محاضرة سماحة الإمام السيد موسى الصدر
في طلاب كلية الطب بالجامعة اليسوعية (بتاريخ: 15/3/1974)
أثار سماحة الإمام موسى الصدر في محاضرته أمس أمام الطلاب في كلية الطب بالجامعة اليسوعية سلسلة من القضايا الجنوبية الخطيرة، وكشف النقاب عن أنّ الدولة الفلسطينية التي تعمل لها أميركا و"إسرائيل" ستأخذ جنوب لبنان. تحدى الإمام الصدر الدولة أن تنفّذ مشروع الليطاني، وقال إنّ حالة الطوارئ في الجنوب ما هي إلاّ وسيلة للتنكيل بالمواطنين هناك.
ست قضايا:
تساءل الإمام الصدر: ما هي القضايا التي يشكو منها الجنوبي؟ وقال إنها ست:
لا حمايــة:
الوطن في جنوبه غير محمي: الدوريات موجودة، وهي مختصرة في النهار حتى الساعة الرابعة، بعدها لا تجد أثراً للسلطة. فالمنطقة تصبح متروكة للعدو وأطماعه. يقال الكثير عن إمكانات الدفاع، والصحيح أنه ليس هناك في العالم دولة حديثة أو قديمة تقول لا أتمكن من الدفاع عن الوطن. الحقيقة أنّ هناك وسائل أخرى للدفاع: كعقد المحالفات، التجنيد وغيرها.. لا بد منها لحماية الوطن. المبدأ القانوني الإنساني يفرض الدفاع عن الوطن.
يروي الإمام ما قاله أحد رؤساء الجمهوريات في مقابلة خاصة: بعثة عسكرية فرنسية درست أوضاع لبنان ووضعت تقريراً يفيد أنّ الوضع الجغرافي في الجنوب وفي الحدود المتاخمة تساعد للدفاع عدة أيام إذا كانت هناك حرب وكانت لدينا بعض الأسلحة الخفيفة والصواريخ. أؤكد لكم أنّ عدم قدرة الدفاع عن الوطن هي أسطورة أتت عن تكرار ذلك القول ولا أساس لها من الصحة.
الدفاع عن المواطن – الأمن:
الأمن مفقود في الجنوب، لا أحد يأمن على حياته خلال الليل. عندما أترك بيتي الى الجنوب، أقبّل أولادي قُبلة الوداع لأني لا أعلم إذا كنت سأعود سالماً في النهار.
عندما يحضر الأمن في المنطقة يُستعمل، وهذه حقيقة لإرغام الناس على اتباع خط سياسي معيّن، وللتنكيل بالناس لعقائده وآرائهم..
لا تخطيــط:
لا تخطيط في الجنوب: عندما تأسس مجلس الجنوب سنة 1970، لم نجد مخططاً واحداً للجنوب في كل دوائر الدولة. لم يكن هناك ورقة عمل عن الجنوب فاضطر المجلس الناشئ الى استعارة بعض دراسات للقيام ببناء الطرق والمدارس. المهاجرون الصناعيون مستعدون لمساعدتنا، لكن الشروط الضرورية غير متوفرة.
الشؤون الحياتية اليومية: الماء والكهرباء، نرى وسائل نقلهما في كل قرى الجنوب تقريباً. لكن ما بين الوسيلة والمضمون فرق كبير. الماء مقنّنة توزع مرة واحدة على القرية في الأسبوع. في بنت جبيل تأتي المياه يوم الخميس فقط وباقي الأيام تُستعمل مياه البرك والخزانات غير النظيفة. من هذه البرك تشرب الحيوانات، تغسل المرأة أواني البيت فيها، ثم يشربون منها. أيها اللبنانيون ما رأيكم بهذا؟
مصلحة الليطاني كلفت حتى اليوم أكثر من 400 مليون ليرة (المصلحة تأسست سنة 1954)، كان هدف المشروع ري الجنوب فأصبح بيع الكهرباء. حسناً قبلنا بذلك. يبيعون سنوياً 20 مليون ليرة كهرباء، 8 ملايين تذهب للموظفين، 10 ملايين وفاء دين، مليونان فقط لإنماء الجنوب. أما الدراسات الحالية التي كما يقال ستنتهي في آخر هذا الشهر وتقوم بها منظمة الأغذية والزراعة الدولية بمساهمة 17 مهندساً، فماذا يحدث بها حالياً؟ إدوار صوما حذّر من تنفيذ المشروع ويشك فيه ويتحدى المسؤولين أن ينفّذوا الجدول الزمني الذي وضعوه لأنه مغاير للواقع.
مصلحة الليطاني، على لسان نائب رئيس مجلس إدارتها سليم مقصود، تقول في دراسة الى المسؤولين: نحن قدّمنا الدراسة ولكن المصلحة لن تتمكن مطلقاً من تنفيذ المشروع..
التبغ: قضية القضايا
التبغ.. قضية القضايا. طلبت الشركة سنة 66 من الدولة السماح لها باستيراد آلات للتعبئة والتصنيع. جواب الدولة جاء بأسرع من الصاروخ، سنة 72 وحتى اليوم لم يتحقق المشروع.
أوتوستراد الجنوب: نقل رئيس لجنة الإستملاك فبقي المشروع حبراً على ورق.
وتحدّث الإمام عن مطالب أخرى، فقال إنها إذا أقرّت على الورق فهي تنفّذ في منتهى البطء والإستهتار.
الفلسطينيون في الجنوب وقيامهم بالعمليات الفدائية: إنّ ذلك للوهلة الأولى حجة وعذر في يد "إسرائيل". لكن عندما تتجمد العمليات الفدائية، وقد تأكدت شخصياً من ذلك، يستمر القصف الإسرائيلي. حالياً العمليات مجمّدة والقصف الإسرائيلي مستمر، فأين الدولة؟ قضية الفلسطينيين هي مجال متاجرات ومزايدات وإهمال، ولكنها تستطيع أن تكون ورقة رابحة في يد السلطة اللبنانية إذا ما حزمت أمرها على إثبات وجودها. يحمّلون المقاومة وأبناء الجنوب سبب هجمات "إسرائيل": هذا ظلم كبير علينا أيها الشباب.
أطماع "إسرائيل" العدوانية: حالياً هناك خطة خطرة تجري في إطار مفاوضات السلام. "إسرائيل" تحاول تهجير أهل الجنوب كون القصف الإسرائيلي، كما يقول المراقبون العسكريون، ليس على الحقول والبيوت فقط بل على كل شيء، كأنها تناور على أرض الجنوب بالذخيرة الحية. الخطة التي هي من وضع أميركي – يهودي تفيد بقيام دولة فلسطينية حول "إسرائيل" تتألف من: قطاع غزة، الضفة الغربية، هضاب من الجولان، بعض سهل الحولة وجنوب لبنان. هذه خطة خيانة للبنان وللقضية الفلسطينية. ستكون هذه الدولة مهزوزة وحزام أمن، وحزاماً لتصريف منتوجات "إسرائيل" لبلدان الداخل.
السجن الكبير:
بعد أن طلب الإمام من الشباب الجامعي الضغط الشريف الظاهر على المسؤولين الذين طال استهتارهم، قال: لماذا لا تتحركون من أجل المسجونين في سجن الجنوب الكبير؟ نعم الجنوب سجن، خلافاً للإعلام الكاذب الذي يشوّه الحقيقة. وأضاف: لا يكفي أن تتحركوا من أجل مطالب طلابية بل تحركوا من أجل الجنوب. الأمور بسيطة وليست معقدة كما يرى البعض: القضية بحاجة الى عقل وقلب، إما غير موجودين وإما مغطى كل منهما بالأزلام والحواشي والكلمات العذبة.
في رده على الأسئلة قال إنه لم يدعُ الى الثورة المسلحة، بل حذّر المسؤولين بأنّ استمرار الإستهتار يؤدي الى الثورة والعنف، وأنّ دوره كرجل دين ينحصر في النصيحة وتصعيد الضغط بالوسائل التالية: الإضراب، العصيان المدني، قطع الطرق.
الطوارئ للتنكيل:
ورداً على سؤال آخر قال: حالة الطوارئ في الجنوب ليست لأسباب دفاعية، بل وسيلة في يد السلطات للتنكيل بالمواطنين، وأنا أرفض ذلك.
وحول زيارته لسوريا قال: أنا لا أمارس ما ليس من صلاحياتي. أعرف ما هو تأثير سوريا على الجنوب فذهبت وقابلت المسؤولين، وأخذت صورة عن الوضع الحالي، ومشروع فصل القوات في الجولان، وذلك بصفتي كمسؤول ديني. أما ما يقال إني طلبت مساعدة من سوريا فأن أستعين بدولة أخرى لأدافع عن بلدي فهذا ما لا أقبله، لأنّ لبنان باستطاعته الدفاع عن جنوبه.
البوليس الدولي:
حول البوليس الدولي قال: يجب أن نفرّق بين البوليس الدولي المراقب والمقاتل. في مصر وسوريا هناك بوليس دولي مراقب فقط. فهل نستطيع في لبنان أن نأتي ببوليس دولي مدافع عنا؟ بالتأكيد هذا من المستحيلات.
وفي رد على سؤال عما إذا يلتقي مع الأحزاب العقائدية التي ترى الجنوب بين مطرقة الإقطاع السياسي وأطماع "إسرائيل"؟ قال: ومَن قال لك إنني لم ألتقِ معها؟ فأنا ألتقي مع كل الذين يعملون على إنصاف المحرومين والمسروقين.
وأوضح قائلاً: حملتي تختلف عن حملات الأحزاب السياسية والهيئات التقدمية. أنا كرجل دين حملاتي تتحدد من خلال رسالتي وهي الدفاع عن الإنسان المحروم المعذّب، وليس الحكم على أحد. لا تطلبوا مني مواقف سياسية بل إنسانية. سأكون ضمير هذا الشعب أصرخ في وجه المسؤولين، أقضّ مضاجعهم ما دام هناك محروم أو قطعة أرض مهملة.