بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
مرور أيام قليلة على واقعة كر بلاء لا ينسينا عظم المصيبة والاعتبار بنتائجها، والحقيقة أن المصاب بعد الوقوع أكثر تأثير من إحساس الإنسان بالمصيبة قبل وقوع المصيبة، ثم نتائج المعركة والتضحية تبدو عادة بعد انتهاء المعركة، في يوم عاشوراء قُتل الأمام الحسين عليه السلام وقُتل من معه من الرجال بل والشباب بل وقسم من الأولاد الصغار وما بقي حسب نقل التواريخ في الخيام وبين أهل الحسين عليه السلام أحد إلاّ شخصان..
الشخص الأول ، أو الرجل الأول علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وهو كان مريضاً، وكان يخيل إلى الناس أنه في دور الاحتضار ولا يطول عمره أبداً، ولهذا تركوه اعتماداً على أنه سوف يموت بدون حاجة إلى القتل.
وشاب ثاني نجا من المعركة بأعجوبة، وهو الحسن المثني أبن الإمام الحسن عليه السلام الذي كان جريحاً ، غاية الأمر وكان بين القتلى مطروحاً على الأرض من دون حراك ولا أثر للحياة، وبعدما وضعت الحرب أوزارها فأرادوا أن يدفنوا القتلى وجدوه حياً، فطببوه وبقي في الخيام جانب الأسرى وله بعض الأحداث عند ابن زياد ويزيد وفي السير وقد ذكر في بعض كتب المقاتل أما ما عدا هذين فُقتلوا كلهم وبقي الدور الرئيسي في إنجاز مهمة الإمام الحسين عليه السلام على عاتق زينب عليه السلام التي أدت هذه الأدوار الصعبة بخير ما يمكن يؤدي فهي لا شك أنها أُصيبت بما أُصيب به الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من المصائب والأحزان ثم أنها أُصيبت أيضاً بقتل الحسين عليه السلام وبعد ذلك كان لها مهمات أولها المحافظة على عز الإمام الحسين عليه السلام وظهور الأمام الحسين عليه السلام بمظهر القوي لا بمظهر العاجز الضعيف المتخوف وكما قلت في بعض الأيام في عاشوراء الإمام الحسين مهد لهذا الأمر بتصفياته المتعددة من أصحابه وبتحضير زينب عليه السلام بشكل خاص وبقية الناس بشكل عام حضرهم على مجابهة هذه المصائب والأحداث حتى لا يظهر عليهن أثر من أثار العجز والضعف من النحيب والعويل والنداء بالعويل .. .. يوما كان هذه المسائل موجودة في كربلاء ويؤكد عليهم ذلك ثم أن كربلاء كما يظهر على أصحاب الحسين التنافس على الموت كما يصفهم الشاعر :
لبس القلوب على الدروع كأنما يتهافتون على ذهاب الأنفس
كانوا يتسابقون على الموت وكأنهم ذاهبون إلى أفضل غاية وأجمل واد هكذا أهل بيت الحسين وأمام الحسين عليه السلام كانوا يتسابقون وكلهم يريدون أن يذهبوا بالحاج وإصرار ، ويظهر أمام العدو بمظهر الشجاع الذي لا يبالي ، الحسين عليه السلام كان يراقب هذه النقطة جداً ، لا يظهر بمظهر العجز لا يبكي على الأولاد ولا يبكي على القتلى، لا يظهر العجز أمام الأعداء، أمام الحزن، أمام المصائب، وقد سمعتم الكلمة المعروفة (ما رأيت مكسوراً قط قد قٌتل ولده وأهل بيته أربط جأشاً ولا أقوى جناناً من الحسين عليه السلام).. وكان يظهر على وجهه في هذا النقل الفرية والقوة والإشراق في الوجه والعلامة في الموقف، بعد كل هذه المصائب نفس الموقف يعني موقف القوة اللامبالاة بالموت والجرح والعطش والعدو، كان بارزاً عند النساء في جميع شؤون هذه الأيام ومصائبها كفانا، هذا الموقف المعروف، بعدما دفنت الأجسام الخبيثة، جماعة عمر بن سعد دفنوهم، وأجساد أصحاب الحسين وأهل بيته مطروحة على وجه الأرض، بعد ذلك أرادوا أن ينتقلوا من كربلاء إلى الكوفة، فأخذوا أهل البيت النساء الأمهات أخذوهم وعبروا بهم من قريب المقاتل، حاولوا أن يظهروا ما جرى في المعركة من القتلى والمصائب عند النساء ، لأي سبب؟ لنقيض السبب الذي كان يفكر به الإمام الحسين (ع)، الحسين كان يفكر أن يظهر بمظهر القوي في حياته وبعد وفاته، وهم كانوا يريدون أن يظهروا الحسين قبل موته وبعد موته بمظهر العجز، كانوا يريدون أن يأتوا بالنساء أمام أجساد القتلى، حتى يبكون.. حتى يحزنون.. وحتى يندبن تشفياً وإظهاراً لعجز الجماعة هنا.. حينما جاء بالنساء والأولاد.. تصور الموقف الرهيب.. كل امرأة لها أخ.. لها أبن.. لها زوج بين القتلى.. ولكن لا تبكي.. وأن كن مأمورات بمتابعة زينب.. ثم زينب كانت عقيلتهم.. كن يطعن زينب (ع) في جميع الشؤون، وصلت زينب عليها السلام في طليعتهم أمام جسد الحسين المقطع والجسد الذي لا يرى عضو سالم في جسمه والجسد مع ذلك مغطى بالسيوف والرماح والحجارة.. مش بحاجة أن ينقل لنا التاريخ هذه النقاط، لأنها واضحة جاءت ووقفت عند جسد الحسين عليه السلام.. ونفضت هذه الحجار والرماح والسيوف ثم رفعت جسد الحسين عليه السلام بكلتا يديها وقالت اللهم تقبل منا هذا القربان.. تصور معنى هذه البطولة زينب عليها السلام ، بالنسبة إليها: الحسين كل شيء: ثم هذا المنظر الذي يجزع.. الصغار والكبار والجبال أمامه، أبداً، اللهم تقبل منا هذا القربان إعلاناً بأن هذا الموقف كان إرادتنا، ما فُرض علينا ما حدا، قال لنا: تعالوا واقتلوا، ما حدا قال لنا أنتم أخرجوا، نحن بملء حريتنا، جئنا إلى هذا الموقف ووقفنا هذا الموقف وما جنينا، هو نتيجة لإرادتنا، فنحن قدّمنا الحسين قرباناً لأجل دين الله، ونرجو من الله أن يتقبل هذا القربان، ومش مهم أبداً، وكما تعبر في مجلس بن زياد حينما سألها وقال لها (كيف رأيت صنع الله بأخيك) قالت (والله ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء رجال كتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، هذا الأول، وهذا الأخير، بلا شك أن بعد هذا الموقف من زينب تجاه سيّد المقتولين وكبيرهم وسيد الشهداء، النساء عرفوا تكليفهم تجاه شهدائهم، أن هنا ليس وقت النحيب والبكاء وإظهار العجز أبداً، هنا موقف القوة وموقف الصلابة وإعلام العالم أننا جئنا هنا، وكنا نعلم ماذا سيكون، عرفناها ومشيناها وسعينا لهذا الموقف بكل ارتياح، ونتمنى من الله أن يتقبل، وإذا أرادت المعركة المزيد من هذه الضحايا نحن مستعدين أن نقدم، ودور زينب عليها السلام كان تتميم دور الحسين عليه السلام في إبراز المعركة بمظهر الكرامة، ولهذا أنا لا أعتقد بما يقرأ وبما ينقل وما يكتب من مظاهر العجز والويل والنحيب عند الحسين أو عند نساء الحسين أو عند آل بيت الحسين، لا أعتقد بهذه المسائل قطعياً، وأرجو أن لا تقرأوا هذه المسائل، فهذه الأمور في الحقيقة تشويه لحركة الحسين عليه السلام وانحراف لمهمة الحسين، الحسين ما ظهر عليه أبداً أثر من آثار الضعف، لا عليه ولا على جماعته ولا على نسائه، وهذا هو المهمة الكبيرة التي أداها الحسين عليه السلام ، فإذن زينب أدت هذا الدور في نساء الحسين، ثم زينب عليها السلام أدت دوراً كبيراً، آخر هذا الدور كان القضاء على مؤامرة بني أمية لأنهم كانوا يريدون أن يقتلوا الحسين عليه السلام ، ولا يفهم أحد تأكيداً لهذا بعدما قُتل مسلم بن عقيل وأهل الكوفة، خانوا العهد، نكثوا البيعة، وكانوا من جيش أبن زياد، فإذن الكوفة ما كانت موالية للحسين، بل كانت مسرحاً لأعداء الحسين، ليش ما تركوا الحسين يفوت بالكوفة، في سبب حتى يُقتل الحسين خارج الكوفة، لذا أرسلوا الحر وبعض الجماعة وأوقفوا الحسين في وسط الصحراء، ثم أبعدوه عن الكوفة وعن جميع عواصم المسلمين حتى يُقتل الحسين ولا يعرف أحد، هذه كانت الخطة، ولهذا قتلوا الرجال كلهم، وقالوا على علي بن الحسين اقتلوا هذا ولا تبقوا من أهل هذا البيت باقية، هذه محاولتهم، هذه صحراء وفيها رياح ورمال، وتأتي الرمال وتغطي الأجساد، ولا أحد يعرف، ثم يزينون الأمور عند الشعب عند الناس عند الأمة ويقولون قتلنا الخوارج والخوارج كان لها أسوء الأثر في نفوس الناس وفي نفوس الشعب باعتبار أن الناس كانوا ينظرون إلى الخوارج بأن هؤلاء وسيلة للفوضى وتمزيق الأمة وخلق الفتن، ولهذا لا يمكن أن أحداً يحب الخوارج، فإذا قالوا خوارج يعني خلص بإذن الدعاية واستعمال الإخفاء إبعاد المعركة عن العواصم، كانت تلك نقاطاً أساسية لإخفاء مثل الحسين والانتهاء من كل شيء، ولكن من الذي أحبط هذه المحاولات؟ زينب عليها السلام لأنها هي بعد وقوع الواقعة نقلت الواقعة حرفياً عند الناس وفي أوساط الكوفة وفي الطريق وفي الشام وفي كل مكان، الكوفة تعرف علي، الكوفة تعرف صوت علي، جايين أهل الكوفة حتى يتفرجوا على الخوارج وعلى الأسرى.. دفعة واحدة يسمعوا صوت علي، لأن في هذه الفترة حتى فترة استشهاد الإمام الحسين حاولوا أكثر من عشرين سنة، كان كثير من الناس متذكرين علي بليلهم بنهارهم ببيوتهم، كانوا يعرفون الإمام، فإذاً سمعوا صوت علي وأنسوا بهذا الصوت وعرفوا أن هذا الصوت صوت علي ، من أي مكان هذا الصوت؟ طالع من الست التي يقولون عنها خارجية وأسيرة، عم تحكي كأنها تفرغ هذه المقاتل عن لسان علي (ع)، وحينئذٍ انتبه الناس إلى أن الجماعة الذين قتلوا هؤلاء الذين بعثوا أولادهم حتى ينتصروا وحتى نصروا دين الله راحوا قتلوا ابن بنت رسول الله، وهؤلاء نتيجة جهاد أولادهم وأبنائهم وأخوتهم، وحينئذٍ بدأوا يندبون ويبكون، وإذا زينب تكمل تتكلم فيهم، فهدأت الأنفاس وهدأت الأجراس وسكتت الأنفاس والناس بدءوا بالبكاء والنحيب ثم شددت بالتنفيذ عليهم بالخطبة المعروفة، الحافز أنه بمجرد دخول زينب بالكوفة وبكائها يوم أو يومين انكشفت العملية أمام جميع أهل الكوفة، كان القضية قضية قتل الحسين وما جرى وكيف جرى والتفاصيل الوضع تبينت للناس، وهكذا انتقلت زينب من بلد إلى بلد، ليش من بلد إلى بل؟د لأنكم تعلمون أنه في القديم كان غير ممكن أن تسير القافلة في الصحراء الطويلة لأن الخيل والبغال وغيرها من وسائل النقل آنذاك ما كانت تتحمل المسير في الصحراء، لذلك كانوا مضطرين أن يمروا في الخطوط التي تمر في البلاد في القرى، فإذن الأسرى نُقلوا بطريقة من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، ففي كل بلد يدخلون زينب تتكلم بالناس يستمعوا يسألوا شو كيف متى العملية تنكشف حتى وصلوا إلى الشام، وبالشام نفس الموضوع، أول خطبة ألقتها زينب في قصر يزيد كشفت عن كل شيء وتبين كل شيء حتى زوجة يزيد تغطت بقميصها وخرجت إلى القصر وطالبت وأمرت وألحت بدخول زينب وأهل بيت الحسين (ع) في الحرم، بدأت الحركة من داخل بيت يزيد، ماذا يصنع؟ أيستطيع أن يقتل كل العالم؟ أينما كانت تدخل هذه الست كانت تنتقل وكانت تحرك الناس وتعكس العملية على الناس، فبين فترة وجيزة جميع العالم الإسلامي وجميع أبناء الأمة عرفوا بالقضية، وبعد معرفتهم هناك هذا التحليل عرفت الأمة أنها مقصرة وعليها أن تكفر عن ذنبها وتتوب من معصيتها وثارت وثارت وثارت إلى آخر الموضوع، إذن زينب أول المطلوب منها كان هذا الدور، أن تحافظ على الكرامة وعلى العز بعد استشهاد الحسين ثم تنجز مهمة الحسين فتبلغ المأساة والمعركة التي حاول بني أمية أن يجعلوها في الصحراء، نقلتها زينب عليها السلام في أوساط العالم الإسلامي، طيب فإذن بعد مصيبة الحسين عليه السلام وانتهاء دوره نقف أمام دور زينب البطولي فنحترم ونعظم هذه المرأة التي عجز عن العمل مثلها كبار الرجال والعظماء، ثم أمام هذه التجربة الرائعة الدرس المعبر الموجه بأن الرجل كما يمكن أن يكون الحسين المرأة المسلمة أيضاً يمكنها أن تكون زينب، إذا كان الحسين نموذجاً للأبطال وغاية السيد الرجال فزينب أيضاً نموذج للنساء وكما أن الرجل المسلم يتمكن أن يكون بطلاً مجاهداً المرأة المسلمة يمكنها أن تكون بطلة ومجاهدة، إنما كل ما في الأمر أن هذا أو تلك بحاجة إلى الإيمان وإلى القوة، إلى الشعور بقرب الله حتى يخافوا ولا يحزنوا، لأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ونحن أمام هذه الواقعة نقف وننتبه إلى كلمة من كلمات الحسين عليه السلام حينما خرج قال: إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما أريد الإصلاح في أمة جدي ما استطعت.. أريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. مهمة الحسين وغاية الحسين تتلخص في هذه الكلمة هنا في هذا السؤال.. أمة جد الحسين هل كانت في عصر الحسين فقط؟ أم أنها باقية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس؟ كان مختصاً بأيام الحسين وانتهى أم أننا نحن أيضاً من الأمة بحاجة؟ نحن أيضاً بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. العملية مستمرة.. فإذن نحن لا نزال نعيش في الظرف المناسب لتحقيق أهداف الأمام الحسين عليه السلام، يعني الحسين قتل في زمانه حتى يصلح فيه، حتى يأمر بالمعروف في هذا الظرف وينهي عن المنكر في هذا الزمن بالذات، هذا حسب تفسيره هو، فإذا ترك المنكر وإذا أتي بالمعروف وإذا حصل الإعلام بين الناس في هذا الظرف فالحسين بلغ غايته من الاستشهاد، وإذا ترك المعروف وعمل بالمنكر وسعى الفساد بين الناس ، اليوم كلما ازداد المنكر وقل المعروف وشاع الفساد وقل الإصلاح بين الناس اليوم، هذا يعني أن هذا الظرف من الزمن وهذا الجيل من الأمة قد أهدر دم الحسين في هذا الزمن وقد ساعد في الإحباط وإنهاء أهداف الحسين التي قتل من أجلها، فإذن نحن اليوم وفي هذا الظرف ليس واجبنا تعظيم الشعائر الله والبكاء فقط بل واجبنا نصرة الحسين في أهدافه بعدما صرح هو بأهدافه إني ما خرجت أشراً ولا بطراً، ما كان عملية الانتصار على أحد أمام أحد حتى نقول انتهى وخلصنا، المهمة التي كان يطلبها الحسين باقية هذا اليوم لأن الأمة باقية، فنحن محل ما نتمنى، ونقول يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيما، بإمكاننا اليوم أن ننصره وأن نؤيده وأن نقوي على خصمه وأن نحقق أهدافه، وهذا الشيء ممكن وبين أيدينا، المعركة قائمة وموجودة، انتبهوا إلى حالكم إلى أولادكم إلى حياتكم إلى نسائكم إلى تصرفاتكم وواجباتكم واختاروا ما تشاءون والله تعالى يهدينا سواء السبيل..
غفر لنا ولكم والسلام عليكم