سب الصحابة في كتب أهل السنة
الذي يعتقده الشيعة الأمامية في صحابة النبي صلى الله عليه وآله هو أن الصحابة ـ وهم الذين لاقوا النبي صلى الله عليه وآله في حياته مؤمنين به ـ ينقسمون إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : هي التي ذكرها الله سبحانه في كتابه العزيز فقال [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] التوبة :100.
وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهم المؤمنون المخلصون الذين شادوا الإسلام حتى جعلوا كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وهؤلاء نعتقد أن الله سبحانه قد رضي عنهم ووعدهم بالجنة كما نصّت الآية المباركة السابقة. ونحن نحبّهم ونتولاهم وندعو لهم بإجزال المثوبة لهم وبالمغفرة والتوبة، ولا يجوز لمؤمن أن يمسّهم بقدح أو بذم أو أن يغتابهم على ما بدر منهم.
ومن هؤلاء: عمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن مسعود، وخزيمة بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وأبو دجانة الأنصاري، وعبد الله بن رواحة، وبلال بن رباح، وزيد بن حارثة، وعثمان بن مظعون، ومصعب بن عمير، وغيرهم كثير.
ومنهم: شهداء بدر وأحد وغيرها من وقائع النبي صلى الله عليه وآله إلا من خرج بالدليل.
ومنهم: المؤمنون من أهل بيعة الشجرة كما نص الله في كتابه.
والفئة الثانية: هم الذين ذكرهم الله سبحانه في كتابه بقوله [وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ] التوبة: 101.
وهم المنافقون الذين كانوا يكيدون للإسلام المكائد ويتربصون به الدوائر، وكانوا يمالئون اليهود والنصارى والمشركين ويتواطؤون معهم ضد المسلمين.
وهؤلاء نعتقد بكفرهم وبأنهم في الدرك الأسفل من النار كما نص القرآن الكريم، ونتبرأ منهم في الدنيا والآخرة وإن نُسبت لهم الصحبة ووُضعت لهم الفضائل والمناقب، فإنها لا تساوي عندنا جناح بعوضة.
ويُعرف هؤلاء ببغضهم لأمير المؤمنين عليه السلام وقدحهم فيه كما نص النبي صلى الله عليه وآله في الحديث الصحيح حيث قال لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
ومن هؤلاء ابن هند وابن النابغة وأشياعهم.
والفئة الثالثة: هم الذين ذكرهم سبحانه بقوله: [وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] التوبة: 102.
وهم الذين خلطوا أعمالا صالحة بأعمال سيئة، فلم تبلغ بهم أعمالهم أن يكونوا من الفئة الأولى، ولم تحطهم أوزارهم فيكونوا من الفئة الثانية.
وهؤلاء ندعو لهم ونرجو لهم المغفرة والتوبة، ولا نعتقد أن لهم في الإسلام قداسة وأن لهم عند الله منزلة لم يبلغها غيرهم ممن جاء بعدهم.
ونعتقد أن أفضل صحابته صلى الله عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلام ، ثم الأئمة المعصومون من ذرية الحسين عليه السلام. وهم أفضل هذه الأمة، وأنهم هم الخلفاء الراشدون المهديون الاثنا عشر المنصوص عليهم في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله.
وأفضل نساء هذه الأمة هي فاطمة الزهراء عليها السلام، بل هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، وأنها معصومة طاهرة وأن من آذاها فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فهو ملعون في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه [إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا] الأحزاب: 57.
والفئة الأولى من الصحابة يتفاوتون في الفضل فيما بينهم كما نصت بذلك الأحاديث النبوية والمعصومية، ولا نمنع أن يأتي من بعدهم من يفضلهم إلى قيام الساعة، ولا نقول بأنهم خير القرون كما يقوله أهل السنة، ولا نقول بأن شهداءهم خير الشهداء.
وعليه: فمن ثبتت عدالته من الصحابة قبلنا رواياته، وأما من ثبت فسقه أو نفاقه أو كان مجهول الحال فرواياته مردودة ولا كرامة.
هذه هي عقيدة الشيعة في صحابة النبي صلى الله عليه وآله.
ومن ذلك يتضح أن ما أشاعه خصوم الشيعة من أن الشيعة يسبون الصحابة فهذا محض افتراء إن كان المراد بذلك هو سب كافة الصحابة، وإن كان المراد به تفسيق بعض الصحابة والحكم بنفاق بعض آخر فهو صحيح ، وهذا لا إشكال فيه مادام الدليل يعضده والكتاب العزيز يؤيده.
وأما ما رواه الكليني رحمه الله في الروضة ص 213 ـ 214، عن أبي جعفر عليه السلام، حيث قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير. وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالى [وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين].
فالمراد بالارتداد هنا هو الرجوع عن الشيء كما هو معناه في اللغة. قـال عـز مـن قـائل [فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً] (سورة يوسف ، الآية 96)، وقال [قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك](سورة النمل، الآية 40)، وقال [مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم](سورة إبراهيم، الآية 43).
وأما إذا أُريد بالارتداد الرجوع عن الدين فلا بد من تقييده لفظا أو تقديراً، ولهذا لم يَرِد في كتاب الله إلا مقيَّداً . قال سبحانه [مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبّونه]( سورة المائدة ، الآية 54 )، وقال [ومن يرتدد منكم عن دينه فيمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة]( سورة البقرة ، الآية 217 )، وقال [إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبيَّن لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم]( سورة محمد ، الآية 25)، وقال [ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين](سورة المائدة ، الآية 21).
والحديث المذكور لم يُقيَّد فيه الارتداد بأنه عن الدين أو على الأدبار والأعقاب .
وعليه ، فمعنى الحديث هو أن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله رجعوا عما التزموا به في حياته صلى الله عليه وآله من مبايعة علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وخلافة المسلمين ، فنكثوا بيعته وبايعوا غيره .
وبهذا المعنى للارتداد فسَّر ابن الأثير في النهاية النهاية 2/214 هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض حيث قال : وفي حديث القيامة والحوض : (( فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى )) : أي متخلِّفين عن بعض الواجبات . ولم يُرِد ردَّة الكفر ، ولهذا قيَّده بأعقابهم ، لأنـه لـم يرتد أحد من الصحابة بعده ، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب.
والذي يدل على أن ما قلناه هو المراد بالحديث قوله عليه السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا ، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع ، وذلك قوله تعالى [وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين].
وهو ظاهر في أن الثلاثة المذكورين التزموا ببيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يبايعوا غيره ، حتى بايع مكرَهاً فبايعوا بعده .
وهذا الحديث لا يزيد على بعض الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله في المصادر السنية التي نصت على حصول الارتداد في صحابة النبي صلى الله عليه وآله.
فقد أخرج البخاري 8/150 عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله (ص) قال : يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيُحَلَّؤن عن الحوض ، فأقول : يا ربِّ أصحابي . فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
ولو تنزلنا وسلمنا دلالة الحديث المروي في الروضة على ارتداد عامة الصحابة فهو ضعيف السند فلا يحتج به، فإن في سنده سدير الصيرفي وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال. ومن ذلك يتضح أن الشيعة لا يقولون بارتداد أكثر الصحابة إلا ثلاثة عن الدين كما أوضحناه.