موسى الصدر اماما وقائدا
لم يعتزل في صومعة فهو الكاتب والمفكر والمجدد بين نظرائه من رجال الدين .
اختار أن يطلق صرخته في برية الوطن من أجل المحرومين في وطنهم وفي برية العالم من أجل المحرومين من وطنهم وكتب عنوانا لمهمته: (( يتعين على أي امام يحمي مصالح جماعته أن يكون كريما, عليه خدمة طائفته بالتضحية والمثابرة وعليه أن يكون مستعدا للشهادة نيابة عنهم, وأي قائد يتجاهل الشؤون اليومية لجماعته لا يستطيع ادعاء الاسلام )) .
اذن اختار الامام السيد موسى الصدر أن يكون المختلف عن أقرانه في اداء مهمته وأن لا يكتفي بالوعظ في مسجد ما, وأن يفتح لمن يطرق بابه فقط وأن يجيب على الأسئلة الشرعية . اختار أن يقول الحقيقة الناصعة على منبر المسجد كما منبر الكنيسة كما على منبر مؤسسات الرأي العام الاعلامية والثقافية, واختار أن يحوّل الحرمان من حالة الى حركة واختار (( حين بلغت الاعتداءات الاسرائيلية الذروة وتخلت الدولة عن واجب الدفاع)) أن يؤسس المقاومة اللبنانية لمواجهة النوايا الاسرائيلية المبيتة ضد لبنان .
ومن مدينة صور, سيف البر في البحر, مدينة التاريخ ومدينة الحاضر التي تضم تشكلا طائفيا متنوعا وتشكلا سياسيا متعددا وتشكلا اجتماعيا متفاوتا, من تلك المدينة بدأ الامام الصدر مسيرته من أجل الوصول الى لبنان الذي يريد ...
فأي لبنان أراد الامام الصدر ؟
(( نريد لبنان للانسان لا للمحتكرين.. لأن المحتكرين أول الكافرين بلبنان, انهم يريدون لبنان لجيوبهم, المحرومون والصيادون في صور وصيدا, أولئك يريدون لبنان وطنا)). من هنا ينطلق الامام الصدر في صياغة لبنان, من الانسان خليفة الله على أرضه, من رفض الظلم والتصنيف ورفض تحويل الأزمات الى أزمة طائفية تستعمل الدين والحق والعدل والرحمة لخدمة الكفر والظلم والباطل والقسوة . ومن اعتماد الحوار كأسلوب حياة لأن المطالب السياسية والاجتماعية والبناء والتطوير يمكن تحقيقها بالحوار البناء وبالحب والتعقل وصولا الى تحقيق العدالة والانصاف والمساواة بالنسبة للمحرومين ومناطقهم وتحقيق المساواة التامة بين اللبنانيين لأن ((طريق لبنان لا يمكن الا أن تمر على القاعدة الانمائية الكاملة والاحتفاظ بالبعد الانساني والايماني)) لكي تصبح صورة لبنان في مراّة العالم واحدا عربيا عصريا)) ... ويصبح لبنان في الواقع (( ندوة للحوار الاسلامي المسيحي وقاعدة اللقاء العربي- الأوروبي ومختبر التفاعل الحضاري )) .
ومن مدينة صور, انطلق الامام الصدر ليؤسس قوة لبنان في مقاومته بعد أن بلغت الاعتداءات الاسرائيلية ذروتها وبعد أن جمدت اسرائيل الحياة على امتداد الحدود .
بدأ هكذا, قرع أجراس الكلام عن الأطماع الاسرائيلية في أرض لبنان ومياهه, عن المؤامرات الاسرائيلية لتقسيم هذا الوطن الكبير بأبنائه الذين لا تغيب عنهم الشمس . حذّر ونبّه من أن الاعتداءات الاسرائيلية ستتجاوز منطقة الحدود الى عمق لبنان ثم بادر الى انشاء هيئة نصرة الجنوب وجبهة المحافظة على الجنوب ثم حركة المحرومين ثم كانت أفواج المقاومة اللبنانية – أمل من أجل أن تحفظ لبنان وفي قلبه الجنوب (( لأن سقوط الجنوب يعني سقوط لبنان وانتشار شرارة التوتر في العالم العربي )) .
اذا نحن أمام شخصية قيادية فذّة لم تتوقف لحظة واحدة عن محاولة تشكيل الرأي العام على قاعدة الحقيقة منذ أن أنشا في قم مجلة (( مكتب الاسلام )) وعندما انتقل الى الحوزة الدينية في النجف حيث اشترك في (( جمعية منتدى النشر )) ومنذ أن جاء الى المدينة رجل يسعى بادر الامام الصدر في صور الى القضاء على ظاهرة التسوّل والى اعداد الكوادر الدينية من أساتذة متخصصين وتوزيعهم على القرى لترسيخ الايمان والعلم والمعرفة والى فتح المدارس بمختلف فروعها النظرية والتقنية والمباشرة بخطة لمحو الأمية وانشاء المبرات للعناية بالأيتام وانشاء معهد للدراسات الاسلامية وانشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى .
الامام الصدر, شخصية مؤسسية, تحتاج الى كل المحاولات من أجل ابرازها كأنموذج للامام القائد الذي يحتاج اليه المجتمع من أجل وضع قيمة الانسان في الموقع الذي أراده الله ومن أجل العودة الى الأصالة المرتكزة على تراث مجيد يفيض بالكرامة ويلغي ليالي الظلام والجهل ليشرق على الوطن والأمة فجر رسالي جديد .