قصّة سيدنا داود و سليمان عليهما السلام
توفي طالوت و أصبح داود ملكاً ، لم يغرّه الملك ، بل شكر الله سبحانه على ذلك .
الله سبحانه انزل عليه الزبور كتاباً بعد التوراة ، علّمه أشياء كثيرة ، علمه لغة الطيور ، و منحه صوتاً جميلاً مؤثراً .
اذا سمع الناس صوت داود دخل الايمان في قلوبهم . . صوته كان يشبه ساقية جميلة . . يشبه خرير الجداول ، و تغريد الطيور في الربيع .
الله سبحانه أيضاً ألانَ له الحديد . . الحديد ذلك المعدن الصلب ، أصبح في يد داود ليناً ، كان داود يصنع من الحديد دروعاً للمجاهدين في سبيل الله .
اهتم داود بتربية الخيل ، فالحصان كان سلاحاً قوّياً ، لأن الفرسان يقاتلون في سبيل الله و الحق .
كان داود اذا رتّل الزبور ، استجابت له الطيور فراحت تسبح لله ، و استجابت الجبال ايضاً .
وكان داود حاكماً عادلاً ، كان يحكم بين الناس بشريعة الله ، و كان المظلوم يأخذ حقه كاملاً ، لهذا عاش الناس في سعادة .
كان داود يمضي ثلث الليل في عبادة الله . . كان يحبّ الله . . الله سبحانه كان يحبّه .
كان يصوم يوماً و يفطر يوماً . . و كان يذكر الله دائماً .
عندما يستيقظ صباحاً يسبّح الله فكانت الجبال تردد تسبيحه ، و عندما يقرأ الزبور كانت الطيور تشدو معه .
داود أسّس دولة قوّية . . دولة للمؤمنين بالله و شريعته . . داود كان ملكاً و كان نبيّاً . . كان وقته منظماً . . حياته منظمة و أعماله منظمة ، يقسِّم وقته الى اربعة أقسام :
قسم لانجاز حاجاته الشخصية .
قسم للعبادة .
قسم للفصل في المرافعات .
قسم لتربية ابنائه .
الامتحان :
داود يعيش في قصره ، وقد وقف الحراس أمام الباب ، كان الحراس لا يسمحون لاحد في الدخول على داود في وقت عبادته .
في ذلك الوقت كان داود جالساً في المحراب ، فجأة ظهر رجلان أمامه .
خاف داود لأنهما دخلا عليه في غير الوقت المخصص .
لهذا قال أحدهما :
لاتخف . . اننا لا نريد بك سوءً . . جئنا لتفْصِلَ في قضيتنا ، سأل داود بعد أن اطمأن :
وما هي ؟
قال الرجل :
ان هذا أخي عنده تسع و تسعون نعجة وعندي نعجة واحدة . . طمع بنعجتي فطلبها مني و مع ذلك فقد كانت حجته قوّية .
تأثر داود بشدّة و قال بغضب .
لقد ظلمك أخوك . . كيف يريد أن يأخذ نعجتك الوحيدة و عنده قطيع يتألف من تسع و تسعين نعجة ؟!
استعجل داود في الحكم ، لم يسأل الطرف الآخر عن حجته ! كان عليه أن يسال الطرفين المتخاصمين !
فجأة اختفى الخصمان ، و انتبه داود الى خطأه ، لقد كان ذلك امتحاناً الهياً له . ان عليه أن يسمع لكلا المتخاصمين .
عرف داود ان الله اراد امتحانه ، فاستغفر الله لما بدر منه في عجلته باصدار الحكم .
الحكم الجديد :
رزق الله داود صبياً سمّاه سليمان ، كبر سليمان في ظلال ابيه .
الأب علم ابنه الخلق الكريم و ربّاه على العبادة و حبّ الخير ، و الشكر لله .
وكبر سليمان و أصبح فتىً ، كان ذكياً و كان مؤمناً .
الله سبحانه أراد أن يظهر فضل سليمان ، و يعرّف الناس انه وصي ابيه داود .
ذات ليلة . . كان الناس نيام ، الفلاحون ، و رعاة الأغنام الجميع كانوا نائمين .
خرج قطيع الغنم من حضائره ، و اتجه الى مزرعة الكروم ، راحت الماشية تلتهم عناقيد العنب ، و تعبث في الزروع .
في الصباح عندما استيقظ صاحب الكروم و انطلق الى بستانه و مزرعته رأى الاغنام ما تزال هناك و هي تملأ المكان بثغائها .
شعر الرجل بالغضب و اتجه الى صاحب الغنم و اتهمه ، برعي ماشيته في مزرعته .
وحدثت مشاجرة بين الرجلين .
قال صاحب الغنم لنذهب الى النبي ، و نحتكم عنده ، في الطريق قال صاحب المزرعة :
ان عليك أن تحفظ غنمك فلا تتركها ترعى كما تشاء .
أجاب صاحب الغنم :
وانت عليك أن تحفظ مزرعتك .
قال صاحب المزرعة :
انا احفظها في النهار فقط أما في الليل فلا يوجد من يرعى ماشيتة ليلاً .
وفي تلك اللحظة و صلا الى قصر الملك داود ، كان النبي جالساً للقضاء بين الناس .
عندما حان دور صاحب الكروم تقدّم الى داود ( عليه السلام ) و عرض عليه القضية .
واستمع داود الى التفاصيل ، فاصدر حكم الشريعة في هذه القضية ، قال داود :
ان على صاحب الغنم أن يسلّم أغنامه الى صاحب المزرعة لأنها الحقت أضراراً بالزروع .
أراد الله سبحانه أن يظهر فضل سليمان بن داود و أن يعرّف الناس بانه وصي النبي ، فقذف في قلبه حكماً جديداً قال سليمان :
هناك حكم أرفق يانبي الله !
قال داود :
ما هو يابني ؟
قال سليمان :
يُسلّم صاحب المزرعة الغنم عاماً كاملاً فيتتفع من صوفها و لبنها . و يأخذ ما يَلِدُ منها .
و على صاحب الغنم أن يُسلّم المزرعة ليصلح ما أفسدت غنمه من زروعها .
فرح داود بحكم سليمان و أدرك أن الله سبحانه إنّما يريد أن يظهر فضله للناس و يعرّفهم بانه الوصي و الخليفة بعده . لهذا انفذ داود حكم سليمان . و ظل هذا الحكم نافذاً منذ ذلك الزمن .
دام حكم داود أربعين سنة حكم خلالها بما أنزل الله . و عمّ الخير و الأمن المناطق الخاضعة لحكمه .
عندما شعر بوفاته أوصى الى ولده سليمان ، الله سبحانه اختار سليمان للخلافة لأنه كان مثل أبيه في سيرته و أخلاقه و اخلاصه و حبه للناس .
سليمان الحكيم
كان سليمان فتى مؤمناً عندما نهض بمسؤولية الحكم و إدارة شؤون البلاد .
راح سليمان يعزّز من قدرات جيشه لا من أجل الاحتلال و السيطرة على بلاد الغير ، و لكن من أجل نشر كلمة الاسلام في الأرض .
كان سليمان نبياً و كان حكيماً و ملكاً ، الله سبحانه عندما رأى سليمان يزداد تواضعاً و يزداد شكراً ضاعف ملكه ، و بارك في بلاده فعمّ الخير .
الله سبحانه منحه أشياء لم يمنحها غيره لأنه كان يشكر الله .
سخر له الرياح العاصفة ، كان يأمرها أن تهبّ فتهبّ و كان يأمرها أن تجري فتجري .
الله سبحانه سخّر له أيضاً الشياطين ، و كانوا يعملون تحت أوامره ، كانوا يغوصون له في أعماق البحار و يستخرجون الكنوز ، يستخرجون اللؤلؤ و المرجان ، و كانوا يصنعون له التماثيل الجميلة و المحاريب .
كان سليمان يفكر في بناء دولة قوّية . . دولة تحمي المؤمنين بالله ، فدعا اليه أن يفتح له أسرار العلوم .
الله سبحانه علمه الكثير من أسرار العلم ، و علّمه لغة الطيور و الحيوانات .
لهذا انتعشت الزراعة ، و بنيت السدود ، و أصبح تحت قيادته جيش كبير جنود من الأنس و من الجن .
ومن أجل أن يعكس هيبة الايمان في قلوب الأعداء ، أمر سليمان بأن يصنعوا له عرشاً فريداً .
وبدأ الجن و الانس ينفذون أمر سليمان ، فاحضروا خشب الابنوس و الذهب و العاج و آلاف الاحجار الكريمة .
فصنعوا عرشاً مزيناً بالذهب و العاج و مرصعاً بالاحجار من الياقوت و الزمرد و غيرها .
كما صنعوا تمثالين لأسدين مهيبين ، و في أعلى العرش نسرين ناشرين اجنحتهما .
نملة سليمان :
خلق الله الانسان ، و خلق الحيوان ، هو خالق كل شيء عندما ننظر حولنا نجد كثيراً من المخلوقات ، هناك مخلوقات صغيرة تعيش بقربنا . . مخلوقات لا نحس عندما تمرّ بقربنا و لا نكاد نراها إلاّ اذا دققنا النظر . .
انها النمل . . النمل يعيش جماعات . . انها امّة تعيش و تعمل ، و تحارب ، و تدافع عن نفسها .
حياتها منظمة ، مليئة بالعمل و السعي ، تجمع الطعام في الصيف و توفره للشتاء .
ان لهذا المخلوق اللطيف قصة طريفة مع سليمان ( عليه السلام ) .
ذات يوم ، كان سليمان يقود جنوده للجهاد في سبيل الله .
كان طريق الجيش يمرّ بوادي يعيش فيه النمل ، كانت سنابك الخيل تهز الأرض ، كان النمل يعمل كعادته في الوادي . .كان البعض يجمع الطعام ، و كان البعض الآخر يعمل داخل البيوت .
وكانت هناك نمله صغيرة تعمل . شعرت باهتزاز الأرض و عرفت ان جيش سليمان في طريقه الى الوادي . وقفت النملة و صاحت محذرة :
يا أيّها النمل ان جيش سليمان في الطريق ! هيّا عودوا الى مساكنكم . . و إلاّ فسيسحقكم الجنود و هم لا يشعرون ، كانت النملة فوق الشجرة و تنظر الى الأفق ، و ظهر سليمان و جنوده .
نظر سليمان الى النملة كانت ما تزال تطلق صيحات التحذير .
الله سبحانه علم سليمان لغة النمل لهذا ابتسم للنملة .
نزل سليمان من حصانه و سجد لله ثم رفع رأسه و نظر الى السماء و قال :
{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } .
أصدر سليمان أمره الى الجنود بعدم دخول الوادي و اتخاذ طريق آخر .
كان النمل خائفاً لأن كثيراً من بيوته سوف يتحطم تحت خوافر الخيل و أقدام الجنود .
و لكنّ النملة أخبرتهم بما حصل ففرحوا ، و دعوا الله أن ينصر سليمان و جنوده .
و مضى جيش سليمان في طريقه مجاهداً في سبيل الله ، و عاد النمل يعمل في الوادي بسلام .
انباء من سبأ :
كان جيش سليمان يتألّف من الناس المؤمنين و اضافة الى الناس كان هناك الجن يعمل في خدمته و الطيور أيضاً . فالهدهد مثلاً كان يساعد الجيش في البحث عن الماء .
و الهدهد يعرف بحاسته التي منحها الله له أن في هذا المكان ماء يجري تحت الأرض .
لهذا يحطّ الهدهد على المكان و يأتي العمال فيحفرون و يستخرجون المياه .
ذات يوم أمر سليمان بحشد جيشه ، و جاء المؤمنون من الناس و حضر الجن و الطيور .
راح سليمان يتحدث عن ملكه الكبير و قال ان ذلك كله هو هبة من الله ، ان من يشكر الله فان الله سبحانه سيرزقه . . قال لهم :
لقد علّمنا الله منطق الطير و أعطانا من كل شيء .
في الأثناء انتبه سليمان الى أن الهدهد لم يحضر بعد . كل الطيور حضرت إلاّ الهدهد .
تساءل النبي ( عليه السلام ) :
مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ؟!
نظرت الطيور الى بعضها البعض و قالت في نفسها : إن الهدهد قد ارتكب خطأ كبيراً .
قال سليمان :
لأعذّبنّه عذاباً شديداً أو لاذبحنّه ، إلاّ اذا جاءني بعذر مقبول و حجة و اضحة تبرّر غيابه .
مضت أيام و ظهر الهدهد . . الطيور أخبرته بما حصل فخاف على نفسه من عقوبة الملك الحكيم .
و لكن أين كان الهدهد حقاً ؟ سوف نعرف ذلك عندما يذهب الهدهد الى سليمان و يخبره .
عرف الهدهد ان حياته في خطر و انه مهدد بالذبح اذا لم يقدّم عذراً مقبولاً الى النبي .
طار الهدهد الى القصر و حطّ قرب الباب . . استأذن الحراس و دخل . .
راح يمشي مطرقاً برأسه و جناحاه يخطان فوق البلاط المرمري كل ذلك علامة الندم و الاعتذار .
سأل النبي :
أين كنت أيها الهدهد ؟
قال الهدهد و هو يرفع رأسه و يحدّثه بأنباء رحلته المثيرة قال :
ذهبت الى مملكة سبأ . . و جئتك بانباء هامّة ، رايت بلاداً كبيرة و امّة عظيمة ، و رأيت ملكة تحكمهم رأيتها تجلس على عرش عظيم .
كان سليمان يصغي باهتمام الى الاخبار المثيرة قال الهدهد :
رأيت الملكة و اسمها بلقيس تسجد للشمس من دون الله كل الناس هناك كانوا يعبدون الشمس . . لقد خدعهم الشيطان فوسوس لهم بان الشمس هي مصدر الوجود !
تألّم سليمان و قال :
الاّ يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات و الأرض و يعلم ما تخفون و ما تعلنون . . الله لا إله إلاّ هو رب العرش العظيم ؟!
و راح الهدهد يتحدّث عن مشاهداته في تلك البلاد ، نظر اليه سليمان و قال :
سوف نعرف ما إذا كنت صادقاً أو كاذباً .
قال سليمان ذلك و نهض ليكتب رسالة الى ملكة سبأ ، أما الهدهد فقد اطمأن على مصيره انه لن يعاقب على مافعل فاستأذن الملك سليمان ليرتاح من عناء رحلته على أن يعود غداً لحمل الرسالة .
كل الطيور كانت تتحدث عن اكتشاف الهدهد ، لقد قام برحلة مثيرة لم يقم بها الجن و الأنس . . حتى سليمان لم يكن يعرف بوجود تلك المملكة و لا بوجود أمّة من البشر تعبد الشمس من دون الله !
رحلة الى اليمن :
في الصباح حضر الهدهد الى القصر و حمل الرسالة ، كانت الرسالة موضوعة في مظروف من الذهب و كانت مختومة .
انطلق الهدهد مرّة أخرى يعبر المسافات الشاسعة الممتدة من فلسطين الى اليمن .
عندما ننظر في الخارطة اليوم نتعجب من هذه الرحلة ! كيف قام الهدهد بها ؟ كيف قطع تلك الصحاري ، و عبر سلاسل الجبال الشاهقة ؟!
راح الهدهد يقطع المسافات الشاسعة متحمّلاً متاعب الرحلة في سبيل إعلاء كلمة الله و نشر التوحيد .
و وصل الهدهد مملكة سبأ في اليمن ، و اتجه مع طلوع الشمس الى قصر بلقيس ملكة اليمن القوّية .
كانت بلقيس قد استيقظت من نومها ، اتجهت ببصرها نحو الشمس التي ظهرت من النافذة .
سجدت للشمس تؤدي لها صلاتها كل صباح .
في تلك اللحظة دخل الهدهد من النافذة ، و القى الرسالة على عرش الملكة .
انتبهت بلقيس الى شيء يتألق فوق العرش ، أخذت المظروف الذهبي و فتحته دهشت عندما وقع بصرها على رسالة بخط جميل .
كان الهدهد يراقب الملكة و هي تقرأ الرسالة ، نظرت الى الهدهد بدهشة كيف يمكن لطائر يقطع كل هذه المسافات في مهمة خطيرة ؟!
أرسلت بلقيس وراء وزرائها و قادتها العسكريين ، هناك أمرٌ يتوقف على مصير البلاد !
اجتمع الوزراء و رجال الدولة ، نهضت بلقيس من العرش ، و بيدها رسالة قالت باهتمام :
{ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } .
ساد صمت مهيب بهو القصر هناك ملك في فلسطين يهددهم ، يندد بعبادتهم للشمس من دون الله . . يدعوهم الى التسليم لله وحده و عبادة الله وحده .
قالت بلقيس :
ـ { قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } .
استشارت بلقيس في اتخاذ الموقف المناسب قالت لهم : انني لن استبدّ في رأيي أنه أمر يتوقف عليه مصير بلادنا . . و لذا علينا أن نفكر في الرّد المناسب .
كان قادة الحيش متحمسين للحرب لذا قالوا بحماس :
نحن أولو قوة و أولو بأس شديد و مع ذلك فإن لك القرار في اتخاذ الموقف . . ان جيشنا قوي و باستطاعتنا أن ندافع عن بلادنا .
كانت الملكة بلقيس امرأة عاقلة . . تفكّر قبل أن تقرّر . لهذا قالت :
ـ { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } علينا أن نعرف من يكون سليمان هل هو ملك كسائر الملوك الظلمة ؟ هل هو نبي حقاً ؟ هل يريد السيطرة على بلادنا ؟ أم يريد لنا الخير ؟
قال أحد الوزراء :
ـ و كيف لنا أن نعرف ذلك يا صاحبة الجلالة ؟
قالت الملكة :
ـ سوف أرسل له هدية ، ثم ننتظر آراء مبعوثينا . . سوف يشاهدون عن قرب المملكة و يتعرّفون على أهداف الملك سليمان .
استحسن رجال الدولة فكرة الملكة و تقرر ارسال هديّة الى سليمان .
كان الهدهد يراقب عن كثب اجتماع رجال الدولة و عرف قرار الملكة فطار الى فلسطين .
راح الهدهد يطير و يطير و يقطع المسافات و كان يتوقف فقط للاستراحة قليلاً .
و أخيراً و صل الهدهد و دخل فوراً على سليمان ليطلعه على آخر الانباء .
قال الهدهد : ان وفداً من مملكة سبأ في طريقه الى هنا .
كان سليمان يفكر كيف سيقنع الوفد بدين الله و ان عبادة الشمس لا فائدة من ورائها ؟
أن أفضل طريق لذلك أن يظهر هيبة ملكه و ما منحه الله من السلطان ، فالناس يصلّون لله و الحيوانات المفترسة في خدمته و الطيور تطوف حوله ، و الجنّ يعملون ليل نهار في البناء و في الغوص في اعماق البحار .
عرف سليمان أن الوفد قادم وهو يحمل هدايا ثمينة لإقناع سليمان بالسكوت .
ان مملكة سبأ مستعدة لإقامة علاقات طيّبة ، و أن تقدّم لسليمان الحكيم الهدايا سنوياً ، و ربّما كانت بلقيس تختبر سليمان بالهدية .
لو استلم سليمان الهدية و فرح بها فانه ملك كسائر الملوك ، و عندها يمكن لمملكة سبأ أن تتمرّد على طلبه في ترك عبادة الشمس .
أما إذا رفض استلام الهدية فمعنى هذا أنه ليس ملكاً ربّما يكون نبياً حقاً و اذن فلا خوف من الانبياء لأنهم لا يظلمون أحداً .
كانت هذه فكرة الملكة بلقيس عندما أرسلت الوفد .
التهديد باعلان الحرب :
وصل وفد سبأ كان مجموعة من الفرسان يحملون أثمن الهدايا لسليمان .
نبي الله سليمان و من أجل أن يفهمهم أن ملكه الهي و انه أعظم من ملك سبأ نظم لهم استقبالاً مهيباً .
كاد الوفد أن يصعق و هو يشاهد الأسود واقفة و يشاهد النمور ، و يشاهد الطيور تحلق على مقربة بانتظام ، و يشاهد الجنود المسلمين .
كان سليمان جالساً فوق العرش ، و بالرغم من ابهة المُلك فقد كان متواضعاً تشع من عينيه المحبّة و الايمان .
تقدّم رجال الوفد لتقديم الهدايا ، خجل الرجال من هداياهم لأنها بدت في مقابل ملك سليمان العريض اشياء تافهة جداً .
و هنا حدث شيء لم يتوقعه أحد !
رفض سليمان الهديّة ، لم تكن الهدية من أجل إقامة علاقات طيبة بين المملكتين ، كانت أشبه بالرشوة حتى يسكت سليمان عن طقوسهم الوثنية .
قال سليمان بلهجة فيها غضب :
ـ أتمدونني بمال ؟! فما آتاني الله خير مما آتاكم . . بل أنتم بهديتكم تفرحون .
ثم خاطب سليمان رئيس الوفد :
{ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }.
كانت كلمات سليمان تهديداً بالحرب . . انه لا يريد من أهل سبأ ذهباً و لا فضة و لا أي شيء آخر سوى الايمان بالله الواحد .
لأنه ليس ملكاً حتى يفكر بالذهب و المال انه نبي ، و النبي يريد للبشر الخير يريد للناس أن يؤمنوا بالله و يتركوا عبادة الاوثان .
الله خلق الانسان و شرّفه ، فلماذا يعبد الانسان و الحجر و يسجد للصنم ؟! يسجد للشمس و القمر و هو أشرف و اكرم من مخلوقات الله . . الله يريد للانسان أن يحيا حرّاً لا يخاف شيئاً سواه .
هكذا قال سليمان لرجال الوفد . . الذين وقفوا مدهوشين أمام عظمة سليمان و ملكه الكبير و تواضعه و سجوده لله !