هناك اسئلة مصيرية تخطر على بال كل انسان من الذي اوجدني ووهبني ما انا
فيه من النعم؟ ومن الذي ذرأنا فى الأرض؟ ثم ماذا بعد الدنيا، والى اين
تسير بنا الاقدار؟....
هذه الاسئلة وامثالها تؤكد ان معرفة الخالق
مسئلة فطرية ملحة عند كل انسان، وهى ان لم يجب عليها الاجابة السليمة،
فسوف يظل الانسان حائراً الا انها اسئلة مصيرية ترسم اجابة كل واحد عليها
شخصيته (فكره وسلوكه وعلاقاته)، كما تحدد مستقبله؛ وحيث ان القران الحكيم
متنزل من رب الانسان الذي خلقه ويعلم ما توسوس به نفسه وما يختلج في صدره
فانها آياته جاءت واقعية وشفاءً لما في صدره وعلاجاً لكل قضاياه ومسائله.
وان هذه الآيات تعبر بحق عما في ضمير الانسان وحاشا لله وهو الرحمن اللطيف
بعباده ان يدعهم في حيرة من هذه الاسئلة الخطيرة وهكذا قال ربنا سبحانه:
«قل هو الذي انشأكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلاً ما تشكرون /
قل هو الذي ذرأكم في الارض واليه تحشرون».
وثمة سؤال آخر: هل خلق الانسان في الارض ليعود اليها بعد الموت دون هدف ومسؤولية؟
كلا
انما هى مرحلة في دورته الحياتية التي لا تنتهى. فقبل ان يذرأ فى الارض
كان فى عالم الذر وبعد هذه الدنيا تبدأ رحلة الي عالم البرزخ ثم عالم
الحشر والجزاء حيث يلاقى مصيره الابدى. وما دامت بداية الانسان من الله
ونهايته اليه ومصيره بيده. ما اعظم ذكر الآخرة والحشر في قلوب الصالحين.
حسب ما يقول الامام علي(ع): (ولو لا الاجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر
ارواحهم في ابدانهم طرف عين ابداً). (نهج البلاغة، خطبة 193). ولكنك ترى
الضالين الذين حجبهم الكفر والشرك عن رؤية هذه الحقيقة يستهزؤون بها
فيضيعون فرصتهم الوحيدة في بحوث هامشية تافهة، فيتسائلون - مثلاً - عن
موعد الساعة، كما يحكي القرآن عنهم «ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم
صادقين»؟
واسئلة تافهة كقولهم: كيف يحيى الله الموتى؟ وانك حين تدرس
خلفيات هذه الاسئلة واهدافها فى نفوس اصحابها، تجد انهم لا يريدون بها
معرفة الحقيقة، انما مجرد الجدل والعناد. او ليسوا يبحثون عن تبرير للتلمص
من مسؤولية الالتزام بالحق واتباع القيادة الرسالية في الحياة والهرب من
وخز الضمير ونداء الفطرة؟ اذن لابد ان يكفروا بالاخرة ان الايمان بها قمة
الشعور بالمسؤولية. فهل يبقي منكر حقيقة الموت خالداً الى الابد؟ هل ان
عدم علم الانسان بلحظة الموته - مثلاً - ينفى حقيقة الموت؟ كلا....
قال
الله على لسان رسول الله(ص): «قل انما العلم عندالله وانما انا نذير مبين»
هنا نتسائل ماذا تأتى هذه الاجابة كلما تحدي الكفار رسول الله(ص) عن موعد
الساعة او ليس الافضل ان يطلعه الله عليها فيجيبهم وينتصر على خصمائه؟
والجواب: هناك اسباب تكشف عن جانب من الحكمة الالهية، تبرر عدم الاجابة على سؤالهم تبريراً موضوعياً:
اولاً:
لان من عظمة الساعة (ساعة الموت والقيامة) واثرها في الانسان يكمن في انها
مستورة، مما يدعوه لاجتناب الباطل واتباع الحق في كل لحظة من حياته، خشية
ان تحل به الساعة فيها يلقي ربه معصية والا لكان الناس يسترسلون في الباطل
ويزعمون انهم سوف يتوبون قبل موتهم بساعة!!
قد اشار الامام جعفر
الصادق(ع) الى ذلك بقوله:(ثم (لو) عرف ذلك وثق بالبقاء وانهمك في اللذات
والمعاصى وعمل على انه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره وهذا مذهب
لا يرضاه الله من عباده ولا يقبله) [بحار الانوار ج6 ص 38].
ثانياً:
ان الكافر الذي اركس في الغرور والعتو والنفور عن الحق، لا يغير فيه إخبار
احد له بموعد الساعة بل لا يصدق احداَ لو اخبره لان مشكلته انه لا يؤمن
بالاساس بالساعة. فهب ان رسول الله(ص) يخبر احدهم بانك ستموت بعد خمسين
يوما او ان الساعة تقع بعد الف عام، فهل يصبح من المؤمنين؟ كلا....
ثالثاَ:
ان رسول الله وكل داعية الى الحق ليس مسؤولا ان يجارى الناس وبالذات
الملحدين منهم فى كل شيء ويجيب علي كل اسئلتهم لان اسئلتهم لا تنتهى ولة
انه اجاب على اسئلتهم فسوف يضيع الكثير من وقته وجهده فى امور لا طائل
منها ولا فائدة دون ان يصل الى ما يريد والخصوص من بين الناس من هو بارع
فى صناعة السؤال والذي لا يهدف من ورائه الا الجدل. ان التواضع للحق مسألة
مهمة فى الدعوة، فاذا سئل عما لا يعلم يجب ان يقول لا اعلم. فليس العيب ان
يعترف الانسان بالجهل، انما العيب الكبير ان يقول ما لا يعلم. فهذا سيد
البشر على عظمته يجيب عندما سئل عن الساعة التي لا يعلم ميعادها: «انما
العلم عند الله». ولا يكتفي القران بهذه الاجابة، بل يضع الكافرين امام
اثاره المريعة عندما يحين اجله فتساء وجوههم ويعلمون الى حد اليقين حقا
بالاخرة وصدق رسول الله ويشهدون وقوعه الرهيب، يوم لا ينفع نفس ايمانها لم
تكن امنت من قبل. «فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي
كنتم به تدعون».