ذو الحجّة الحرام
وهو أكبر أشهر الحرُم وأعظمها، وفيه: الإحرام بالحج واقامة فرضه، ويوم عرفة، ويوم النحر.
وأول يوم منه لسنتين من الهجرة زوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء البتول عليهما السّلام .
وفي اليوم الثالث منه سنة تسع من الهجرة نزل جبريل عليه السّلام بردّ أبي بكر عن أداء سورة براءة وتسليمها إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فكان ذلك عزلاً لأبي بكر من السماء، وتولية لأمير المؤمنين عليه السّلام من السماء.
وفي اليوم السابع منه سنة مئة و أربع عشرة للهجرة استشهد الإمام الخامس من ائمة اهل البيت عليهم السلام الباقر، محمد بن علي عليه السلام.
وفي اليوم الثامن منه وهو يوم التروية، ظهر مسلم بن عقيل ـ رحمة الله عليه ـ داعياً إلى سيدنا أبي عبدالله الحسين عليه السّلام في الكوفة.
وفي هذا اليوم عند زوال الشمس ينشئ المتمتّع بالعمرة إلى الحج الإحرام، فإن زالت الشمس ولم يكن طاف بالبيت سبعاً وقصّر فقد فاتته المتعة على أكثر الروايات.
وفي اليوم التاسع منه وهو يوم عرفة تاب الله سبحانه على آدم عليه السّلام، وفيه ولد إبراهيم الخليل عليه السّلام، وفيه نزلت توبة داود عليه السّلام، وفيه ولد عيسى بن مريم عليهما السّلام، وفيه يكون الدعاء بالموقف بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، على ما جاءت به سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله .
وفيه أيضاً يستحب زيارة الحسين بن عليّ عليهما السّلام والتعريف بمشهده لمن لم يتمكن من حضور عرفات.
ومن السنّة فيه لأهل سائر الأمصار أن يخرجوا إلى الجبّانة [الصحراء] ويجتمعوا هناك للدعاء.
وفيه استشهد مسلم بن عقيل رضي الله عنه.
وفي اليوم العاشر منه عيد الأضحى، والنحر بعد صلاة العيد سنّة لمن أمكنه، أو الذبح والصدقة باللحوم على الفقراء والمتجمّلين من أهل الإسلام، والاُضحية فيه لأهل مِنى، وفي ثلاثة أيام بعده، وهي أيام التشريق. وليس لأهل سائر الأمصار أن يتجاوزوا بالاُضحية فيه إلى غيره من الأيام.
وفيه صلاة العيد. ومن السنّة فيه تأخير تناول الطعام حتى يحصل الفراغ من الصلاة، وتجب وقت الاُضحية.
ويقدّم فيه صلاة العيد على الوقت الذي يصلّى فيه يوم الفطر لأجل الاُضحية على ما وصفناه، والتكبير من بعد الظهر منه في عقيب عشرة صلوات لسائر أهل الأمصار، وفي خمسة عشرة صلوات لأهل مِنى، وهو إلى أن ينفر الناس.
وشرح التكبير في هذه الأيام هو: أن يقول المصلّى في عقب كل فريضة:
«الله أكبر الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله والله أكبر، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام».
ويستحب فيه التكبير للنساء والرجال.
وفي اليوم الخامس عشر منه سنة مئتين و اثنتي عشرة للهجرة ولد النور العاشر من انوار اهل البيت النبي صلي الله عليه و آله الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام.
وفيه ايضاً اشتدّ الحصار بعثمان بن عفان، وأحاط بداره طلحة والزبير في المهاجرين والأنصار، وطالبوه بخلع نفسه مطالبة حثيثة، وأشرف بذلك على الهلاك.
وفي اليوم الثامن عشر منه سنة عشر من الهجرة عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله لمولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب العهدَ بالإمامة في رقاب الاُمة كافة، وذلك بغدير خُمّ، عند مرجعه من حجة الوداع، حين جمع الناسَ فخطبهم، ونعى إليهم نفسه عليه السّلام، ثمّ قرّرهم على فرض طاعته حسب ما نزل به القرآن، وقال لهم على أثر ذلك:
«فمَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، أللّهم والِ من والاه،
وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
ثمّ نزل فأمر الكافة بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين تهنئةً له بالمقام. وكان اول من هنّأه بذلك عمر ابن الخطاب فقال له: بَخٍ بَخٍ يابن أبي طالب، أصبحتَ مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .
وقال في ذلك اليوم حسانُ بن ثابت، شعراً:
يُـنـاديـهمُ يوم الغدير نبيُّهُم بـخُمٍّ فأسمِعْ بالرسول مُناديـا
يقول: عليّ مولاكُمُ وولـيُّكُم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا:
إلـهكَ مولانا وأنـت نـبيّنا ولم تر منّا في الولاية عاصيـا
فقال لـه: قـم يا عليُّ فانّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديـاً
فمَن كنتُ مولاه عليٌّ أميرهُ فكونوا لـه أنصارَ صدق مواليا
هناك دعا: اللهمَّ والِ وليَّـهُ وكن للذي عادى عليّاً معادياً .
وأُنزل على النبيّ صلّى الله عليه وآله عند خاتمة كلامه في الحال:
اليَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأتممْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرضيْتُ لَكُمُ الإسلامَ ديناً».
(سورة المائدة/3).
وهو يوم عيد عظيم بما أظهر الله تعالى من حجّته، وأبانه من خلافة وصيّ نبيّه، وأوجبه من العهد في رقاب بريّته.
ويستحب صيامه شكراً لله تعالى على جليل النعمة فيه، ويستحب أن يصلّى فيه قبل الزوال ركعتان يتطوع العبد بهما، ثمّ يحمد الله تعالى بعدهما، ويشكره ويصلّي على محمد وآله، والصدقة فيه مضاعفة، وادخال السرور فيه على أهل الإيمان يحطّ الأوزار.
وفي هذا اليوم بعينه من سنة أربع وثلاثين من الهجرة قتل عثمان بن عفان ، وله يومئذ اثنان وثمانون سنة، واُخرج من الدار فاُلقي على بعض مزابل المدينة، لا يقدم أحد على مواراته خوفاً من المهاجرين والأنصار، حتى احتيل له بعد ثلاث فاُخِذ سرّاً، فدفن في حشّ كوكب، وهي مقبرة كانت لليهود بالمدينة، فلمّا وَلي معاوية بن أبي سفيان وصلها بمقابر أهل الإسلام .
وفي هذا اليوم بعينه بايع الناسُ أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بعد عثمان، ورجع الأمر إليه في الظاهر والباطن، واتّفقت الكافّة عليه طوعاً وبالاختيار.
وفي هذا اليوم فلج [غلب] موسى بن عمران على السحرة، وأخزى الله تعالى فرعون وجنوده من أهل الكفر والضلال.
وفي هذا اليوم نجّى الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السّلام من النار، وجعلها عليه برداً وسلاماً كما نطق به القرآن.
وفيه نَصب موسى يوشعَ بن نون وصيّه، ونطق بفضله على رؤوس الأشهاد.
وفيه أظهر عيسى بن مريم عليه السّلام وصيّه شمعون الصفا.
وفيه أشهد سليمان بن داود عليه السّلام سائر رعيّته على استخلاف آصف بن برخيا وصيّه، ودلّ على فضله بالآيات والبيّنات، وهو يوم عظيم كثير البركات.
وفي اليوم الرابع والعشرين منه باهَلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام نصارى نجران، وجاء بذكر المباهلة به وبزوجته وولدَيه محكمُ التبيان .
وفيه تصدّق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمه وهو راكع، فنزلت بولايته في القرآن .
وفي الليلة الخامسة والعشرين منه تصدّق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام على المسكين واليتيم والأسير بثلاثة أقراص شعير كانت قُوتَهم وَآثروهم على أنفسهم وأوصلوا الصيام.
وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام: «هل أتى على الانسان».
وفي اليوم السادس والعشرين سنة ثلاث وعشرين من الهجرة طُعن عمر بن الخطاب .
وفي اليوم السابع والعشرين منه سنة مأتين واثنتي عشرة من الهجرة كان مولد سيدنا أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السّلام.
وفي التاسع والعشرين منه سنة ثلاث وعشرين من الهجرة قُبض عمر بن الخطاب.