تشير الدراسات والتقارير الصادرة عن الهيئات المالية العربية إلى ارتفاع ملموس في مجموع المستفيدين من الخدمات الاجتماعية وتحسن نوعيتها. ويستدل على ذلك من التطور الإيجابي لعدد من المؤشرات الاجتماعية، ومن أهمها معدلات القراءة بين البالغين والشباب فضلا عن معدلات الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة، وفرص النفاذ لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ومتوسط العمر المتوقع وتراجع معدلات الوفيات. كما تشير التقارير إلى تحسن في مستويات التعليم والصحة، وكان لذلك بالغ الأثر في تطور الإنتاجية ونوعية حياة السكان (350 مليون عربي في عام 2007) في جوانب اقتصادية واجتماعية مختلفة، لكن الثابت أن ثمة أزمات مستعصية تواكب التطورات في المجتمعات العربية. وعلى الرغم من تلك التطورات الاجتماعية الحاصلة في الدول العربية خلال العقود الأربعة الماضية، فإن أزمات حقيقية ما زالت ماثلة للعيان تهدد الإنجازات المشار إليها، كانتشار ظواهر الفقر والبطالة والأمية.
" على الرغم من بعض النجاحات التي حققتها الدول العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإن ثمة ضعفا في القاعدة المعرفية والتكنولوجية يتمثل في ندرة العلماء وضعف مخرجات قطاع البحث والتطوير من الإنتاج العلمي " | الأمية وانعكاساتها الخطيرة وفي هذا السياق تعتبر ظاهرة الأمية الآخذة في التفاقم بسبب معوقات التعليم، والارتفاع الكبير في مجموع السكان من المشكلات المستعصية في الدول العربية، إذ سعت غالبية الدول إلى الحد من اتساع تلك الظاهرة، لكن ببطء شديد.ويشار إلى أن نصف الإناث العربيات البالغات ونحو ربع الإناث المراهقات من الأميات، كما تشير الدراسات إلى أن معدل الأمية بين البالغين في الدول العربية بقي في حدود 36% خلال عامي 2005 و2006، في حين سجل مؤشر الأمية بين الشباب العربي بشكل عام نحو 19%. وتتفاوت المعدلات بين دولة عربية وأخرى، والمعدل الأدنى قد تحقق في دول مجلس التعاون الخليجي. والملاحظ في غالبية التقارير العربية ارتفاع معدلات الأمية لدى الإناث مقارنة بالذكور في معظم الدول العربية باستثناء الإمارات والكويت التي تدنت فيهما نسبة أمية الإناث مقارنة بالذكور. وتوجد أكبر فجوة للنوع الاجتماعي في كل من المغرب وموريتانيا واليمن؛ حيث يوجد خمس إناث بالغات ملمات بالقراءة أو الكتابة مقابل عشرة ذكور بالغين ملمين بها. وعموماً يوجد معظم الأميين في الأرياف العربية التي تستحوذ على النسبة الأكبر من مجموع السكان في الوطن العربي، وعلى سبيل المثال لا الحصر تبلغ نسبة الأميين من الشباب في الريف ضعفي ما هي عليه في المدن في كل من الجزائر والمغرب وتونس. العرب وتكنولوجيا المعلومات ومن الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية عدم الاستفادة بالشكل المطلوب من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتُعزَى الفجوات الكبيرة في هذا المجال بين الدول العربية وبعض الأقاليم في العالم إلى عدة أسباب. ومن أهم تلك الأسباب الكلفة العالية لهذه التكنولوجيا مقارنة بمتوسط الدخل المنخفض قي بعض الدول العربية، وارتفاع معدلات الأمية وضعف الإلمام باللغات الأجنبية وغياب المهارات المطلوبة لاستخدام هذه التكنولوجيا حتى بين المتعلمين. وبطبيعة الحال تتوافر بعض أدوات هذه التكنولوجيا في مناطق وجود مستخدميها، أي في المناطق التي يقطنها الميسورون والمتعلمون، ويقل وجودها في الأرياف والأحياء الفقيرة، الأمر الذي يزيد من الفجوة المعرفية وعدم المساواة وتكافؤ الفرص بين فئات المجتمعات العربية. واللافت أنه على الرغم من بعض النجاحات التي حققتها الدول العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإن ثمة ضعفا في القاعدة المعرفية والتكنولوجية التي تتمثل في ندرة العلماء وضعف مخرجات قطاع البحث والتطوير من الإنتاج العلمي، والصادرات من التكنولوجيا المتقدمة وبراءات الاختراع. ومرد تلك الإخفاقات في القطاع المذكور يكمن في عدم توفر الإمكانات المادية لدى الدول التي لديها القوى البشرية اللازمة، وعدم توفر القوى البشرية لدى الدول ذات الإمكانات المادية الكبيرة. وفضلاً عن ذلك لا تحظى الدراسات العلمية ذات الطابع التطبيقي أو التكنولوجي بالتقدير والاهتمام الذي تحظى به الدراسات الأكاديمية. كما لم يرقَ تطور القطاع الصناعي في غالبية الدول العربية إلى المستوى الذي يدعم فيه البحث العلمي والتطوير على نحو جيد.
" أزمة المديونية العربية وانعكاساتها المركبة تفقد الشعوب أي أمل في تراكم رأسمال حقيقي يدفع باتجاه استثمارات لها عوائد مالية ترتقي بالصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي في الدول العربية " | المديونية العربية وأعباؤها إضافة إلى الأزمات السابقة تعاني الدول العربية من أزمة المديونية وانعكاساتها المركبة، إذ تتراجع الآمال في تراكم رأسمالي حقيقي يدفع باتجاه استثمارات لها عوائد مالية ترتقي بالصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي في الدول العربية.وبهذا يمكن توصيف الأزمة المذكورة على أنها واحدة من أكبر المشكلات الاقتصادية في الوطن العربي، لما لها من انعكاسات متشعبة تلقي بعبئها على كاهل الموازنات المالية على مستوى كل دولة عربية ترزح تحت وطأة المديونية، ناهيك عن تداعياتها السلبية على مستويات المعيشة في غالبية الدول العربية. وبالنسبة لحجم الديون العربية للعالم الخارجي، تشير معطيات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2007 الذي سيصدر قريباً إلى أن القيمة التراكمية للديون الخارجية للدول العربية المقترضة تراجعت بنسبة 8.1% في عام 2006 لتصل إلى 135.9 مليار دولار مقارنة مع 147.8 مليار دولار عام 2005، وذلك بعد الارتفاع الذي سجلته خلال الفترة من 2002 إلى 2004. وقد تأثر الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة في عام 2006 بعاملين رئيسيين يتمثلان في السداد المبكر لجزء من المديونية الخارجية لبعض الدول العربية، وارتفاع المديونية الخارجية المقومة بالدولار من جراء انخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى وخاصة عملة الاتحاد الأوروبي (اليورو). إضافة إلى ذلك أدى ارتفاع سعر النفط الخام في الأسواق العالمية عام 2006 إلى زيادة عوائد الصادرات النفطية في غالبية الدول العربية المقترضة المصدرة للنفط. واللافت أن قيمة الدين العام المترتبة على الدول العربية المقترضة لا تزال كبيرة مقارنة مع الناتج المحلي المتحقق خلال سنوات محددة، إذ إن مؤشر نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية المقترضة تراجع من 34.7% في عام 2005 إلى 27.4% في عام 2006، مسجلا انخفاضًا للعام الرابع على التوالي. وقد جاء ذلك في ضوء النمو الجيد في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة وانخفاض المديونية العامة الخارجية للعديد منها. وتقترب نسبة الدين العام الخارجي القائم للدول العربية المقترضة في عام 2006 من النسبة المقابلة لمجموعة الدول النامية التي بلغت 26.3% في العام نفسه. حقائق حول المديونية العربية وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن لكل دولة مقترضة من الدول العربية قدراتها الخاصة ونظامها الخاص لسداد وجدولة ديونها للحد من أعبائها الاجتماعية الخطيرة. ومن بين الدول العربية التي ترزح تحت أعباء أزمة المديونية العربية رغم تراجع الأرقام المطلقة أحياناً كل من مصر والجزائر والمغرب وسوريا ولبنان وموريتانيا وتونس والأردن وعمان والسودان وجيبوتي.
" ثمة أزمات تواكب تطور المجتمعات العربية كالأمية والبطالة والمديونية، ناهيك عن الفجوة بينها وأقاليم من العالم في مجالات البحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات، مما يتطلب تنسيقا عربيا وتخصيص مزيد من الموارد المالية " | لكن الجزائر كانت من بين الدول العربية التي تمكنت من استخدام جزء من عوائد صادراتها النفطية في تقليص مديونيتها الخارجية للعام الثالث على التوالي، فقامت بالتفاوض مع نادي باريس ونادي لندن بغرض السداد المبكر لجزء كبير من مديونيتها الخارجية.وبذلك نجحت في تقليص دينها العام الخارجي من حوالي 17.2 مليار دولار في عام 2005 إلى 5.6 مليارات دولار في عام 2006. أما تونس فقد استطاعت خفض الدين العام الخارجي المترتب عليها من 19 مليار دولار في عام 2005 إلى حوالي 18 مليار دولار في عام 2006 بعد أن قامت بالسداد المبكر لجزء من مديونيتها الخارجية في ضوء الحصول على عوائد خصخصة شركة الاتصالات التونسية. أما في الأردن فقد أدى تغير سعر صرف العملات مقابل الدولار إلى زيادة قيمة المديونية الخارجية للمملكة بحوالي 275 مليون دولار في عام 2006، علماً بأن صافي تسديدات القروض الخارجية بلغ حوالي 92 مليون دولار في العام نفسه. وبذلك ارتفعت المديونية الخارجية للأردن بدلا من انخفاضها من 7.122 ملايين دولار في عام 2005 إلى 7.305 ملايين دولار في عام 2006. وعلى خلاف ذلك حصلت موريتانيا في عام 2006 على إعفاء من مديونيتها الخارجية بإجمالي وصل إلى 897 مليون دولار، الأمر الذي أدى إلى انخفاض دينها العام الخارجي من 2.122 مليون دولار في عام 2005 إلى 1.298 مليون دولار في عام 2006. وبالإضافة إلى كل من الجزائر وتونس وموريتانيا، فقد تراجع الدين العام الخارجي أيضاً لمصر من 29.7 مليار دولار في عام 2005 إلى 29 مليار دولار في عام 2006، والمغرب من 12.4 مليار دولار إلى 11.9 مليار دولار. وقد ارتفع الدين العام الخارجي بنسبة قليلة لكل من جيبوتي والسودان وسوريا وعمان واليمن. أما في لبنان فقد ارتفع الدين العام الخارجي من 18.9 مليار دولار في عام 2005 إلى 20.1 مليار دولار في عام 2006 ويكمن سبب ذلك في الانعكاسات والتداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز 2006. إمكانية الحد من الأزمات مما تقدم يتضح أن ثمة أزمات حقيقية تواكب تطور المجتمعات العربية في المقدمة منها: أزمات الأمية والبطالة والمديونية، ناهيك عن الفجوة الكبيرة بين الدول العربية وأقاليم العالم في مجالات البحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات. وهذا الأمر يتطلب المزيد من التنسيق العربي للنهوض بأداء المجتمعات العربية، فضلاً عن ضرورة تخصيص مزيد من الموارد المالية للإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي العربي، لكن كل ذلك مرهون بالإرادة السياسية الصادقة لمجموع الدول العربية. فهل سيشهد عام 2008 انطلاقة حقيقية للحد من أزمات المجتمعات العربية؟ |