أعايدكم جميعا بذكرى مولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام
الجزء الأول
نسبه الشريف
هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .
وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)[1] الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
واُمه اُم ولد يقال لها : حديث . أو سليل ، وكانت من العارفات الصالحات . [2] وذكر سبط بن الجوزي : أن اسمها سوسن . [3]
محل الولادة وتأريخها
ولد
الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ
في شهر ربيع الآخر سنة (232هـ) من الهجرة النبوية المشرفة في المدينة
المنورة .
ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها .
فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة (230هـ)[4] وقال آخرون انها كانت سنة (231 هـ )[5] أو سنة (232هـ)[6] أو سنة (233هـ)[7] .
وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان[8] .
ولا
نرى غرابة في هذا الاختلاف ، فربما يعزى إلى اجراءات كان الإمام الهادي
(عليه السلام) يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكري (عليه
السلام) أو يكون لغير هذا من أسباب تعزى إلى ملابسات تأريخية خاصة .
ألقابه (عليه السلام) وكناه
اُطلق
على الإمامين علي بن محمد والحسن بن علي(عليهما السلام)(العسكريّان) لأنّ
المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمى عسكر[9].
و
(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) .
وله ألقاب اُخرى ، نقلها لنا المحدّثون ، والرواة ، وأهل السير وهي :
الرفيق ، الزكي ، الفاضل ، الخالص ، الأمين ، والأمين على سرّ الله ،
النقي ، المرشد الى الله ، الناطق عن الله ، الصادق ، الصامت ، الميمون ،
الطاهر ، المؤمن بالله ، وليّ الله ، خزانة الوصيين ، الفقيه ، الرجل ،
العالم[10].
وكل منها له دلالته الخاصّة على مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته .
وكان يكنّى بابن الرضا . كأبيه وجدّه ، وكنيته التي اختص بها هي : (أبو محمد) .
ملامحـه
وصف
أحمد بن عبيد الله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله : إنه أسمر
أعين[11] حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيبة[12] .
وقيل : إنّه كان بين السمرة والبياض [13].
النشأة وظروفها
نشأ
الإمام أبو محمد (عليه السلام) في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبرى ،
ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً . وقد وصف
الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً :
فللّه
درّ هذا البيت الشريف ، والنسب الخضم المنيف ، وناهيك به من فخار ، وحسبُك
فيه من علوّ مقدار ، فهم جميعاً في كرم الأرومة وطِيب الجرثومة كأسنان
المشط; متعادلون ، ولسهام المجد مقتسمون ، فياله من بيت عالي الرتبة سامي
المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً ، وسما على الفرقدين منزلةً
ومحلاًّ ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بـ «غير» ولا بـ «إلاّ» ،
انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى
الأوّل والتالي ، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم ، والله يرفعه ، وركبوا
الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه ، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا
يهمله الله ولا يضيّعه»[14].
لقد ظفر الإمام أبو محمد بأسمى صور
التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله وأعلى ذكره ورفع شأنه حيث (
يسبّح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
...)[15]، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض وقدّم
القرابين الغالية في سبيل رسالة الله .
وقطع الإمام الزكي شوطاً من
حياته مع أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) لم يفارقه في حلّه وترحاله ،
وكان يرى فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ،
كما كان يرى فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والامامة فكان يوليه أكبر
اهتمامه ، ولقد أشاد الإمام الهادي (عليه السلام) بفضل ابنه الحسن العسكري
قائلاً :
«أبو محمد ابني أصحّ آل محمد(صلى الله عليه وآله) غريزةً
وأوثقهم حجة . وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة
وأحكامها»[16] ، والإمام الهادي بعيد عن المحاباة والاندفاع العاطفي مثله
في ذلك آبائه المعصومين .
وقد لازم الإمام أبو محمد (عليه السلام) أباه
طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلى شيعته من صنوف الظلم
والاعتداء . وانتقل الإمام العسكري (عليه السلام) مع والده إلى سرَّ من
رأى (سامراء) حينما وُشي بالإمام الهادي (عليه السلام) عند المتوكل حيث
كتب إليه عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي : «يذكر أن قوماً يقولون إنه
الإمام ـ أي علي الهادي (عليه السلام) ـ فأشخصه عن المدينة مع يحيى بن
هرثمة حتى صار إلى بغداد ، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك ،
وركب اسحاق بن إبراهيم لتلقّيه ، فرأى تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته
، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم
نفذ إلى سرَّ من رأى»[17].
ولقد أسرف المتوكّل العباسي في الجور
والاعتداء على الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ففرض عليه الاقامة
الجبرية في سامرّاء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء
والفقهاء وشيعته من الاتصال به ، وقد ضيّق المتوكّل على الإمام في شؤونه
الاقتصادية أيضاً ، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر ، وحمله إليه
بالكيفية التي هو فيها .
وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيت (عليهم
السلام) أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن علي (عليهما
السلام) بكربلاء ، وأمر بهدم القبر الشريف الذي كان مركزاً من مراكز
الاشعاع الثوري في أرض الإسلام .
وكانت كل هذه الظروف المريرة هي
الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمد العسكري (عليه السلام) وهو في
نضارة العمر وغضارة الشباب فكَوَتْ نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك
الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسىً وتقطّعت ألماً وحسرة[18] .
وكان
استشهاد والده (سنة 254هـ) وتقلّد الامامة بعده وكانت فترة امامته أقصر
فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة
نفسيّة وجسديّة . قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره
الشريف ، إذ كان استشهاده في سنة (260هـ)[19] فتكون مدة إمامته (عليه
السلام) ست سنين . وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدى رعب حكّام الدولة
العباسية منه ومن دوره الفاعل في الاُمة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق
بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره
الميمون . [20]