" قصة سيدنا أيوب ( عليه السلام ) "
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أكثر من 2500 سنة عاش في أرض " حوران " رجل من ذرّية سيدنا يوسف ( عليه السلام ) انه سيدنا أيّوب ( عليه السلام ) ، كان رجلاً طيباً تزوج من فتاة اسمها " رحمة " هي الأخرى من ذرية يوسف ( عليه السلام ) .
عاش الزوجان سعيدين بحياتهما وكانا مؤمنين بالله ورسله .
الله سبحانه أنعم على أيوب ورزقه أولاداً وبنات ، وكانت عنده أرض واسعة مليئة بالحقول والمراعي ، وترعى فيها قطعان الماشية من بقر وأغنام وماعز .
كان أيوب يعبد الله وحده لا يشرك به أحداً ، فهو على دين آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب .
وذات يوم هبطت الملائكة وبشّرته بالنبوّة وسجد أيوب لله شكراً .
كل الناس كانوا يحبّون أيوب . . الرجل الطيب الذي أكرمه الله بالنبوّة .
كان منزل أيوب كبيراً فلديه أولاد كثيرون وبنات ، وفيه الحبوب والطعام .
سيدنا أيوب كان يحب الفقراء يطعمهم ، ويكسوهم وكان لا يأكل طعاماً إلاّ وعلى مائدته يتيم أو بائس أو فقير .
الناس الفقراء كانوا يقصدون منزل أيوب من مناطق بعيدة وكانوا يعودون الى ديارهم وهم يحملون معهم الطعام والكساء والفرح لأطفالهم وأهلهم .
الناس أحبوا نبي الله أيوب ، الذي لا يَرُدّ أحداً ولا يَمُنّ على أحد .
منزل أيوب :
ذات يوم جاء شيخ طاعن في السن . . جاء إلى منزل أيوب الشيخ حيّا أيوب قائلاً :
ـ السلام على أيوب نبي الله .
ـ وعليك السلام ورحمة الله . . . تفضل انت في بيتك وأهلك .
ـ زاد الله في كرامة أيوب . . أنا كما ترى شيخ عاجز وعندي أبناء جياع ونبي الله يطعم الجياع ويكسو العراة .
تألم سيدنا أيوب وقال :
ـ أظنك غريباً ايها الشيخ ؟
ـ لا يانبي الله أنا من بلاد حوران .
تألم سيدنا أيوب أكثر وقال :
ـ ما اقساني . . بيتي مليء بالطعام وأنت جائع ؟!
الشيخ قال :
ـ إنّه ذنبي أنا . . لم اعرض حاجتي عليك من قبل .
قال أيوب :
ـ الحق عليّ أنا لأنني لم ابحث عنك بنفسي .
التفت أيوب إلى ابنائه وقال :
ـ الا تخافون من غضب الله ؟! كيف ترضون لانفسكم أن تبيتوا شباعاً وفي حوران أطفال وشيوخ جياع ؟!
الأبناء اعتذروا وقالوا :
ـ لقد بحثنا كثيراً ولكننا لم نجد أحداً في حوران محتاجاً . . قال الأب بألم :
وهذا الشيخ ؟؟
ـ عفواً يا أبانا .
ـ هيّا احملوا من الطعام والكساء وأوصلوه إلى منزله .
ـ سمعاً وطاعة للنبي .
هكذا كان يعيش سيدنا أيوب – في ذلك البيت المبني من الصخور . هو يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، وزوجته تطحن ومعها بناتها وجواريها يساعدونها .
وأبناء أيوب يحملون الطعام والكساء ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين في حوران ، والخدم يعملون في المزارع ويحملون الثمار والحبوب الى المخازن .
والرعاة يسوقون المواشي إلى المراعي وكان أيوب يشكر الله الذي بارك له في أمواله وأولاده .
الناس كانوا يحبّون أيوب النبي . . لانه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه . . ويساعد الناس جميعاً . . لم تبطره الأموال ، من مزارع وحقول وماشية وأولاد كثيرين . . كان يعمل .
كان يمكنه ان يعيش في راحة ، ولكنه كان يعمل بيده ، وزوجته رحمة هي الأخرى كانت تعمل . . كانا يعتقدان ان كل ما عندهما هو من الله سبحانه لهذا كانا يذكرانه دائماً و يشكرانه كثيراً .
الناس احبّوه واعتقدوا انه رجل مبارك وأنه نبي من أنبياء الله . لهذا آمنوا بالله سبحانه الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .
الشيطان :
الشيطان حسد سيدنا أيوب ، أيوب يريد الهداية والخير للناس ، والشيطان يريد لهم الشرور والضلال ، لهذا راح يوسوس للناس يقول لهم : ان أيوب يعبد الله لأنه يخاف على أمواله وحقوله أن يأخذها منه . . . لو كان أيوب فقيراً ما عبد الله ولا سجد له . . .
الناس أصغوا إلى وساوس الشيطان وصدّقوا . . تغيرّت نظرتهم إلى أيوب " انه يعبد الله لأن الله انعم عليه و رزقه وهو يخاف من أن يسلبه نعمته . . . إنّ أيوب اذا حلّت به مصيبة لترك العبادة . . . لو أحرقت الصواعق حقوله لجزع !! لو سلبه الله نعمة لما سجد !
هكذا راح الشيطان يوسوس في نفوس أهل حوران . . .
الامتحان :
الله سبحانه أراد أن يظهر للناس كذب الشيطان . . أراد أن يظهر للناس صدق أيوب وصبره وايمانه . . لهذا بدأت المحنة . . سوف تحلّ بأيوب المصائب الواحدة بعد الأخرى . . لنرى مدى ايمان سيدنا أيوب وصبره .
كل شيء كان يمضي هادئاً . . أيوب كان ساجداً لله يشكره على نعمه وآلائه . . وابناؤه كانوا يحملون أجربة الطعام ويبحثون عن فقير أو مسكين أو رجل مسافر انقطعت به السبل . . .
الخدم العبيد كانوا يعملون في الارض ويحملون حبوب القمح إلى المخازن .
" رحمة " زوجة سيدنا أيوب كانت تطحن في الرحى . .
والبعض كانوا يحملون حزم الحطب وآخرون يجلبون الماء من النبع .
والرعاة كانوا يسوقون قطعان الماشية إلى المروج . . كل شيء كان يمضي هادئاً وجميلاً . . .
وفي تلك اللحظات برز الشيطان يعربد ويدمّر يريد أن يدمّر إيمان أيوب .
فجأة جاء أحد الرعاة مبهور الأنفاس . . . هتف :
ـ اين نبي الله أيوب ؟!!
ـ ماذا حصل ؟! تكلم .
ـ لقد قتلوهم . . قتلوا جميع رفاقي . . الرعاة والفلاحين . . جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الارض . . .
ـ ماذا ؟!
ـ هاجمنا الأشرار . . واختطفوا قطعان الماشية أخذوا أبقارنا وخرافنا وذهبوا .
الجبل لا يهتز أمام العاصفة . . سيدنا أيوب تألم ولكنه تحمّل ، قال بثبات :
ـ انا لله وانا إليه راجعون . . .
ان الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب . . يمتحن إيمانه بربِّ العالمين . . أيصبر أم يكفر ؟
في اليوم التالي حدث أمر عجيب تجمّعت سحبٌ سوداء في السماء . . وانفجرت الصواعق ودوّت الرعود . . وجاء أحد الفلاحين . . كانت ثيابه محترقة وجهه اسود من الحروق والدخان . . هتف سيدنا أيوب :
ـ ماذا حصل ؟!
ـ النار ! يانبي الله النار !!
ـ أهي مصيبة أخرى ؟!
ـ نعم يا رسول الله لقد احترق كل شيء . . لقد نزل البلاء . . الصواعق أحرقت الحقول والمزارع . . أصبحت ارضنا رماداً يا نبي الله . . كل رفاقي ماتوا احترقوا .
قالت رحمة :
ـ ان مصائب العالم كلّها ستنزل علينا !
ـ اصبري يارحمة . . هذه مشيئة الله .
ـ مشيئة الله !!
أجل . . لقد حان وقت الامتحان . . ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه .
نظر أيوب الى السماء وقال بضراعة :
ـ الهي امنحني الصبر .
في ذلك اليوم أمر سيدنا أيوب الخدم والعبيد بمغادرة منزله . . قال لهم باشفاق :
ـ عودوا إلى أهليكم أو ابحثوا عن مكان آخر ان الله سبحانه يمتحنني .
قال أحد الخدم :
ـ سنعمل على اصلاح الحقول والمزارع . . انني لا أحب أن أفارقك نحن نؤمن بك ونحبك يانبي الله .
ـ يا أبنائي أعرف ذلك . . ولكن البلاء سيتضاعف وأنا لا أريد أن أرى أن تحترقوا أمامي . . اذهبوا يا أبنائي . . دعوني أواجه الامتحان لوحدي .
يا صبر أيوب !
لم تنته محنة أيوب عند هذا الحدّ لم تحترق حقوله وتتحول الى رماد ، لم تفنَ ماشيته جميعاً فقط ، انه يواجه محنة آخرى . . لقد مات جميع أولاده وبناته ، لم يبق معه سوى رحمة زوجته الطيّبة . . .
أصبح منزله خالياً ليس فيه ولد واحد من أولاده . . وهو شيخ مسنّ وزوجته المسكينة تبكي . .
ـ هذه مشيئة الله وعلينا أن نسلّم لأمره . . .
الشيطان لم يتركه لحاله جاء اليه ليوسوس له :
ـ يا لها من مصيبة كبرى . . سبعة بنين وثلاث بنات في لحظة واحدة ماتوا . . كانوا أملاً . . بما ذا يسلّي الانسان نفسه ؟!
نظر أيوب إلى السماء الزاخرة بالنجوم :
ـ يا الله . . . أعرف انك مصدر للخير ، كل الخير . .
الهي وربي امنحني الصبر .
الشيطان فرّ بعيداً . . لا شيء يرهب الشيطان اكثر من ذكر الله . . لا شيء يخيف الشيطان اكثر من اسم الله .
فاذا قال الانسان : اعوذ بالله من الشيطان . . فان الله يحفظه ويحميه ويجعل قلبه طاهراً . . الله سبحانه يحبّ عباده ويريد لهم الخير . .
من أجل هذا كان سيدنا أيوب لا يزداد على البلاء إلاّ صبراً يعرف ان الله هو مصدر الخير ويريد له الخير . . اما الشرّ فمن الشيطان الذي يريد للانسان يكفر .
أهل حوران :
الشيطان لم يكف عن وسوسته إنّه يريد أن يقهر أيوب .
ذهب الشيطان إلى أهل القرية وقال لهم : ان الله قد غضب على أيوب . . فصبّ عليه البلاء . . لقد أذنب أيوب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة . . ان في بقائه خطر عليكم . . ربما تشملكم اللعنة . . من الأفضل أن تخرجوه من قرتيكم .
أهالي حوران أصغوا لوسوسة الشيطان وجاءوا إلى منزل أيوب . . لم يكن في منزله أحد سوى زوجته رحمة . .
قال رجل منهم :
نحن نظنّ ان اللعنة قد حلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها . . فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لا نريدك ان تبقى بيننا .
غضبت رحمة من هذا الكلام قالت .
ـ نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبي الله . .
أهالي القرية قالوا بوقاحة :
ـ اذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة . . لقد حلّت بكما اللعنة وستعمّ القرية كلها بسببكما . . .
قال لهم أيوب باشفاق !
ـ يا أبنائي ما هذا الذي تقولوه انّ ما حدث لي هو امتحان الهي . . الله سبحانه قد امتحن الانبياء قبلي . . خافوا الله يا أهل حوران ولا تؤذوا نبيّكم قال رجل أحمق :
ـ ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك .
قالت رحمة :
ـ انتم تظلمون نبيكم . . هل نسيتم إحسانه اليكم هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب ؟!
نظر أيوب السماء وقال بحزن :
ـ يا الهي اذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء . . يا الله سامح هؤلاء على جهلهم . . لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم .
في العراء :
هكذا وصلت محنة سيدنا أيوب ، ان جاء أهل حوراء وأخرجوه من منزله .
كانوا يظنّون إنّ اللعنة قد حلّت به ، فخافوا أن تشملهم أيضاً . . نسوا كل إحسان أيوب وطيبته ورحمته بالفقراء والمساكين !
لقد سوّل الشيطان لهم ذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف . . لم يبق معه سوى " رحمة " زوجته الوفية . . وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الانبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً .
كان على رحمة أن تعمل في بيوت حوران ، تخدم وتكدح في المنازل لقاء لقمة خبز لها ولزوجها . .
وفي كل مرّة كانت تعود إلى أيوب وهي قلقة عليه فالصحراء لا تخلو من الذئاب والضباع ، وأيوب لا يقوى على النهوض والدفاع عن نفسه .
كان أيوب صابراً يتحمل الألم بايمانه العميق بالله ، وكانت رحمة تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . . وفي تلك المدّة صنعت رحمة لزوجها عريشاً يظله من الشمس ويحميه من المطر وهكذا تمرّ الايام وفي كل يوم كانت محنة أيوب تزداد .
وكانت رحمة تشقى في منازل حوران .
الجوع :
ذات يوم بحثت رحمة عمّن يستخدمها في العمل ، ولكن لا أحد كل أهل حوران أغلقوا الأبواب في وجهها . . ومع ذلك فرحمة لم تمدّ يدها إلى أحد ولم تستجد أحداً .
كان أيوب ينتظر عودة زوجته ، لقد تأخرت هذه المرّة .
زوجته بحثت عن عمل في منازل حوران فوجدت الأبواب دونها موصدة . .. لهذا اضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز .
عادت رحمة الى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز عندما رأى أيوب ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب .
حلف أيوب أن يضربها إذا قوى على ذلك ، لم يأكل رغيفه كان غاضباً من تصرّف رحمة ، ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك .
بكت رحمة كثيراً لم تعد تتحمل هذا العذاب والألم . . لم تعد تتحمل الحياة القاسية وشماتة الناس . . ومع ذلك فكلّما كان الشيطان يوسوس في قلبها أن تترك زوجها ، كانت تستعيذ بالله لهذا ظلّت وفية لزوجها ترعاه وتسهر على راحته .
إنّ سيدنا أيوب يحبُّ زوجته كثيراً لأنها امرأة مؤمنة صابرة راضية بقضاء الله .
من أجل ذلك قالت له زوجته :
ـ انت نبي الله ورسوله . . ادعُ الله لينقذك من هذه المحنة !
قال أيوب :
ـ لقد عشت سنوات طويلة في رفاه من العيش ، بنون وأموال ومزارع وحقول . . أفلا أصبر على حياة الفقر بقدر ذلك .
قالت رحمة وهي تبكي :
ـ اكثر ما يحزنني شماتة الاعداء . .
ـ الله سبحانه يراقب حالنا وهو أرحم الراحمين .
ـ ليس لدينا ما نأكل هذا اليوم . . سأذهب الى أهل حوران فلعلّ أحدهم يتذكر إحساننا اليه . . من يدري فلعل قلب أحدهم يخفق لحبّ الخير .
ربيع الحياة :
ذهبت رحمة الى القرية لتحصل على كسرة خبز لزوجها . . وظلّ أيوب وحيداً تحت اشعة الشمس . .
كان يعبد الله ويشكره لم يجزع أبداً ولم يفقد ايمانه بالله . . ان الله مصدر الخير والرحمة والبركة ، وهو وحده القادر على كل شيء .
في الاثناء مرّ رجلان من أهل حوران توقفا عند أيوب ونظرا اليه قال أحدهما :
ـ ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا ؟!
وقال الآخر :
ـ انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا ، فعاقبك الله عليه .
تألّم سيدنا أيوب . ان البعض يتهمه بما هو برئ منه قال أيوب بحزن :
ـ وعزّة ربي إنّه ليعلم اني ما أكلت طعاماً إلاّ ويتيم أو ضعيف يأكل معي .
ونظر إلى السماء وقال :
ـ الهي أنا راضٍ بقضائك . . بيدك الخير انك على كل شيء قدير الهي ، بيدك شفائي . . بيدك مرضي . . انت وحدك تستطيع أن تعيد اليّ سلامتي . . ويا الهي ! إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب .
تعجّب الرجلان من صبر أيوب ، وانصرفا عنه في طريقهما وهما يفكّران في كلمات أيوب !
فجأة أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة ، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء ويقول له :
ـ السلام على أيوب أعزّ عباد الله . . نعم العبد أنت يا أيوب ان الله يقرئك السلام ويقول : لقد أُجيب دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين إضرب برجلك الأرض يا أيوب ! واغتسل في النبع المقدس .
غاب الملاك ، وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض ، فجأة انبثق نبع بارد عذب المذاق . . ارتوى أيوب من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً .
أصبح أقوى مما كان عليه أيام المحنة والمرض .
خلع أيوب ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً بيضاء ناصعة مضمخة برائحة الفردوس .
وشيئاً فشيئاً ازدهرت الأرض من حول أيوب واعشبت .
عادت رحمة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحته وعافية . فقالت له باستعطاف :
ـ ألم ترَ أيوب . . أيوب نبي الله ؟!
ـ أنا أيوب يا رحمة !
ـ انت ؟! إن زوجي رجل عجوز وضعيف . . ومريض أيضاً !
ـ المرض من الله والصحة والسلامة أيضاً . . وهو سبحانه بيده كل شيء .
ـ نعم يا رحمة لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالصحة والعافية وأن تنتهي محنتنا هيّا يارحمة ! اغتسلي في النبع ، ان الله يكافئك على صبرك ووفائك وسيُعيد اليك شبابك .
اغتسلت رحمة في مياه النبع وخلعت ثوب الفقر والحاجة والبسها الله ثوب الشباب والعافية .
كانت مياه النبع تتدفق و تسقي الحقول المحترقة المليئة بالرماد فتعيد اليها الخضرة والبهجة وراحت المياه الطاهرة المقدّسة تجري في الارض فتروي قبور أولاد أيوب الذين ماتوا قبل سنين طويلة .
وانبعث أبناء أيوب ليعودوا إلى أبويهم . . عاد كل شيء كما كان عليه قبل سبع سنوات يوم كان أيوب صحيحاً معافى .
لقد أراد الله امتحان أيوب ليعبده عبادة الصبر كما عبده عبادة الشكر من قبل . . .
الله سبحانه أراد للناس أن يعرفوا ان المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله . .
الله أراد للناس أن لا يطردوا الفقير لفقره ولا الضعيف لمرضه أو شيخوخته .
وهكذا أصبحت قصّة سيدنا أيوب آية للناس وعبرة ، ودليلاً على أن الله هو القادر على كل شيء ، هو الذي سلب أيوب نعمته وكل ما يملكه حتى سلامته ، وهو الذي أعاد اليه جميع أسرته بل وبارك فيها ، فنمت حقوله وتكاثرت ماشيته وعاد اليه شبابه وصحته ورزقه الله بنين وحفدة ، وآمن الناس بالله الواحد الأحد وآمنوا بنبوّة سيدنا أيوب ورسالته .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }[1].
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 83 و 84 .
[2] سورة ص ( 38 ) ، الآية : 41 ـ 44 .