عن سعد الحريري ... الصغير
سعد الصغير
بقلم أحمد المسلماني ١٩/٥/٢٠٠٨
ذهبت لأداء واجب العزاء في وفاة الرئيس رفيق الحريري، كان ذلك في بيروت صيف عام ٢٠٠٥، وكان «قصر قريطم» كثيف الحراسة، أشبه بساحة حرب لا ساحة قصر، ينعم ساكنوه بخمسة مليارات دولار.. كانت هذه هي المرة الأولي التي ألتقي فيها الشيخ سعد الحريري، وكان لبنان لايزال يحمل الكثير من الأمل
لم يكن الشيخ سعد معروفاً لأحد، ولم يكن معروفاً من آل الحريري إلا السيدة بهية الحريري، وكان قليلون يسمعون عن بهاء الدين الحريري، أما شقيقه سعد فقد كان مجهولاً للجميع
جاء سعد الحريري واجهة السلطة بعد اغتيال والده، وقد بدت إطلالته الأولي غير جادة، فهو بالغ الاهتمام بمظهره، وهو يشبه شباب الطبقة العليا في مجتمعات الخليج، أكثر مما يشبه رجال سياسة يبدأون الرحلة بقنابل ودماء
وأما الأداء الصوتي للشيخ سعد، فهو الآخر يبدو أداءً مترفاً، يحمل من البطء والكسل ما لا يناسب رجل دولة، أمامه حرب
أول انطباع - لايزال يلازمني - بشأن الشيخ سعد الحريري، هو أن الشاب جاء إلي موقعه من غير رغبة، أو بنصف رغبة، بعد أن اضطر إلي تغيير مسار حياته، وتعديل جدول أعماله، كأنه فتي من صعيد مصر، شاء له القدر أن يترك مساعي الأخذ بالمال ليبدأ مساعي الأخذ بالثأر
لم يرغب الشيخ سعد في أن يعرف خصومه ولا حلفاءه بالعمق الكافي، ولم يبذل جهداً في معرفة لبنان ولا اللبنانيين، وتعامل الوقت كله كابن للزعيم لا كزعيم جديد.. قاد سعد تيار المستقبل، وهو تيار ليبرالي يحمل أفكاراً عاقلة وأهدافاً نبيلة
في لبنان، تنتعش الأصولية والإلحاد، وتتعادل مبادئ الوطنية مع اجتهادات العمالة.. وفي لبنان قوي وجماعات تقول: «لبنان أولاً»، وهي تؤمن إلي حد العقيدة بأن «لبنان أخيراً».. وفيه أشخاص يتبدل القول لديهم علي مدار الساعة
وفي مرة قلت للكاتب اللبناني طلال سلمان تحليلاً نسبت فيه آراء إلي وليد جنبلاط، ففوجئت به يسألني: متي قال وليد بك ذلك؟ قلت له: منذ شهر. قال: إنك تتحدث في التاريخ لا في السياسة.. إن تصريحات وليد بك لا تزيد صلاحيتها علي ستين دقيقة
في خريطة كهذه، وزمان كهذا، ورجال كهؤلاء.. كان تيار المستقبل يمثل الأمل.. فكر جديد، ليبرالية وطنية، مشروع استقلال، رؤية في البناء.. لكن المعضلة الكبري التي عصفت بكل شيء.. هو سعد الحريري نفسه.. ذلك أنه أصغر من المشروع، وأصغر من الرؤية، وأصغر من أن يعطي الأمل
تراجع تيار المستقبل.. لأن القائد الجديد لا يعرف الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل
تراجع تيار المستقبل.. لأن سعد الحريري الذي لا يصلح، تحالف مع وليد جنبلاط، الذي لا يصلح، وسمير جعجع الذي لا يصلح.. فكانت النتيجة الطبيعية «صفر + صفر + صفر = صفر
كبرت الأحداث في لبنان، أما الشيخ سعد فلايزال صغيراً