قطر لبلسمة جراح الضاحية والجنوب، بعد حرب صيف العام 2006، ولمؤاساته كل بيت في لبنان الآن. ولكن "الرئيس" بري لم يقل أن قطر قدمت المؤاساة للبيوت التي تعرضت لعدوان ميليشيا "الرئيس" بري و"حزب السلاح" في أيار العام 2008. "الرئيس" بري بلغ به الصلف أن أهدى رفع احتلال بيروت، المسمى اعتصامًا، لدولة قطر. لم يتنازل ويهده لأهل العاصمة اللبنانية الذين قهرهم مقنعوه ومسلحوه. الملفت أن "الرئيس" بري لم يعلن إطلاق اللبنانيين السنّة الذين خطفهم عناصره، سواء من كان منهم متسترًا بقناع أو مقنعًا بزيّ أمني "رسمي". أما التعهّد بعدم استخدام السلاح مجددًا للاعتداء على أهل الرأي الآخر، فمن يضمنه؟ المتعهدون أنفسهم، وقد جربهم الشعب اللبناني ولدغ من جحر أفاعيهم؟ أم الجيش اللبناني الذي "أخطأ" بعض ضباطه؟ الجيش الذي انسحبت قواته مع بدء هجوم قوات "حزب السلاح" وميليشيا "الرئيس" بري وعادت بعدما "تكرم" المهاجمون وأنهوا هجومهم؟
المشهد الملتبس، في المعنى والمغزى في آن، هو اجتماع نواب "الأمة" في مجلس سلطة الأمة المنتخبة لانتخاب رئيس الأمة بحراسة "ميليشيا الرئيس" بري. الرئيس فؤاد السنيورة، ومن على منبر قطر، ترحم على الشهداء الذين سقطوا في الزمن الخاطئ والمكان الخاطئ، وفق تعبيره. رئيس كتلة المستقبل الشيخ سعد الحريري تبرّع مشكورًا بالتعويض عن خسائر "جميع" المتضررين من عدوان أيار، الذين لم تنتج أضرارهم عن اعتداء قام به هو، ولا عن كارثة طبيعية، بل عن اجتياح نفذه "حزب السلاح" وميليشيا "الرئيس" بري. الشيخ سعد أوصى بأن يتمّ التعامل مع الجراح "بمسؤولية وطنية" مشددًا على الاستعداد الدائم لتقديم "تضحيات للبلد." "الجرح عميق، وجرحي عميق،" قال الشيخ سعد مع تشديد على تقديم تضحيات "للبلد." التضحيات التي ستقدم للبلد هي تسوية الدوحة، على أمل ألا تلاقي مصير اتفاق مكة الذي رعته المملكة العربية السعودية بين الفلسطينيين. أما الضحايا والشهداء الذين سقطوا في الزمن الخاطئ والمكان الخاطئ، والكرامات التي انتهكت عمدًا، فلن تكون قرابين على مذابح أهل السلاح والأقنعة. لن تكون قرابين على مذابح لصوص الجثث. هامش المناورة المتاح للسياسيين قد يضيق أو يتّسع، لكن حذار، حذار من أن يتطاول أحد على الذاكرة الجماعية للشعب اللبناني وتسول له نفسه أن يقترح قانونًا للعفو عن الجرائم الموصوفة التي ارتكبت. حذار، حذار، حذار من مجرد التفكير في ارتكاب جريمة قانون العفو مجددًا. حذار، حذار، حذار من ارتكاب خيانة العفو العظمى، لا في الحق العام، ولا في الحقوق الخاصة. التحذير ليس منطلقًا من فراغ. فالرئيس العتيد، قائد الجيش العماد ميشال سليمان، كان اعتبر في رسالته إلى الضباط أن ما جرى في أيار هو حرب أهلية تفادى الجيش الانزلاق إليها. أنا لا أقول إن فخامة العماد سيقترح قانونًا للعفو عن جرائم أيار العام 2008، لكن بعض عسس الحروب الأهلية قد يسعون إلى إقفال ملفات جرائمهم بقانون عفو، مشابه لمهزلة قانون العفو السابق الذي واكب نهاية الحرب الأهلية في العام 1990. ذلك العفو كان، عمليًا، فضيحة ومكافأة للمجرمين الذين "ارتقى" بعضهم إلى مقاعد السلطات. ذلك العفو، في ذاته، كان جريمة، لأنه لم يولد من رحم الإدانة. لم يدن أحد كي يترفع المجتمع عن تنفيذ العقاب بحقه. ذلك العفو كان مكافأة للقتلة، وحذار، حذار، حذار من ارتكاب خيانة جديدة بحق الشعب اللبناني الذي لن ينسى القتلة ولن يغفر لهم، ولن يغفر للمجرمين الذين قد يحاولون حماية المجرمين من ... عدالة القانون. أما عدالة الله، فالله يطبقها ... ولا يهمل.
|