كلمة للسيد موسى الصدر حول المذاهب الإسلامية وحول انتظار المهدي (عج)..
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد رفض السيد الرضي، والرضي والمرتضى أخوان من كبار علماء الشيعة في أواسط القرن الرابع اعتماد ركن خاص بالمذهب في الكعبة وفي المسجد الحرام عندما تقرر تحديد أماكن خاصة للمذاهب الأربعة الأخرى هناك، رفض السيد ذلك رغم مكانته وقربه من الحاكم، الحاكم كان يريد أن يصنّف المذاهب، الآن نحن لا نشاهد ذلك، ولكن سابقاً كان يوجد محراب يسمى محراب المالكي.. المحراب الحنفي.. المحراب الشافعي.. والمحراب الحنبلي..، وإمام المذهب يصلي، طلب من الرضي أن يقام محراب بإسم المحراب الجعفري فرفض، الآن كثير من خطباء الشيعة يقولون أنه لم يكن هناك أموال، وأنّ السيد الرضي دفع النصف وطلب من أغنياء الشيعة أن يدفعوا النصف فلم يعطوه وخذلوه، ولو كانوا أعطوه لأصبح المذهب الشيعي مذهباً رسمياً.. غير وارد: الرضي ليس في المكان الذي كان فيه الآخرون بتكريس المذهبية والفعلية.. إسلام واحد، ونحن وجهتنا الإسلام ورؤيتنا الإسلام، وكتب الحديث المعتمدة عند الشيعة مليئة بالنقل عن صحابة النبي وعن كبار رواة المذاهب الأخرى ومشروطة بالوثوق والدقة في النقل، هذا هو الخط الأساسي عند الشيعة خلال التاريخ الطويل ورغم ما عانوه من مصاعب ولم يعانه غيرهم في العالم ،إذن مهما عُمل معنا كشيعة نحن في خدمة المسلمين جميعاً، لسنا فئويين، نحن طليعة المسلمين، نموت لأجل الجميع، وليس لأجلنا نحن، هذا السلوك التاريخي الشيعي، هكذا أنا أفهم التشيّع، أما مذهب لحال وفئة لحال لها مصالح ومطالب وتنظيمات لوحدها فلا يعقل هذا، التاريخ هو المهم لنا..
من الطبيعي أنّ هناك آراء ومواقف تختلف عن هذا الخط العام سيما بعد القرن العاشر الهجري (عصر الانحطاط..
يقال عن الشيعة أنهم يسبّون أصحاب الرسول، نقول لهم: ليس السبّ جزء من مذهبنا، حتى أنه مرفوض، الإمام علي (ع) سمع جماعة من جيشه يسبّون معاوية، قال: لا أحبكم قوماً سبّابين، السبّ مرفوض، المذهب الشيعي يرفض سبّ الأصحاب والخلفاء ولعنهم، ولكن ما حصل أنّ معاوية فرض على جميع خطباء الجمعة في العالم أن يلعنوا علي بن أبي طالب (ع) على المنابر يوم الجمعة.. والصيغة معروفة.. كانوا يقولون: "اللهم إنّ أبا تراب قد ألحد في دينك فالعنه لعناً وبيلاً ".. عمر ابن عبد العزيز أزاح هذه الفكرة ووضع أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، حتى الآن موجودة..
حسناً: لماذا الضغوط على الشيعة؟ السبب الأساسي لهذه الضغوط أنّ الشيعة كانوا أقلية خطرة لأنها أقلية عقائدية تعتمد فكان الشيعة يعتبرون التعاون مع الحاكم الظالم ظلم وظلمة، هذا كان يشكّل خطراً، ولذلك قتلوهم.. سبوهم.. نفوهم، وسجنوهم ، أفقروهم وشوّهوا تاريخهم، حتى الآن بالقرن العشرين يقال أن الشيعة يسبّون الخلفاء ويألهون أهل البيت، طبعاً تشويه عقائدي في التاريخ، نريد أن نوضح هذا الأساس، إذن: التشيّع رؤية إسلامية صافية وسلوك إسلامي صافي يجعلان من الشيعي طليعة الأمة، إذا كان المطلوب أن نسمّي التشيّع مذهباً فالمطلوب أيضاً أن نعطي كلمة المذهب حقّها الحقيقي، ماذا يعني مذهب؟ يعني: تاريخ، مذهب، مفعل مذهب، يذهب، مذهب: مكان الذهاب، والتشيع له تاريخ، والدين هو الإسلام، وعند ذلك تقدر أن تكتب له المواصفات العامة في النقاط التالية:
مواصفات التشيع:
أولاً/ الولاية: الرسول له دور الرسالة (إبلاغ أحكام الله)، ودور الولاية تنفيذ أحكام الله، وهذا الدور قُدّم لعلي (ع)، وعلي كان يسعى لإقامة حكم صالح، ويذكر من علامات الإمام (ع): "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه" .
الثاني: النزاهة التامة بالقائد، الإمام عند الشيعة مخزن الشريعة المعصوم، والقاضي والمجتهد وإمام الجماعة والبلد والشاهد يجب أن يكونوا عدولاً، والحاكم يجب أن يكون بدرجة عالية من العدالة، والناس جميعاً مدعوين جميعاً لبلوغ التقوى..
الثالث: مسؤولية القائد لا حدود لها، إنها تبدأ بدعوة الناس بدقة متناهية، إذا كان في مركز السلطة يجب عليه أن يعيش في مستوى أقل أفراد شعبه، كما يقول علي: "أأبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع"، وقد سبق ما يؤكد هذا الأمر، المسؤولية تبدأ بالرعية لتبلغ درجة التضحية والاستشهاد، والقائد هنا يقول: من أمسى وأصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، فالإنسان مسؤول بمقدار وعيه وحسب إمكاناته.. كلكم راعٍ وكلكم مسؤول، إنما مسؤولية الواعي من الشعب وحسب المصطلح: مسؤولية المثقفين، مسؤولية الكوادر.. تصحيح الأوضاع.
الرابع: مصادر اكتشاف الإسلام وأحكام القرآن وسنّة النبي، وهي قوله وسلوكه وإقرار الإجماع والعقل..
هذه المبادئ الأربعة مشتركة في أساسها بين المسلمين عامة، هذا واجب.. هذا صحيح.. هذا باطل.. والقرآن والسنّة والإجماع والعقل متفق عليه بين كل المسلمين، والشيعة يأخذون من الأئمة (ع)، وإنّ وجود الأئمة في الأجيال المتعاقبة الإثني عشر جيلاً ساهم مساهمة كبيرة في إغناء المصادر وتحليل التجارب في الفترات التثقيفية والعقائدية الصعبة الدقيقة كما ذكرنا، المجتمع الإسلامي بدأ يوزع الحضارات العالمية والثقافات العالمية: من اليونان، من الإسكندرية، من العراق، من إيران، دخلوا المجتمع الإسلامي وحصل التداخل، وكان لا بد من قيادة ثقافية، ونتج عن هذا الأمر أن بقيت أبواب الاجتهاد مفتوحة أمام الشيعة، وعندما التقى المجتمع الإسلامي بالمجتمعات الأخرى وبعض الثقافات والحضارات العريقة وجد الإنسان المسلم نفسه أمام الأسئلة والمواضيع الجديدة، والشيعة كان عندهم أئمة المصدر، واعتمد باقي المسلمين القياس: حكم شبيه وحكم غير شبيه، ومع ذلك بقيت الحاجة لاكتشاف الحكم تفرض على المجتهدين ما يشبه التشريع: الحكم صار مثل التشريع، يعني: العالم الديني مثل مجلس النواب، يحق له أن يشّرع ما كان فيه اكتشاف حكم إسلامي، فبرز الانقسام الشديد المتباين بالأفكار، فاتفق القادة على سد هذا الباب فترة طويلة وامتد باب الاجتهاد عند الشيعة. وبالقسم الأخير من الحديث لا بد من التأكيد أنّ الاجتهاد وان كان مختصاً بالفقيه وبالفهم للأحاديث واستنباط الأحكام إلا أنه ألقى ظلالاً واسعة على مختلف الشؤون الإسلامية عند الشيعة وخلق ميزات حضارية معيّنة من جملتها مبدأ الانفتاح على المذاهب والأديان والشيعة، يملكون في تراثهم شواهد كثيرة لذلك..
الخامس: إعتمد الشيعة بإدارة مؤسستهم على الأوقاف قبل وضع يد الدول عليها وعلى الحقوق الشرعية ولم يسمحوا باعتبارها من الضرائب المقدمة للحاكم الإسلامي، ولذلك ترى الشيعي يدفع الضريبة مرتين: سهم السادة وسهم الإمام وسهم الزكاة والضريبة العامة التي يعطيها للحكومة، وساعد ذلك في بقاء التشيع ورفض الحاكم الظالم ولو كان شيعياً، فنحن إذاً نرفض الحكام الظلمة ليس لأنهم غير شيعة، ونقبل الحاكم إذا لم يكن شيعياً وكان حكمه يطبّق المبادئ العالية.
سادساً: لا بد من إضافة مبدأ الانتظار للمهدي (عج)، فانتظار المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر من معالم هذا المذهب، وهذا المبدأ عكَس على الناس أساس التهيؤ والأمل الدائم والاستعداد، مما حافظ على التشيع في عصور الاضطهاد..
الطائفة الشيعية هذا مذهبها: انفتاح وغير فئوي..
بالنسبة للإنسان.. أي إنسان.. كان هناك آراء فلسفية مختلفة، الإنسان بماذا يفكر؟ وماذا يحس؟ والى ماذا يهدف؟ هذا السؤال المطروح، هناك فلاسفة تحدثوا فقالوا أنّ الإنسان مجبول على الشر: مجرم مجبول على الشرور يريد الشر..
أناس قالوا أنّ الإنسان ابن بيئته، لوحة فارغة، ما نُقش في هذه اللوحة يتبين، وهذا يعكس النظرة الاجتماعية الشيوعية بأننا وجدنا السبب وألغينا ملكية وسائل الإنتاج وسنتمكن من تكوين مجتمع بطبقة واحدة، وبالتالي بإمكاننا أن نضع إنساناً جديداً على ضوء المجتمع الجديد، في منطقهم الإنسان لوحة نقدر أن نرسم وننقش فيها كما نشاء..
نحن بناءً على المنطق القرآني نعتقد أنّ الإنسان ليس مجبولاً على الشر ولا هو لوحة مجردة تخضع لمجتمعه، وإن كنا لا ننكر تأثير المجتمع على الإنسان، ولكن لا يمكن أن نقبل أنّ الإنسان محايد، أنّ الإنسان لا يشارك في المصطلح المنطقي، ولكن الإنسان مجبول على الخير في رأينا، أذكّركم بالآيات القرآنية والروايات، الآية تقول: وأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).. يؤكد القرآن أنّ فطرة الإنسان.. خلق الإنسان، طريقة صياغة الذات الإنسانية طريقة حسنة، طريقة فيها الدين الحقيقي، لذلك نحن نقول أنّ الإنسان يجنح نحو الخير، نحو العدل والحق، نحو الصلاح، نحو التقوى، وفي رواية: كل مولود يولد على الفطرة إلا أنّ أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)، إذاً في رأينا أنّ الإنسان خير بحسب الذات والدليل على ذلك أننا إذا درسنا تاريخ جميع الأمم والمجتمعات، الحاضرة والزائلة، المتحضرة والبدائية، جميع المجتمعات باتجاه واحد: تقدّس أشياء، وتكرّم أشياء، وترفض أشياء، وهناك أمور مشتركة بين جميع البشر منذ أن كانوا وحتى الآن.
عندما تحصل حادثة في العالم: يتهجم بلد على بلد، يحارب مستعمر شعب، تحارب دولة مع أبنائها، أي حادثة في العالم سرعان ما نجد أنّ البشر (كل البشر) يُصنّفون أمام الحادث، مما يؤكد أنّ الحادثة تمس شيئاً يخصّهم، الرأي العام العالمي الذي تكلّم أمام ثورة الجزائر، أمام ثورة فيتنام، لماذا تتحقق المواقف العالمية؟ لسبب واضح: أنّ البشر، كل البشر ضد الظلم، أي بشري، متحضر أو بدائي، عالم أو جاهل، مثقف أو أمّي، لا فرق، الإنسان يكره الظلم أينما حصل، ممكن عندما يخصه هو ومنافعه يميل إلى الظلم، أساساً سبب تكوين الرأي العام العالمي وجود الضمير عند البشر، حتى بإمكاننا أن نقول أنّ سبب نجاح الأنبياء في العالم وجود الضمير عند البشر، لأن النبي وحده يدعو الى مجتمع يختلف عن المجتمع الحاضر، فيصطدم مع مطامع المستفيدين، ومع ذلك ينتصر، لأن للنبيّ في نفس كل فرد قوة تسنده وتدعمه، هذا الرأي. نحن بمحاضراتنا حول تاريخ الأديان كنا نقول أنّ الدين فطرة وليس غريزة نابعة عن الخوف والجهل أو القلق أو المصالح المادية (كما يقول الباحثون)، كل إنسان عنده هذا الضمير، يعني: هناك نقاط أساسية يحتفظ بها الفرد في حياته، من جملة هذه النقاط رغبة الإنسان نحو الكمال، يعني: الإنسان يميل الى الكمال، الى تحسين وضعه، في هذا الاتجاه: في جنوحه نحو الكمال إذا عرقل سيره شيء يصطدم معه، هذه الحركة تعني الانتقال من مكان الى مكان ومن حالة الى حالة.. ولأن الضمير والفطرة يدعوان الى الله والرسالة دعت الى ذلك رغبة الإنسان في الكمال، وهي تشكّل خطاً لا نهائياً..
الإنسان كما ذكرنا في تفسير لا إله الا الله مثله معبوده، فإذا آمن الإنسان بالله فغاية طموحه أن يتخلق بأخلاق الله، أن أكون مثله بالصفات، طبعاً ليس بالذات اللانهائية، إذاً الإنسان بطبيعة ذاته راغب بالكمال، والكمال أن يكون الإنسان نسخة طبق الأصل عن مثاله، ومثاله الله اللا متناهي، إذاً أمام كل إنسان في الحياة خط للسير بدايته معروفة ونهايته غير معروفة (لا متناهية)، هذه هي الحركة، ولأنّ هذه الحركة تصطدم مع الآخرين، مع فشل الآخرين، مع منافع الآخرين، فإنها تصطدم، فيتكون النظام الصراع، وبتعبير قرآني "فألهمها فجورها وتقواها"، و"هديناه النجدين"..
الإنسان الذي يريد أن يتخرج يهتدي الى مثالين، نجدين، فجورها وتقواها، فيبدأ الصراع الذي تزرعه التربية الإسلامية في النفس، وتحديداً من الشيطان والهوى والنفس الأمّارة بالسوء، ثم على صعيد الممارسة (الحلال والحرام)، إذن: أولاً ضمير الإنسان يدعوه الى التحرك نحو الكمال، والكمال يتحدد حسب الضمير والعقيدة الإلهية والطموح اللا متناهي، وفي هذا السير الإنسان يصطدم مع الآخرين، فيبدأ الصراع، الشيطان الذي يدعوه الى الفساد، والشيطان يعده بالفقر، يأمر بالفحشاء.. مجموعة هذه الأفكار توضع أمام الإنسان، فيبدأ بالصراع من البداية، والصراع يتجسد في كل كلمة يتحدث بها، وفي كل لقمة تؤكل، وفي كل خطوة يخطوها، وفي كل موقف يتخذه أمام الحياة.. كل هذا نتيجة الصراع.. نتيجة اختياره بعد جدل عريض طويل بين الخير والشر.. بين الحلال والحرام.. الله والشيطان.. فجورها وتقواها.. بعد هذه الصراعات يختار ويخطو الخطوة الأولى، إذن: الحركة الفطرية ضميرية، والكمال لا متناهي، والغاية التخلق بأخلاق الله، والوصول للكمال المطلق، وطريق الوصول إليه صراع يؤدي الى الكمال، وبالتالي الى الاستعداد للوقوف بخطوة ثابتة.. لهذا السبب نحن نعتقد أنّ الإنسان ليس شريراً ولا لوحة صافية تعكس ما يُرسم في الإنسان، بل له ذاتيته، له إمكاناته، هذا الإنسان هو رأس مالنا، لذلك نحن ننظر الى الأنبياء، ولأننا من مذهبهم ومن مدرستهم نقف مع كل فرد، لأنه مع كل فرد نجد حركة نحو الكمال، لذلك نحن نعتبر أنّ الحركة كانت منذ أن كان الإنسان، لأنّ كل إنسان يريد الكمال يصطدم في سبيل الكمال ويشعر بالحرمان..
ننتقل للحديث عن مولد صاحب العصر والزمان، هذه الظاهرة التي يحفظها الشيعة عبر التاريخ، وهي ليست فكرة دينية بحتة، بل فكرة إسلامية وفكرة كل المؤمنين، بل فكرة كل إنسان، الإمام صاحب العصر الزمان في عقيدتنا التي نحن نؤمن بها هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمة الإسلام، وأنه ولد ونما واستلم الأمانة بعد وفاة والده (ع) وصلى على جنازة والده، ثم غاب غيبتين: الغيبة الصغرى والتي دامت 74 سنة، والغيبة الكبرى..
في الصغرى كان يتصل بالناس عبر شخص يسمى بالنائب، والنواب أربعة معروفين بالتاريخ لم يكونوا أعلم الناس ولكن أعالم الناس، كان الناس يخضعون لهم، مثلاً الكاظمي كبير علماء الشيعة كان متصلاً بالإمام بأيام الغيبة الصغرى، وكان الإمام يواصل أعماله، ثم جاءت رسالة ثانية بالغيبة الكبرى، فغاب الامام الى أن يأمر الله سبحانه بظهوره (عج)..
هناك نقاط مهمة أحب أن أمرّ عليها أولاً: هل يعقل أن يولد وينمو ويعيش سنة ويغيب أكثر من 1100 سنة ثم يظهر؟ مع العلم أن البشري العادي في هذا العالم لا يعيش اكثر من 100 سنة.. السؤال الثاني: ما هو عمر الإمام الغائب، وأي دور لعب الإمام الغائب في تاريخنا؟، الثالث: ما هو أساس فكرة الإمام الغائب؟ هل هو بعد العالم الإيديولوجي؟ النقطة الرابعة: كل الأديان والمجتهدين والمؤمنين ينتظرون شيئاً، هذا واضح في كل الكتب: في التوراة والإنجيل والقرآن في عدة آيات (وكتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) وأيضاً: (وعد الله الذين آمنوا والذين عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ويبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً) وآية أخرى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، والآية: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب).. هذه تؤكد مستقبل مشرق، مخلّص انتظره اليهود والنصارى والمسلمون..
وفي روايات المسلمين جميعاً سنّة وشيعة مئات بل ألوف من الروايات تؤكد أنه سيأتي إنسان، ما تفصيله؟ دون تفاصيل.. وفي التاريخ الإسلامي عشرات من الناس ادعوا المهدوية، مثلاً محمد ابن عبد طالب ادعى انه المهدي، منصور الدوانيقي كان يدّعي في البداية أنه المهدي، كثيرون ادّعوا انهم المهدي (كالشخص الذي برز في بلد السودان).. يعني: هناك شيء ثابت في التاريخ الإسلامي انه يوجد انتظار وفرج وخلاص.. هذا التراث ديني إسلامي، شيعي، والتاريخ يكشف أنّ هذا التراث قديم..
كل إنسان في فهمه يتحرك نحو الأفضل، مثلاً: اليوم العالم يفتش عن علاج للسرطان، كم يوجد نفقات؟ مئات الملايين والمليارات، علماء وأبحاث ومناقشات، يبحثون في اكتشاف علاج للسرطان، ألا يدل هذا ضمناً انّ هناك قناعة عند كل الناس بأنه يوجد علاج لهذا المرض؟ وإلا لو كانوا يعرفون بأنه لا يوجد علاج لهذا المرض لم يكونوا يفتشوا عنه..
كل فرد وعالِم وخبير يتعرض لاتجاهه، جميعهم يتحركون نحو غدٍ أفضل، الغد الأفضل في ضميرنا هو المهدي، هو المبشّر والمؤسّس والداعي الى ذلك النظام الاجتماعي الأفضل الذي يعمّم العدالة ويوفّر الفرص لكل الكفاءات ويوجه الإنسان نحو التقدّم والعلم والصناعة وكل شيء، السعادة البشرية المنشودة التي تحتاج الى نظام اجتماعي المهدي هو المبشر لذلك النظام، وكما يبدو في الروايات أنّ المهدي سيؤسس مجتمع يعيش الإنسان فيه بكل سعادة وراحة وعدالة، وفي الروايات والأحاديث أنّ الذئب والغنم يشربان من مكان واحد، طبعا كتعبير عن العدالة العامة وعن الاعتزاز، أي: يوجد صدق. لو الإنسان يأخذ من المال حاجته ويعطي للمجتمع حاجته فهذا هو النظام الأمثل، إذن: نحن نقول أنّ المهدي هو المبشّر، في ذلك الوقت (في جنة الدنيا): أفضل ما يكون عليه الإنسان على هذه الأرض في ظل هذا النظام المهدي..
وبتاريخنا كشيعة لعب المهدي عدة أدوار بارزة، أولاً: الانتظار بمعنى الأمل، الشيعة عاشوا فترة اضطهاد قاسية، واسألوا أجدادكم، حتى إقامة مجالس العزاء كانت في السر، وكانوا يتوقعون الاعتداء والمراقبة الضغوط الهائلة التي كان يتعرض لها جماعتنا وطائفتنا لولا الأمل والانفراج الإنسان عند اليأس يسقط ويستسلم، وكثير من الناس استسلموا..
غيبة المهدي تنتهي بيوم نجاة وخلاص ولو لم يبق للعالم إلا يوم واحد، إذن: فكرة المهدي خلقت عندنا أملاً فلم نسقط..
المسألة الثانية: الانتظار لا يعني اليأس، الانتظار يعني التهيؤ والاستعداد، إذا قلت لك أنا أنتظرك الساعة 8 حتى نسافر، وأنت جئت ورأيتني موجود في الفراش: أريد أن أستحم وأن ألبس وأن أتهيأ وأريد أن أجري بعض الاتصالات.. لست بانتظارك، كنت نائماً في انتظارك وقمت ، يجب أن أكون متهيأ الى أن تأتي، هذا هو الانتظار التهيؤ الذي كان يعيشه أبناؤنا في التاريخ، معناه: الانتظار، وأنا أتذكر وذكرته لكم أكثر من مرة أنّ أباءنا كانوا مهيئين..
أنا أتذكر: كنت طفلاً في بلد ما بعيد من هنا، في خراسان، كنت في المستودع، ورأيت سيفاً طويلاً، وسألت: ما هذا؟، قالوا والدي هو الذي جهّزه، وإذا نودي يلبّي، والذي يريد أن يكون مهيئاً يكون مدرباً مستعداً.. إذن: الانتظار يتطلب الاستعداد والتهيؤ والتدريب النفسي والجسمي والفكري والعسكري..