يتحدث علماء النفس عن مراحل نمو الإنسان وخصائص كل مرحلة ومتطلبات الإنسان فيها. ومن أهم المراحل التي تناولها الباحثون بالتفصيل مرحلة المراهقة.. المراهقة مصطلح حديث لم يوجد عند العلماء السابقين، وعدم وجوده لا يعني أنه لا يوجد أو لم يوجد اهتمام بهذه المرحلة من مراحل نمو الإنسان، بل هو اختلاف في الاصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقول العلماء.
فترة المراهقة مرحلة حرجة تصاحبها تغيرات جسمية ونفسية وعاطفية شديدة التقلب والتغير، يشوبها الكثير من محاولة إثبات الذات والاعتزاز بالنفس.
وفي غمرة محاولة المراهق لإثبات ذاته واعتزازه بنفسه؛ تبدر منه تصرفات تصنّف عند الكبار بأنها أخطاء لا جدال فيها، وقد يواجهونه بأخطائه ويحاولون ثنيه عنها بأساليب مختلفة من المنع إلى النهي إلى العقاب أحياناً، والمراهق قد يواجه تلك الأساليب بأساليب الممانعة والرفض الذي قد يصل حد التهور أحياناً.
والبعض الآخر ممن يكبر المراهق قد يغض الطرف عن كل أخطائه ويتجاوز عن زلاته معللاً تلك التصرفات بأنها فترة مراهقة وستنتهي ويرجع المراهق إلى رشده بعد مدة.
والمراهقون يرون أنفسهم تلك الفترة معذورين ، ويمارسون ويرتكبون الكثير من الأخطاء مستغلين تلك النظرة، فالكثير من المراهقين ـ وممن يكبرهم ـ أحياناً يرون هذه المرحلة مرحلة غير خاضعة للتكليف، بل هي متجاوز عنها بسبب المراهقة، وكأن المراهقة جزء مقطوع من حياة الإنسان لا يهتم به أو يحسب له حساب.
إنّ النظرة الشرعية لفترة المراهقة ـ أو مرحلة البلوغ بالمصطلح الشرعي ـ أنها بداية تكليف الإنسان ومحاسبته على أعماله وتسجيل حسناته وسيئاته. فالخطأ فيها محسوب والتصرفات مسؤولة.
ولا بد للمراهق أن يعي هذه الحقيقة وكذلك أهله ومن حوله ممن له علاقة مباشرة به فيتم توجيهه وتذكيره بأنّ المراهقة ليست كما يظن. بل يجب أن يغير نظرته ويعيد حساباته لتبدأ مرحلة التكليف عنده بداية صحيحة على منهج صواب. فالإنسان العاقل يطمح أن تكون صحائف أعماله بيضاء نقية.
ولنا في كتاب الله عزّ وجل وفي سنة رسوله (ص) ما يجعل من تلك الفترة ـ فترة المراهقة ـ مشروعاً يجب استثماره وفرصة يجب اغتنامها.
وهنا يبرز دور المحيطين بالمراهق لإشعاره بكيفية بداية هذا المشروع واستثماره، فالله عزّ وجل ذكر في صفات أصحاب الكهف أنهم (فتية آمنوا بربهم) والفتوة هي بداية مرحلة البلوغ ـ المراهقة ـ والنبي (ص) ذكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله (شاب نشأ في طاعة الله) ومعلوم أن الشباب يعقب فترة المراهقة، وهو امتداد لها، والنشأة تكون من البداية، فبداية أن يكون الشاب قد نشأ في طاعة الله أن تكون تلك النشأة منذ الوهلة الأولى لعنفوان الشباب محكومة بما شرع الله من الأوامر والنواهي.
إنّ هذا المشروع الناجح ـ مشروع النشأة في طاعة الله ـ يبدأ منذ الوهلة الأولى للتكليف، وهي أولى مراحل المراهقة.. وقد خصّها النبي (ص) بالذكر وجعل صاحبها من الذين يظلهم الله بظله؛ لأنها مرحلة حاسمة لها ما بعدها، ومن استطاع أن يكبح جماح نفسه في تلك الفترة فهو على غيرها أقدر.
فهل نبدأ بإعداد أبنائنا للدخول في هذا المشروع بخطى ثابتة واثقة.. أم لا نزال ننظر إليهم على أنهم مراهقين سيعودون إلى رشدهم بعد زوال طيش المراهقة؟!