سؤال: ما هذه الحركة التي تقودها على رأس جماعة من المخلصين (وبينهم 190 مثقف وقّعوا بيانهم الشهير تأييداً لكم)، وهل تعملون على نقل هذه الحركة من عفوية البداية الى عملية عضوية وكوادر دون وقوعها في فخّ المؤسسة أو الحزب؟
جواب: من الطبيعي أنّ الإنسان.. المواطن المسؤول عندما يشعر أنه يعيش ساعات خطرة يتحرك، ونحن في لبنان نشعر لأسباب عديدة منها وجود البؤس في كثير من المناطق (الحدودية والمحيطة ببيروت)، ومنها الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب التي تؤدي الى حالة سيئة وبؤس، ومنها عدم تكافؤ الفرص في مختلف فرص الحياة والعيش.. هذه الحالة حصلت بعد الحرب الكونية الثانية في 38 دولة، فسقطت وسقطت أنظمتهم، ومن الطبيعي أنّ الذي لا يريد لوطنه مثل ذلك المصير يتحرك، وقد تحرك الكثير من المواطنين (من المثقفين ومن مختلف الفئات).. هذه الحركة نابعة من تحسسنا بمسؤولياتنا الوطنية، كما أنها (الحركة) تنتسب الى إيماننا بالله، فالإيمان بالله لا ينفصل عن الاهتمام بشؤون المعذبين، ونحن نسعى لوضع الأمور في نصابها ولصيانة البلد وإنقاذ المحرومين، لذا حاولنا أن نؤسس هذه الحركة، وبالفعل أخذت كثيراً من قطاعات الشعب المختلفة دون أن تدخل في صورة المؤسسات أو الأحزاب، والسبب أنّ الأحزاب عادةً تطرح إيديولوجيات وصور للمجتمع بعيدة عن التنفيذ، والأهداف البعيدة عادةً تجعل المواطنين ينقسمون على بعضهم، لكن عندما يكمل الإنسان الأهداف القريبة كمشاريع التنمية والعدالة وفرص العيش ومختلف الشؤون المدنية للبلاد.. عندها يلتف المواطنون ويشكلون قوة ضاغطة حتى يتمكنوا من تحقيق الأهداف.. على هذا الأساس تشكلت حركة المحرومين ولها كوادر شبه إدارية وليست حزباً ولا مؤسسات ولكن حركة منظمة وستكون بإذن الله في خدمة لبنان وخدمة اللبنانيين..
سؤال: لا بد أن تكون لحملة التحلل في بعض المناطق اللبنانية علاقة وثيقة بالصيغة اللبنانية، وإذا كان الأمر كذلك فإنكم ولا شك تريدون لبنان جديد بصورة جديدة، وتذهبون الى أبعد من الصراع الى بداية التحقيق، فتوصيف الداء واضح لديكم، ولكن هل الدواء بمثل هذا الوضوح؟..
جواب: إذا كان الداء واضحاً فالدواء يصبح واضحاً، وعندما نريد أن نبحث عن المرض في لبنان نجد أنّ هذا المرض يتلخص في أربعة (أمور): أولاً) غياب العدالة في حقلَي التنمية والفرص.. / ثانياً) تأجيل القضايا الكبرى، وعدم البحث في حلها، وبالتالي عدم اتفاق المواطنين على الحد الأدنى من الاتفاق حولها../ ثالثاً) أسلوب العمل السياسي في لبنان.. رابعاً) ابتلائنا بعدو يشن حروباً متنوعة في طليعتها الحرب النفسية..
على هذا الأساس بإمكاننا القول أنّ الدواء أيضاً واضح، يعني إذا بدأنا بتحقيق العدالة ضمن مخطط واضح يطمئن له المواطن، وإذا حاولنا بالفعل من خلال ما يسمى بالمصالحة الوطنية، عندها تجتمع الفئات اللبنانية ويطرحون القضايا الأساسية ويتفقون على هذه الأسس، وبالتالي يضعون اتفاقاً جديداً حول الحياة في لبنان، عندها العلاج يسهل، وبعبارة أخرى: عندما نطرح الصيغة اللبنانية لا أعتقد أنّ وجود الطوائف في لبنان هو المشكلة بل أنه مصدر قوة وتميز حضاري، حتى النظام الطائفي لا أعتقد أنه سبب المشكلة، بل السبب هو بالممارسات الخاطئة التي أدت الى هذا الوضع، مثلاً: هناك من يفكّر بأخذ من فئة وإعطاء لأخرى، وهناك مشاريع كثيرة (الليطاني، العاصي، الأوتوسترادات..) قابلة للتنفيذ وبتمويل من قبَل مؤسسات تمويلية، ويمكن للجميع الاستفادة منها دون التقليل من حق أحد أو فرص أحد..
إذاً: الممارسات الخاطئة أدت الى هذا الوضع، الداء واضح لكن يحتاج علاجه الى إرادة للعلاج، وبعد ذلك لا بد من أن نقول أنّ المطلوب أن يتفق اللبنانيون على صيغة أفضل لنظامهم بالأسلوب الديمقراطي، فدون شك أنّ نظامنا ليس مثالياً من حيث الطائفية، أما من حيث الديمقراطية فبدون شك أنّ الإنسان حتى الآن لم يجد نظاماً أفضل من الديمقراطية، ولكن الأسلوب الطائفي الذي وُضع لأسباب إيجابية وسلبية متنوعة بدون شك ممكن أن نجد بديلاً أفضل منه..
سؤال: هنا نصل الى المقاومة الفلسطينية وعلاقتها بصيغة لبنان الجديدة الى الوجود الفلسطيني في لبنان..
جواب: بدون شك أنّ قضية فلسطين كان لها تأثير كبير في وضع لبنان سواء من جهة وجود إسرائيل واعتداءاتها
على الجنوب، أو من جهة وجود مئات الألوف من الفلسطينيين المشردين أولاً والمسلحين ثانياً، فوضعهم الاجتماعي وعلاقاتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع لبنان بحاجة الى كثير من الدقة والانتباه، لكن أعتقد أنّ القوات الفلسطينية في لبنان إذا اطمأنت على وضعها في لبنان ووجدت أنه يختلف عنه في بقية البلاد وأنها قوة محمية وصديقة في لبنان عندها لا تؤثر سلباً على الصيغة اللبنانية والوضع اللبناني، بل على العكس فهي تنفع الصيغة اللبنانية والوضع اللبناني..
إذاً: القوة العسكرية الفلسطينية في لبنان إذا اطمأنت على نفسها فسينعكس ذلك سلامة للصيغة اللبنانية، نعم: لا بد من وضوح العلاقات بينهم وبين السلطات اللبنانية من جهة، وبينهم وبين الشعب اللبناني من جهة أخرى، وأعتقد أن المبادئ (سيادة لبنان، قانون لبنان، نظام لبنان)، وكذلك صيانة المقاومة الفلسطينية واستفادتها من إمكانات لبنان الأرضية والدفاعية.. كل هذه المبادئ ليست موضع إشكال، لكن هناك ظروف أدت الى ضعف الثقة لا بد من معالجتها، وأعتقد أننا في المستقبل القريب وخاصةً بعد التجارب المرة التي مرت على لبنان سنصل الى هذا الاتفاق الواضح، وسيكون للقاء اللبناني الفلسطيني أثره الطيب في مستقبل المنطقة ومستقبل الحضارة..
سؤال: بالنسبة لجنوب لبنان والمسألة الفلسطينية.. والمأساة الفلسطينية.. أمر لا يرقى إليه الشك أنّ الخطر كامن على الحدود، وفي الداخل كذلك، فكيف تنظرون الى الدفاع عن الجنوب، وكيف تربطون ذلك بالسلاح المتراكم بين اليد الأهلية، وقد قلتم في غير مرة رأيكم سياسياً وعسكرياً، ونطلب أن تعرضوا مفهومكم للعنف واللا سلم والحرب والسلم (أدبياً ومناقبياً)..
جواب: طبعاً أنا أحترم عمق هذا السؤال وشموليته، وهذه الإذاعة نستمع اليها في لبنان بشغف، واللبنانيون يستمعون اليها باحترام وشوق كبيرين.. السؤال طبعاً متشعب وواسع وشامل.. بكلمة: إهمال الجنوب وعدم الدفاع عنه هو أحد أسباب المشكلة اللبنانية، وذلك بقطع النظر عن وضع المقاومة الفلسطينية في لبنان، لأنّ هذه الاعتداءات جعلت الجنوبي يشعر (الغني والفقير) لا يتمكن من الاستثمار بأرضه وبيته وعمله.. وبالتالي يحس إحساساً مراً، ثم يشاهد إهمال الدفاع عن المنطقة، وعندما ينـزح الى بيروت يجد أرضية مشاكل..
أعتقد أنّ الدفاع عن الجنوب ضروري، والدفاع عن الجنوب ليس عماً عسكرياً فحسب، فنحن نعرف قوة إسرائيل العسكرية، ولكن إذا ندافع عن الجنوب مع الدفاع الإعلامي والدبلوماسي..
إسرائيل تدخل 14 أو 18 كلم، مثلاً: يأتي الكوماندوس الإسرائيلي الى عمق 14 كلم، ويدخل قرية مجدل زون، فينسف بيوت ويخطف أناس، وهذا الوضع لا يطاق.. وعندما نُبرز للعالم (كل العالم) أنّ إسرائيل هي المعتدية على لبنان وأراضيه (حتى في المناطق التي لا يوجد فيها مقاومة فلسطينية) عند ذلك نجد مبرراً أمام أصدقائنا والعالم المحب للسلام، وأمام العالم الذي لا يرضى أن يحصل أي حرب في الشرق الأوسط، وعندها من السهل في وضع كهذا أن ندافع ونتصدى للاعتداءات الإسرائيلية.. للكوماندوس الإسرائيلي (..)، عند ذلك سترتفع بدون شك معنويات الناس، وبإمكاننا عندها أن ننادي ونناشد الشباب الذين يحملون السلاح بدون سبب، فيتركون بيروت
وينتقلون الى الجنوب ليقفوا وراء الجيش ويحموا ظهر الجيش ويتصدوا للتسلل الإسرائيلي الى مختلف المناطق..
إنني أعتقد أنّ الدفاع عن الجنوب وانتقال المسلحين الى الجنوب سيكون حلاً لمشكلة الجنوب وللمشكلة اللبنانية، وبكلمة: من الناحية المعنوية لا يمكن للمواطن أن يعتز بحكمه وأن يطيع إلا إذا كان للحكم عدالة وقضية مقدسة، فعندما يفقد الحكم العدالة والرسالة يصبح تافهاً.. اليوم عندما يشعر المواطن أنّ الحكم يتصدى يشعر بقداسة ورسالة في حكم يتصدى للعدو، والمشكلة تخفّ الى حد كبير..
سؤال: ينقلنا هذا كله يا سماحة السيد للسؤال عن لبنان في الإطار العربي الأكبر، عن الحوار فيه بين المسيحية والإسلام، عن حوار المسلم والمسيحي، عن دور لبنان في الحوار العربي والأوروبي انطلاقاً من الميزات اللبنانية..
جواب: بالحقيقة، هذه المزايا وهذه الرسالة كان لبنان يمارسها بعفوية منذ الاستقلال وقبله، وإذا لاحظنا نشاط لبنان حتى قبل 1948 من قبَل شخصيات لبنانية كبيرة ونشاط لبنان قبل ذلك في مختلف المناطق بالمهجر (الخليج وأوروبا) ومن قبَل الجاليات اللبنانية في أفريقيا وأمريكا.. نجد أنّ لبنان كان دائماً يمارس هذا الدور: دور الحوار المسيحي-الإسلامي في الداخل، حتى كان هذا الحوار قبل أن يبدأ المجمع المسكوني الفاتيكاني، فقد قام لبنان من خلال الندوة اللبنانية بمثل هذا الحوار، أيضاً دور لبنان العربي يشاهَد بوضوح من قبَل الجاليات اللبنانية في أمريكا وفي مختلف المناطق، كما يشاهَد مؤخراً، حيث حمل رئيس لبنان رسالة العرب ورسالة فلسطين الى الأمم المتحدة، والعلاقات اللبنانية كانت علاقات خائرة أو خاضعة على صعيد الحوار العربي-الأوروبي أو الإسلامي-المسيحي، ولكن بعد التطورات التي حصلت في الشرق الأوسط وبعد أن أخذت كل دولة دوراً ومسؤولية لم يعد يمكن تنفيذ هذه المسؤوليات بشكل عفوي، وصار من الضروري وجود أنظمة وتخطيط على مستوى أوسع للقيام بمثل هذا الدور الرسالي الكبير..
أملنا كلبنانيين وسعينا داخل لبنان ومن خلال جميع النشاطات (ومن جملة هذه النشاطات "حركة المحرومين" مع ما لها من علاقات واسعة مع مختلف الفئات ومع المثقفين بشكل خاص)، أملنا من خلال ذلك أن نتمكن من إعادة هذا الدور الى لبنان حتى يكون للبنان تلك النكهة الدولية في حضارة الأديان وتعايش الإنسان مع أخيه الإنسان، وبالسعي المثمر المجرَّب العملي في الحوار الأوروبي-العربي، وبالتخطيط في هذا المجال سننجح في هذا الحقل..
سؤال: وعمّا قلتموه أخيراً سماحة الإمام عن بقاء السلطة الأولى بين أيدي الموارنة؟
جواب: عندما نبحث حول ميزة لبنان الحضارية، لبنان كبلد عربي: لو بقيت الرئاسة (كما ذكرنا منذ مدة) للمسيحيين، وللموارنة خاصةً، بطبيعة الحال هذه الطائفة مليئة بالكفاءات، وإذا بقيت الرئاسة لها يبقى الوجه اللبناني مسيحياً أمام أوروبا والدول المسيحية مع الاحتفاظ بالتطوير وعدم رقود المؤسسات الأخرى وتجميدها، بدون شك هذا يسهّل مهمة لبنان الحضارية على صعيد الحوار العربي–الأوروبي أو الإسلامي-المسيحي..
وعندما ذهب رئيس الوزراء الأول رياض الصلح الى الأمم المتحدة قدّ مبدلاً عن نفسه (كرئيس للوفد) السيد فؤاد حمود (أو عمود) حتى يتكلم كلمة لبنان في الأمم المتحدة (..)، وهو مسيحي، وطبعاً هذا (اختياره) له تأثير لا يُنكر على صعيد الرأي العام، إذاً: إذا نحن تمكنّا من الحفاظ على هذا الطابع مع تمكين لبنان من التطور وإخراجه من الرقود المالي بدون شك سيتمكن من تقديم الدور الأكبر..
سؤال أخير: لبنان أقل ما يقال أنه في محنة، فهل كان الوقت مناسباً لدفن لبنان الجريح؟ وماذا تعملون له في الخارج، أي: ما هي القوى والمقامات التي تحاولون التفاعل معها؟..
جواب: أعتقد أن سيادتك أجبت على سؤالك، أنا في الحقيقة رغم أنني خرجت من لبنان فلم أترك لبنان، فقد كنت في الجزائر، وعندما التقيت بالرئيس الجزائري "هواري بو مدين"، وأيضاً في فرنسا من خلال لقاءاتي مع المسؤولين على مختلف المستويات، كذلك في بقية بلاد أوروبا وبعض دول أفريقيا، وربما بعض الدول العربية التي سأزورها.. الحديث حتماً عن لبنان هو ما يجعلني أجتمع بهؤلاء لأن الإنسان يلتقي مع الآخرين بكرامة عندما ينطلق من وطنه، فعندما يكون الوطن في خطر أو معرض للأخطار فلا مجال للحديث عن شيء آخر..
حاولت أن أجند كافة طاقات العالم الصديقة للبنان (وما أكثرها)، وأنا تحدثت مع أصدقاء لبنان في فرنسا وأوروبا وأفريقيا وجميع الدول العربية بلهجة العتاب: هل تنتظرون أنه مرة أخرى لبنان يتعثر فترسلون سفرائكم أو وفودكم أو رسائلكم أو تطلقون تصريحاتكم لمعالجة الوضع..
الآن وأمام هذه الفرصة التي تمر على لبنان (ربما لا تطول أكثر من بضعة أشهر) عليكم جميعاً أن تجنّدوا طاقاتكم إذا كنتم تريدون لبنان.. إذا كنتم تعتقدون أنّ لبنان دولة حضارية.. إذا كنتم تعتقدون أنّ هذه المنطقة من الأرض لها مهمة ورسالة في الشرق الأوسط، فعليكم أن تجنّدوا مختلف الطاقات..
من خلال هذا المنطلق أتحدث مع كافة المسؤولين، وبالفعل شاهدت التجاوب الكلي..، وأنا على اتصال مستمر مع لبنان وأرجو أن نتمكن من أن نؤدي رسالتنا الوطنية وواجبنا الإنساني الشريف تجاه هذا الوطن العزيز..
وشكراً، وغفر الله لي ولكم