منتديات شباب أمل الثقافية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!
يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
منتديات شباب أمل الثقافية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!
يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
منتديات شباب أمل الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
homeالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلالتسجيلدخول

 

 محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ام محمود
عضو ماسي
عضو ماسي
ام محمود


انثى
العمر : 37
الرصيد : 0
متصل من : ghana
تاريخ التسجيل : 13/09/2007
عدد الرسائل : 604

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty2007-09-13, 07:45

محاضرة لسماحة الإمام السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة

إختير لي في هذه السلسلة من المحاضرات موضوع الإسلام، والموضوع في حد ذاته واسع جداً، ثم اعتبار هذا الموضوع حلقة من مصادر الثقافة في لبنان يضيف جانباً جديداً على موضوع المحاضرة: جانباً ثقافياً تاريخياً يشمل حقلاً مترامي الأطراف.. متنوع الجوانب.. شمل ثقافة لبنان وتنوعها.
فالبحث عن تأثير الإسلام في الثقافة بلبنان يمتد منذ أيام انتشار الإسلام باتجاه هذه المنطقة واستقرار الحكومات والأنظمة الإسلامية في دمشق وغيرها الى جولات الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري في جبال لبنان والتأثيرات والتفاعلات العامة لتعميم الدعوة الإسلامية في جميع هذه المناطق طيلة القرون المتتالية، ومن مساهمة علماء لبنان في توسيع الثقافة ونقلها الى أقطار العالم، الى الإنتاج الضخم من الكتب والمحاضرات الذي نجده عند علماء جبل عامل وبعلبك وبيروت وطرابلس. ثم انفعال اللغة العربية بصورة عامة بالتعاليم الإسلامية وبالقرآن الكريم بالذات، كل هذا وغيره يتجاوز إمكانية البحث عنه في محاضرة واحدة، وبعد ذلك: فمستوى الداعية (هذه العالمة الجليلة) ومستوى المحاضرين والمستمعين.. مما يجعل حقل المحاضرة حقلاً جامعياً عالمياً.
هذه العناصر جعلتني أحتار في انتخاب الجانب الذي يناسب التحدث عنه، وفرَضت عليّ تأخيراً في تقديم المحاضرة ربما خرجتُ به عن الطريقة المتبعة في هذه السلسلة. فحاولتُ أخيراً أن أفسّر العنوان العام لسلسلة المحاضرات وأوسّع مدلوله، فأختار البحث عن أحد مصادر الثقافة في لبنان، لا عن تأثير هذه المصادر في ثقافتنا اللبنانية كما هو المطلوب، وحثّني على هذه المحاولة تلاقي الأفكار الشرقية والغربية في لبنان حول كل شيء وحول الإسلام مما قد يوجب اكتناف الغموض في النقاط الأساسية من الإسلام، تلك النقاط التي أخذت القسط الأكبر من دراسات علماء كبار أمثال: "ماسيه"، "لامانس"، "درمنيجهام"، و"ماسينيون"، وأمثالهم..
ويزيدكم في قبول هذا الاعتذار أني أحاول عدم الخروج عن اختصاصي بصورة عامة، وفي هذا الحقل بصورة خاصة، وأرجو أن أوفّق لأداء المهمة مع بذل جهدي المقلّ وتقديمه المتواضع.
قلتُ أنّ تلاقي الأفكار ودارسات هؤلاء العلماء جعلت الغموض يكتنف هذه النقاط، ولكن ما أردت اتهام هؤلاء الأفذاذ الذين صرفوا عمرهم في دراسة الشرق والإسلام، ولا قصدت تقليل قيمة دراساتهم الواسعة العميقة وخدماتهم الكبرى للثقافة العالمية. بل أريد أن أقول: إنّ المبادئ الدينية والحقائق والأفكار المذهبية لا يمكن أن تعبّر عنها ألفاظ وعبارات محضة، ولا تُدرس من خلال مطالعة بعض الكتب والمقالات التي تبحث عنها، وذلك لأنّ كل علم وكل عُرف له مصطلحاته الخاصة التي لا تُعرف حقائقها إلا بدراسة واسعة في حقول العلم المذكور أو ممارسة ذلك العُرف ممارسة تامة، تلك المصطلحات التي تسمّى حقائق عرفية عامة أو خاصة، والفقهاء يعبّرون عنها بالحقائق الشرعية أو الحقائق المتشـرعة، أما المعاني والأفكار الدينية فيضاف إليها أنها تقارن سلسلة من الخواطر الروحية والحياة المعنوية من
العقائد والتربية الدينية والعِشرة الطويلة مع أبطال الفكرة ومؤسسيها.
هذه الميزة التي تشبه الى حد ما شخصيات الأدب والفن وتجعل من الصعب جداً دراسة المبادئ والأفكار الدينية بعمق والحكم لها أو عليها، بل يجب على الباحث أن يطلع عليها وعلى جميع جوانبها وعلى تاريخها، ويجب أن يلاحظ مع الأحداث والنصوص والقرائن الحالية اللفظية، ثم يحاول أن يناقش أصحاب المبدأ، ويستوضح الملابسات والمتشابهات، لكي يتمكن من الخوض فيها والإحاطة بها.
وأعتقد أنّ مراجعة كتب أصول الفقه (مباحث الألفاظ) تؤكد ما ذُكر، لهذا فإنا نعتقد أنّ أفضل طريقة لدراسة هذه المبادئ والأفكار هي الطريقة المتبعة في هذه المحاضرات، وهي طريقة الندوة اللبنانية في محاضراتها من إناطة البحث بأصحاب المبادئ ومطالبتهم بموضوعية البحث بالدراسة.
أما النقاط التي أحاول البحث عنها في هذه المحاضرة فهي:
1- الأصالة أو ذاتية الإسلام.
2- الروحية في الإسلام وقوّتها أو ضعفها.
3- اهتمام الإسلام بشؤون المجتمع، وعدم الاكتفاء بالإيمان والخلاق، ثم حل مشكلة التطور.

1- الأصالة:
تحت هذا العنوان نناقش ما ملأ كتب المستشرقين والكثيرين من الباحثين الجدد، حيث أكدوا: "أنّ الإسلام أخذ الكثير من عقائد الأديان السماوية الأخرى، والتي كانت شائعة في أوساط العالم العربي التي كانت معبَراً لرحلات النبي محمد التجارية قبل ظهور الإسلام، وتأثّر الإسلام أيضاً بالأفكار والعادات الوثنية السائدة في الجزيرة وعند الفُرس والروم الذين كانوا على اتصال تجاري وسياسي مع العرب في مكة، والعبادات السومرية أو الصابئية أثّرت في العبادات والسيَر الإسلامية"، ولا أفضل من نقل نص ما قالوا حذراً من إطالة الكلام.
وقبل أن ندرس مدى صحة هذا الكلام يجب أن نلاحظ منطق الإسلام حول الأديان السماوية، فالقرآن يعلن أنّ رسالة محمد هي العقد الأخير من سلسلة الأديان الإلهية وأنّ محمداً هو خاتم الأنبياء مؤمن بهم ومصدّق بأنهم رسل ربه: قل ما كنت بدعاً من الرسل (الأحقاف: 9)، و آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون، كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله (البقرة: 285).
والقرآن يؤكد أنّ دين الله واحد، ويسمّيه بالإسلام، ويعتبر أنّ جميع الأنبياء كانوا يبشّرون به: وأنّ الله جعل لكل منهم شرعة ومنهاجا: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه (الشورى: 13).
وفي كثير من الآيات القرآنية نجد القرآن ينقل عقائد وأحكاماً وقصصاً تربوية عن الرسالات السماوية السابقة، ويعتمد عليها، إذا لاحظنا هذا المنطق فلا نجد أية غرابة أو أي مانع من تشابه العقائد والأحكام والأخلاق الإسلامية مع غيرها. ولكننا نقول أنّ الإسلام (مع ذلك) له طابع خاص في جميع حقوله وتعاليمه يعطيه ذاتية خاصة به ويميّزه عما عداه من الأديان ومن العقائد الأخرى. والباحث في مختلف حقول الإسلام يمكنه أن يكشف هذا الطابع وبوضوح، هذا
الطابع الذي يعبّر عنه بالتوحيد، فيسمّى الإسلام بـ"دين التوحيد".
فكلمة الإسلام حسب المصطلح القرآني تعني التسليم لله رب العالمين الذي ..له أسلَم ما في السموات والأرض طوعاً وكرها وإليه يرجعون (آل عمران: 83).
فالإسلام إذن هو الانضمام والانخراط في سلك جميع مَن في السموات والأرض والاتحاد معهم في المبدأ والسير والمرجع اتحاداً أزلياً أبدياً.
والإسلام أيضاً حسب التفسير القرآني هو السجود الإرادي من الإنسان وتسبيحه وصلواته والتحاقه بذلك بركب الكائنات الواحد الذي هو بمجموع أجزائه ساجد مسبّح ومصلّ لله الواحد في محراب الكون الواحد: ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس (الحج: 18)، و يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (التغابن: 1)، و يسبّح الرعد بحمده (الرعد: 13)، و تسبّح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (الإسراء: 44)، و ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السموات والأرض والطير صافات كلٌ قد علم صلاته وتسبيحه (النور: 41)، و "المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الأجزاء بالسهر والحمى" (حديث)..
الإنسان موجود واحد: بجسمه وروحه وحدة متكاملة متفاعلة، وفي حقل العقيدة والإيمان أنّ الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن والمبدأ والمنتهى، وهو واحد: إنا لله وإنا إليه راجعون (البقرة:256).
والغاية في السير والعبادة والجهاد هو الله الواحد: وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (البيّنة: 5)، و ويكون الدين كله لله (الأنفال: 39).
وفي الأنظمة الاجتماعية والمالية والمدنية والأخلاقية نجد محاولات واضحة لجعلها على قاعدة واحدة تقرّب بين الأفراد، حتى تجعل من كل واحد بعضاً من الكل: لا فرداً من الكل –على حد التعبير المنطقي-، وقد عبّر القرآن عن الأموال والتعهدات والقوى المادية والمعنوية للأفراد المختلفة أنها لكم، فأضافها الى المجموع تكريساً لهذه التربية وتأكيداً لهذه القاعدة.
وتأثّر الفن الإسلامي بهذا الطابع المميز، فأصبح طابعه الانحناء الذي يشكّل خطاً واحداً على اختلاف أشكاله وأنواعه.
وبكلمة موجزة: إنّ الطابع المميز للإسلام هو الوحدة في الإيمان والتشريع والفن والتفسيرات.
فلنعد الآن الى ذكر بعض التفاصيل، وخاصةً ما ورد في عبارات الأستاذ "ماسيه" لكي نرى الأصالة والذاتية بوضوح أكثر..

أ / الـلـه:
فالله هو الذات الواحد الأحد، ليس كمثله شيء، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا والصفات الكمالية كلها، يتعالى عن كل نقص وحاجة، فهو الصمد، لم يلد ولم يولد، مجرّد من الانتساب الخاص الى أي شيء أو الى أي فرد أو الى أي ظاهرة، فالعالم بأجمعه والبشر بجميع أفراده والأحداث كلها أمامه سواء.. هو الخالق والمستمر في خلقه، لا وجود ولا بقاء للموجودات دون إرادته ودون تصرفه، وهو عالِم بالغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرّة.
ويرى الباحث هذا الكمال المطلق الذي يتجلّى في تفسير الله يعكس على الخالق جوانب تربوية عديدة، ويُبعده عن مجرد فكرة تجريدية وصورة قلبية أو طقوس مذهبية.
فالتعمّق في التجرّد، والابتعاد عن الشبَه، والتعالي عن أي ربط خاص بشيء ينـزع صفة القداسة الذاتية عن كل شيء، ويحرر الإنسان من أي قيد عقلي أو علمي أو عاطفي أو عملي أو اجتماعي، فيجعل منه (وهو عبد الله) الحر المنطلق في جميع شؤون الحياة: لا يقف أمامه مانع، وينعكس الكمال الإلهي على الكون كلّه وعلى الإنسان بالذات، فيرى الكون والإنسان في أحسن صورة وأكمل تقويم وأدق تنظيم.
والإحاطة اليومية –على حد التعبير القرآني- تربط بين التجرد المطلق الإلهي وبين أن يكون الله أقرب الى الإنسان من حبل الوريد.
الأرض جميعاً قبضته، والسموات مطويات بيمينه، فالأبصار لا تدركه، ولكنه يدرك الأبصار، إن الله بعيد عن إدراك العقول: "كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم" (حديث)، ومع ذلك: "فهو معكم أينما كنتم"، حيث أنه "مع كل شيء لا بالمقارنة وغير كل شيء لا بالمزايلة" (نهج البلاغة).
وهذه الإحاطة تُشعر الإنسان بالاطمئنان والقوة وتزيل عنه الوحشة وتوحي إليه بالمسؤولية.
ثم نرى تأثير الفكرة العميق في الحياة الإنسانية وابتعادها عن التجريد: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمة وجه الله (البقرة: 115)، و "قلب المؤمن عرش الرحمن" (حديث)، و "إني عند المنكسرة قلوبهم" (حديث)، و "من عاد مريضاً فقد عادني في عرشي" (حديث قدسي)، و "المحسن يلمس يد الله حال إحسانه" (حديث).
وهكذا: يرى الباحث صورة جديدة لله في الإسلام تختلف عن جميع الصور الأخرى، وإذا كان يمكننا تلخيص الإيمان المسيحي بالله بكلمة موجزة هي أنّ "الله المحبة"، فإنه يمكن تلخيص الإيمان الإسلامي بالله بأنّ الله هو الحق: بما لكلمة الحق من معنى.
ولقد أجاد مترجمو القرآن المتأخرون، حيث احتفظوا بكلمة "الله" من دون تعبير آخر مشابه.

ب / الملائكة:
وهي فكرة قديمة قِدم الأديان، لكنها بصورة عامة في الإسلام وفي الأديان كلها تختلف عن ما ورد في آراء الفلاسفة بإسم "أرباب الأنواع" وبإسم "المُثل الأفلاطونية" و"الأنوار الاسفهبرية".
وقد نوقش موضوع الملائكة في الإسلام في كتب الباحثين من الشرق والغرب مناقشات مفصّلة، وساعدهم على هذه المناقشات كلمات علماء الكلام والسير من الأساطير والتخرصات حول الملائكة وحول المقربين منهم (جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بالذات)، ورأى بعض المستشرقين الكبار خلال مقارناتهم أنّ هذه الفكرة في الإسلام دخيلة، واعتمدوا لذلك صيغ هذه الأسماء وغير ذلك.
ونحن حينما نحاول البحث في ذاتية الفكرة الإسلامية عن الملائكة فإننا نعيد الى ذاكرة المستمعين ما ورد في أول
المحاضرة حول تصديق الإسلام بالأديان السماوية السابقة وبما جاء فيها..
يقول:
إنّ ما ورد في كلمات علماء المسلمين في الكلام والسيرة والفقه أيضاً، فهي كلّها تحمّل قائليها المسؤوليات، أما مصادر الشريعة الإسلامية فخالية من هذه التفاصيل، ولا تهتم إلا بالإيمان بالملائكة وبالجانب التربوي منه (الذي سوف نبحث عنه)، أما حقيقة الملائكة وتفاصيلها وتجردها وماديتها فلا تجدها في المصادر الأصيلة، ولهذا فالاعتقاد بهذه التفاصيل وبغيرها لا يُعد من الإيمان الإسلامي الذي يدين به المسلم، بل كل ما يجب أن يؤمن به المسلم هو وجود ملائكة الله فقط، كما يجب أن يؤمن بالله وبكتبه وبرسله وأنّ الله جعل من الملائكة رسلاً وأنهم يسبّحون بحمد ربهم ويقدّسونه في الليل والنهار لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يؤمن المسلم بهذا كله لأن القرآن نصّ عليه وأخبر عنه، أما الجانب العملي من فكرة الملائكة فلا أعرف أي مبدأ وأي دين غير الإسلام تعرض له ما عدا الذي ورد في إنجيل متّى في الإصحاح الأول وفي أعمال الرسل بصورة موجزة.
هذا الجانب تشير إليه بعض الآيات القرآنية التي تعبّر عن الملائكة بـ المدبرات أمرا، والتي تسند كثيراً من الأحداث الكبار في الدنيا والآخرة الى الملائكة، ومن هذه الآيات: إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعَدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة (فصّلت: 30-31).
وتتلخص الفكرة في أنّ الملائكة هم الذين يديرون القوى الكونية الظاهرة والخفية بأمر من الله، وأنهم يطيعون الله ولا يتخلفون عن أمره، فمن يسلك سبيل الحق تواكبه الملائكة قائلين له: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فالسالك ليس منفرداً في طريق الحق، بل القوى الكونية التي هي طوع يد الملائكة تسانده وتقوّيه وتفرع وحشته.
إنّ المؤمن السالك في سبيل الحق والعدل لا يشعر بالوحدة والوحشة، بل يشعر بمواكبة الكون وتأييدها لقواه، فيطمئن بأنه المنتصر: فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا (التحريم: 4).
وهذا الشعور ضروري بالنسبة لحمَلة الرسالة وأصحاب المبادئ الذين يحاولون التأسيس وإعادة بناء الإنسان ومجتمعه.

ج / الشيطان:
والحديث عن الشيطان (ملك الشرور) يرتبط بالحديث عن الملائكة، حيث أنه مخلوق كان معهم (حسب وصف القرآن) قبل خلق آدم: مطيعاً ساجداً مسبّحاً لله، ثم عصاه حينما أمره بالسجود لآدم، فرفض استكباراً واغتراراً بعنصره، ثم أُمهل الى يوم الدين، وهو يقود حملة الإغواء وتضليل البشر بالتعاون مع جنوده (قوى الشر).
ويختلف هذا التفسير اختلافاً كلياً عن معنى "أهريمان" عند الفرس القدامى، حيث أنه خالق الشرور، وهو في صراع دائم على رأيهم مع "آهور مزدا" (إله الخير).
يختلف تفسير الشيطان المخلوق عن "أهريمان" الخالق: تماماً.. مبدأ وأثراً، حيث أنّ مشكلة الشر النفسية التي يعانيها الإنسان المؤمن (بإلهَي الخير والشر) هي مشكلة كبيرة، فإنه يرى الكون كلّه والمجتمع والإنسان كلٌ منهما يتبع إله الخير وإله الشر معاً، وهذا الإنسان الذي يشعر بالازدواجية في وجوده وفي مجتمعه وفي مبدئه ومصيره ويعيش في صراع أبدي ذاتاً وسلوكاً وزماناً ومكاناً لهو إنسان محطَّم ضعيف.
ويختلف معنى الشيطان في الإسلام عن ملاك جهنم، و(عن) رئيس هذا العالم، و(عن) إله الدنيا في سائر التفسيرات، وأخيراً: يتفاوت مفهومنا عن الشيطان عن رأي البعض من أنه الموحّد الأكبر الذي امتنع عن السجود لغير الله، فهو عندهم رأس القدّيسين وقائد الموحّدين.
أما أصالة الفكر الديني حول الشيطان فإنها تبلغ القمة في القرآن من الناحية التربوية، فإنّ الشيطان اسمه الأصلي "إبليس" الذي كان من المقربين عند الله، فطُرد من مقام القُرب لأجل معصية صدرت عنه استكباراً، فسُمي الشيطان، فانحرافه وطرده وشقاؤه لعصيانه أوامر، لا لذاتية الشقاء فيه ولا لعفوية الطرد وإبعاده عن مقام القُرب.
ومن جهة ثانية: فإنّ الشيطان كذات يمثّل وحدة قوى الشر وتكتلها أمام قوى الخير في صراع أزلي أبدي بين الحق والباطل مهما كان نوعهما أو وصفهما أو قدرهما.
وأهم النواحي التربوية في إعطاء فكرة الشيطان واستلامه مهمة الإغواء والتضليل مع جنوده (التي منها النفس الأمّارة بالسوء)، أهم هذه النواحي هي تكريس اختيار الإنسان والتأكيد على أنه مخيّر بين الخير والشر: لا مسيّر، لا يهتدي إلا الى دوره الكوني المقرر له.
وقد أوضح القرآن الكريم هذه الناحية في لوحة قصصية رائعة أوضح فيها كيفية الخلق في سورة البقرة (30-38): بموجب هذه الآيات أراد الله أن يجعل في الأرض خليفة.. لا آلة مسيّرة ولا شبه آله، بل أراد خلق موجود يتصرف حسب إرادته ويمارس حريته، حيث أنّ حرية التصرف لا تتم إلا مع وجود نزعتَي الخير والشر في الإنسان، وإلا مع وجود طريقَي الخير والشر في الأرض، خلَق الله الإنسان بهذه الخصائص ثم علّمه الأسماء وجعَله مستعداً لمعرفة حقائق الكون والقوى الكونية متمكناً من الإحاطة بها عن طريق معرفتها، ثم أمَر الملائكة أن يسجدوا لآدم، فخضعوا وسجدوا بأمر الله، وخضوعهم للإنسان يستلزم مطاوعة القوى الكونية (التي هي بيد الملائكة) له، فأصبح آدم سيد الكون خليفة الله في الأرض، وامتنع إبليس من السجود لآدم، وطُرد من مقام المقرّبين، وأُمهل حسب طلبه الى يوم القيامة، وبدأ هو وجنوده بإغواء البشر، وأصبحوا من الدعاة الى طريق الشر يساندون النـزعة الشريرة في الإنسان.
فالكون ميدان للسير في الخط المستقيم، و(كذلك) للانحراف والضلال، والإنسان أمام المفترق يسمع صوت الله بلسان عقله وبلسان ضميره وبلسان أنبياء الله وبالطرق الأخرى للهداية، و(يسمع) صوت الشيطان بلسان نفسه الأمّارة بالسوء وبلسان عناصر السوء والفساد من البشر وغيره، يستمع في حياته الى النداءَين، فيجيب بملء إرادته لنداء الخير أو لنداء الشر، وهكذا نرى أنّ الشيطان في مفهومه الإسلامي يقوم بدور بارز في تعميق التخيّر الإنساني: ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة (الأنفال: 42).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن الماضي
الاداره
حسن الماضي


ذكر
العمر : 46
الرصيد : 88
متصل من : بئر العبد
تاريخ التسجيل : 11/07/2007
عدد الرسائل : 2859

محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty
مُساهمةموضوع: رد: محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة   محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة Empty2007-12-22, 20:51

مشكورررررررررررة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محاضرة لسماحة السيد موسى الصدر بعنوان: الإسلام والثقافة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات شباب أمل الثقافية :: أفواج المقاومة اللبنانية أمل :: الامام السيد موسى الصدر-
انتقل الى: