كلمة سماحة الإمام موسى الصدر التمهيدية لمحاضرته
في المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية
المنعقد في القاهرة (أكتوبر / 1977)
يختلف المؤتمر الثامن عن المؤتمر السابع بأمور عديدة، منها أننا فقدنا خلال هذه المدة (أي: منذ 1972 حتى 1977) مجموعة من زملائنا : الشيخ محمد أبو زهرة، الشيخ عبد الله غوشة، الأستاذ صالح بو يصير، والأستاذ مالك بني يني.. نترحم عليهم..
ومنها أنّ المؤتمر السابع كان في أجواء احتلال القناة وسيناء، وكنّا نزور مدينة السويس ولا نجد فيها موجوداً حياً عدا الجنود والضبّاط، وكنّا نلتقي بهم في مسجد الشهداء، وكان كالقلعة الراسخة في وجه العدو محفوفاً بأكياس الرمل.. أما اليوم فإنّ القناة ومدينة السويس وقسماً من الجولان عادت الى طبيعتها..
لم يكن هذا هو النصر الوحيد للعرب والمسلمين، بل كان بداية انتصارات لهم وهزائم للعدو الإسرائيلي: سياسية، دبلوماسية، بترولية، واقتصادية، وكان آخرها ثقافية إيديولوجية، حيث طُردت إسرائيل من منظمة الأونيسكو، واعتبرت الأمم المتحدة الصهيونية نوعاً من العنصرية، وهذه بداية النهاية لإسرائيل حيث أنّ العالم لفظها واعتبرها غريبة عن العائلة البشرية التي ترفض التصنيف العنصري..
ولذلك، فإنّ إسرائيل انتقمت من العرب في لبنان، حيث شنّت عليه حرباً غير مباشرة، وأصابت العرب ولبنان بخسائر بشرية ومادية تفوق جميع ما أصيب به الجانبان في جميع الحروب العربية-الإسرائيلية..
ولا تزال الحرب مستعرة في جنوب لبنان، حيث تريد إسرائيل فرض التعامل (معها) على أبناء الجنوب، وتطمع في مياه الجنوب، وتريد خلق حزام أمني لها في وجه الفلسطينيين، ولكن أبناء الجنوب صامدون يفضّلون التشريد والخسائر والموت على ذلك..
وقد أصابت إسرائيل العرب بخسائر معنوية أهمها خلق فتنة طائفية وإيجاد اهتزاز في الوحدة الوطنية، الأمر الذي يشكّل خطراً على العرب ويؤكد الوجود العنصري لها، ولم تزل إسرائيل بالمرصاد للعرب وللمسلمين وللمسيحيين، حيث أنها تستعمل أنواعاً من الحرب المتنوعة ضدهم جميعاً، وهي الآن تدّعي حماية المسيحيين في الجنوب، وهي الخطر الأكبر عليهم، وهي تحرّض وتفتن وتخلق مشاكل وتيارات حضارية وثقافية، ولذلك فإنّ القيادة الإسلامية تعيش اليوم أخطر مراحل حياتها، وهذه تستدعي اليقظة والحذر والارتفاع بمستوى العصر..