" قصة سيدنا يوسف ( عليه السلام ) "
بلغ سيدنا ابراهيم من العمر مئة عام ، و كان عمر زوجته سارة تسعين سنة . . هو شيخ طاعن في السن ، و هي إمرأة عجوز .
ليس عندهما اطفال و لا أولاد .
فاسماعيل ابنه عمره أربعة عشر سنة و هو في مكّة ، و كان ابراهيم يزوره بين عام و آخر .
تذكرون يا أعزّاءنا في قصة سيدنا لوط . . تذكرون الضيوف الثلاثة الذين جاءوا لانقاذ لوط من تلك القرية الفاسدة التي كانت تعمل المنكر . .
و تذكرون انهم مرّوا أولاً بسيدنا ابراهيم . . لقد حزن سيدنا ابراهيم من أجل قوم لوط و ما ينتظرهم من المصير الأسود بسبب أعمالهم . .
الله ربّنا و حتى يدخل الفرح في قلب ابراهيم بشّره بولد من سارة . . ولد اسمه اسحاق . . سيكون نبياً من الانبياء . و سيكون من إسحاق ولد هو الآخر سيكون نبيّاً له شأن .
سارة سمعت البشرى فشعرت بالدهشة . . قالت :
ـ كيف ألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب ؟!
الملائكة قالت :
ـ لا تعجبي من أمر الله . . ان الله قادر على كل شيء . .
وهكذا حدثت المعجزة . .
المرأة العجوز التي بلغت التسعين من العمر تنجب صبياً هو اسحاق النبي . . كان انساناً كريماً . .
سيدنا ابراهيم ابتهج بمولده لان في سلالته أنبياء كثيرون يحملون رسالة التوحيد و النور للناس جميعاً .
فنشأ اسحاق و حمل ميراث ابراهيم . . حمل رسالة الله و كان أميناً في تبليغها مثل كل الانبياء . .
وتحققت بشارة الملائكة فقد رزق اللهُ اسحاق صبياً هو يعقوب . .
الله سبحانه بارك في آل ابراهيم . . أصبح يعقوب نبياً ، فحمل الأمانة و نهض بحمل الرسالة .
وتزوّج سيدنا يعقوب فرزقه الله عشرة بنين : شمعون ، لاوي ، راوبين ، يهوذا ، يساكر ، زوبولون ، دان ، نفتالى ، جادو ، أشير .
ثم تزوج سيدنا يعقوب من راحيل ابنة خاله فولد يوسف ثم شقيقه بنامين .
و هكذا اصبح لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولداً . .
عاش آل ابراهيم في أرض فلسطين . . تلك الأرض الطيبة المليئة بالمروج الخضراء و المراعي و أشجار الزيتون .
كان سيدنا يعقوب كأبيه اسحاق و جدّه ابراهيم خليل الرحمن كريماً يساعد الفقراء و يكرم الضيوف و الغرباء . .
لهذا كان سيدنا يعقوب يذبح في كل يوم كبشاً فيطعم من لحمه الفقراء و يأكل هو و عياله منه .
وكان هناك رجل صالح اسمه دميال ، دميال كان رجلاً فقيراً و كان ذلك اليوم صائماً . . لم يكن عنده طعام لافطاره كان ينتظر أن يبعث يعقوب إليه بالطعام . .
سيدنا يعقوب كعادته ذبح كبشاً و وزع لحمه على الفقراء و تعشى هو و عياله منه ، و باتوا ليلتهم تلك شباعاً .
اما الرجل الفقير دميال فقد نام جائعا و نوى الصوم في الغد .
كان دميال ذلك اليوم صائما و ضاعف ألم الجوع أنه لم يجد شيئاً يفطر به في العشاء . . نام جائعاً . . تحمّل آلام الجوع و نام . .
الرؤيا :
و في تلك الليلة بدأت حوادث القصة المثيرة التي وقعت قبل آلاف السنين .
كان يوسف قد بلغ من العمر تسع سنين . . فتى جميل يشع النور من عينيه ، قلبه مفعم بالطهر . .
كان جماله يتلألأ في وجهه . . في عينيه التي تشعان صفاءً .
من أجل هذا أحبّه أبوه كما لم يحبّ أحداً غيره .
سيدنا يعقوب كان يتوسّم فيه النبوّة ربّما يختاره الله نبياً من بعده . .
كان يوسف جميلاً ليس في وجهه فقط بل في روحه و اخلاقه و صفاته .
عندما يراه المرء يشعر أنه أمام ملاك هبط من السماء لهذا كان محبوباً من الجميع . .
وكان أعظمهم حبّاً له أبوه يعقوب . . كان يوسف طاهراً طهر قطرات الندى ، و كانت عيناه صافيتين صفاء السماء و كان وجهه يتألق كالنجوم .
من أجل هذا حسده اخوته العشرة . . في البداية حسدوه ثم حقدوا عليه . . و بعدها كانوا يتمنون له الموت ، و ربّما خطّطوا للتخلص منه .
في تلك الليلة أغمض يوسف عينيه و هو غافل عمّا يحوك اخوته من دسائس و مؤامرات .
ورأى يوسف حلماً عجيباً . . رأى أحد عشر كوكباً و رأى الشمس و القمر . . رأى الجميع يسجدون له . .
كان مشهدا رائعاً يبهر الناظر . . شعر يوسف أنّ تلك الكواكب و أن الشمس و القمر لها شعور و ادراك و أنها جاءت بارادتها لتسجد له و تخضع عند قدميه !!
أمرٌ عجيب . . تعجّب يوسف . . و أحسّ أن تلك الأجرام السماوية المنيرة تبتسم له و تمجّده .
أضاءت الرؤيا قلبه . . و هزّت وجدانه . . و استيقظ يوسف . . و ما تزال الرؤيا تهيمن على مشاعره و أحاسيسه . .
كانت الرؤيا تملأ قبله و صدره و كيانه . . و كانت صور الكواكب و الشمس و القمر تتراءى له لكأنها ماتزال ماثلة أمامه .
هزّت الرؤيا وجدانه لأنه لا يعرف تفسيرها حار في تعبيرها لهذا جاء الى أبيه و قال :
ـ { يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }.
يا أبي رأيتهم اجتمعوا جميعاً ثم سجدوا . . شعرت ان تلك الكواكب كانت تدرك ما تفعل . . شعرت انها تبتسم لي ، ثم سجدت أمامي بخضوع .
أصغى سيدنا يعقوب باهتمام الى رؤيا يوسف . . ادرك أن ليوسف شأن في المستقبل . . شأن عظيم . .
قال لابنه باشفاق :
ـ { يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.
يابني لا تخبر إخوتك بهذه الرؤية العجيبة . . لانهم سوف يحسدونك و قد يوسوس الشيطان في انفسهم . .
ان الله سبحنه يا يوسف سوف يختارك لابلاغ رسالته . . و سوف يعلمك تعبير الرؤى و الأحاديث . . سيباركك الله يا ولدي كما بارك آباءك من قبل . . ابراهيم و إسحاق و كما بارك آل يعقوب .
المؤامرة :
تضاعف الحسد في نفوس الإخوة العشرة . . و ازداد حقدهم على يوسف . . ربما سمعوا بالرؤيا ! أو لعلّهم رأوا حبّ ابيهم يزداد أكثر فأكثر . . .
كانوا يذهبون كلّ يوم إلى البوادي لرعي الماشية ، و كانوا يفكرون في شيء واحد فقط هو : كيف يتخلصون من يوسف ؟
الشيطان وسوس في نفوسهم فكّروا في قتله . . و لكن كيف ؟!
الشيطان وسوس في صدورهم قالوا : نأخذه معنا إلى المراتع ثم نتخلّص منه !
وهكذا كانت المؤامرة .
مرّت أيام و هم يتظاهرون بحبِّ يوسف . . يبتسمون له و يحبّبون له الذهاب معهم الى الفلاة ، يلعب في تلك المروج الجيملة .
كان يوسف بريئاً طيباً و كان طاهراً طهر قميصه الأبيض الجميل .
لهذا صدّقهم صدّق حبّهم الكاذب و أحبّ الذهاب معهم الى البادية تلك الأرض الواسعة و الآفاق الجميلة و المروج الخضراء .
ولكن سيدنا يعقوب كان يخاف على ولده الغدر كان لا يسمح له بالذهاب .
ذات مساء جاء الأخوة العشرة من الفلاة . . ابتسموا ليوسف قالوا له :
ما أجمل تلك المراتع و المروج ! ما أجمل تلك الفلوات . . لقد استمتعنا كثيراً و لعبنا كثيراً لماذا لا تأتي معنا يا يوسف ؟
يوسف كان يحب الذهاب ، و لكنه أيضاً كان يُطيع أباه و هو لا يفعل شيئاً دون أذنه .
أُخوة يوسف العشرة قالوا :
سوف نتحدث مع والدنا ليسمح لك بالذهاب معنا . .
و فرح يوسف .
جلس الجميع حول مأدبة العشاء ، و تناولوا طعامهم بصمت ، و كان الأخوة العشرة وحدهم يتبادلون نظرات ذات معنى .
كانوا قد نسجوا مؤامرة دنيئة كما تنسج العنكبوت بيتها المخيف .
في البداية ابتسموا و تظاهروا بحبّ يوسف و قالوا لأبيهم :
ـ { يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }.
نحن نحبّ يوسف يا أبانا . . نحبّه كثيراً .
{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
يا أبانا دعه ينطلق معنا في الغد إلى المراتع ليلعب و يلهو . . سنحافظ عليه و نردّه سالماً .
كان يعقوب لا يرغب بذهاب يوسف مع أخوته انهم يحسدونه و قد يخدعهم الشيطان فيغدروا به .
لهذا قال لهم بحزن :
ـ { إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }.
يا أولادي أنا أُحبُّ يوسف . . انه ما يزال صغيراً و قد تغفلوا عنه و الذئاب كثيرة فيفترسه ذئب .
قال أبناؤه العشرة :
ـ نحن عشرة فتيان فكيف يأكله الذئب ؟! سنحافظ عليه كالرجال الاقوياء ، و { لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ }.
و أقسم الأخوة العشرة على أن يحافظوا على يوسف حتى يردّوه سالماً .
سكت يعقوب ( عليه السلام ) و لم يقل شيئاً و أدرك الجميع انه قد رضي بقضاء الله .
الذئاب البشرية :
طلع الفجر و استعدّ الاخوة العشرة للانطلاق الى البوادي البعيدة حيث المروج الخضراء و الفلوات و النسائم الطيبة .
و جاء يوسف مبتهجاً بذهابه معهم .
كانوا يبتسمون له فتضاعف حبّه لهم . كان يوسف مثل ملاك ليس في قلبه الطاهر سوى المحبّة و الرحمة و الطيبة .
و هكذا انطلق الجميع يسوقون الماشية .
وعندما أمعنوا في الفلاة و غابت عن العيون مضارب الخيام غابت تلك الابتسامات الكاذبة . . ذابت كما يذوب الملح في المياه .
جاء يهوذا و صفع يوسف بشدّة و صاح به :
ـ اسرع يابن راحيل !
تعجب يوسف لهذه العمل . . نظر إلى أخيه بدهشة . . تصوّر انه يمزح معه . . و لكن لا إنّ عينيه تبرقان بالشرّ ، و قد ظهرت أسنانه مثل أنياب ذئب متوحش . .
شعر يوسف بالخوف . . و أسرع في مشيه . . فوجئ بركلة من أخ آخر !! سقط على وجهه و نظر ألى من ركله كان شمعون .
قال يوسف بألم !:
ـ لماذا يا شمعون ؟ أنا أخوك . . أنا ابن يعقوب .
صاح راوبين :
ـ اسكت لا تتفوه أبداً أنت ابن راحيل . .
بكى يوسف خنقته العبرة قال لهم :
ـ انا أخوكم . . انا يوسف .
تحلّقوا حوله جميعاً و صاحوا :
ـ بل أنت عدوّنا . . عدوّنا الذي استحوذ على قلب يعقوب .
برقت العيون بالشرّ و استلّ أحدهم خنجره ليقتله ركض يوسف لا يدري أين يذهب . . .
ركضوا وراءه و امسكوا به . . انهالوا عليه بالضرب . . نزف من أنفه الدم .
تبادل الاخوة العشرة النظرات . .
قال أحدهم :
ـ ماذا تنتظرون . . هذه فرصتنا للتخلّص منه .
قال آخر بصوت يشبه فحيح الافاعي :
ـ لنأخذه الى مكان بعيد و نرميه . . و هناك تفترسه الذئاب و تريحنا منه .
اعترض بعضهم قائلاً :
ـ و ربّما استطاع العودة فيفضحنا أمام أبينا .
قال شمعون :
ـ اصغوا اليّ . . نذهب به الى طريق القوافل . . هناك بئر عميقة الغور . . نلقيه في البئر . . فامّا أن يموت فيها أو تنتشله القوافل و تأخذه بعيداً سوف يباع و يشترى مثل كل العبيد .
اصغى الجميع باهتمام الى خطة شمعون ، و برقت العيون بتلك المؤامرة الدنيئة .
تحوّل الأخوة الى ذئاب لا تعرف غير الغدر ، و ظلّ يوسف ينظر الى أخوته بدهشة . . تصوّر في حلم مخيف . . و لكن . . لا لا . . انها الحقيقة . . ان اخوته يتآمرون عليه منذ وقت طويل .
و أخيراً تمكّنوا من تحقيق هدفهم . . جاءوا به الى هذه الصحراء حتى لا يشاهدهم أحد . . و حتى لا يعرف أحد ماذا فعلوا بيوسف !!
نظر يوسف الى السماء . . تساءل في نفسه . . ألا يدري إخوته ان الله يراقبهم جميعاً و يعرف حتى أسرارهم ؟!
سمعهم يقولون :
ـ سوف نتوب من فعلتنا و نصبح قوماً صالحين !
في أعماق البئر :
يوسف حتى تلك اللحظة لم يصدّق ما يفعله أخوته به . .
ولكن عندما وجد نفسه على حافّة البئر ادرك ان الشيطان قد تمكّن من أخوته ، و قد تحولوا الى ذئاب بشرية لا رحمة في قلوبها .
جرّدوه من قميصه الذي أهداه ابوه اليه . . قميصه الأبيض الجميل . .
كان يوسف يهتف بهم :
ـ أنا أخوكم . . أريد أن أعود الى أبي و أمّي و خيمتي . . أنا أحبكم يا أخوتي لماذا تفعلون بي هكذا . . احقاً تلقوني في هذا البئر المظلم . . شمعون .. راوبين . . يهودا ؟!
راح يوسف يناديهم باسمائهم . . و لكن لا أحد في قلبه رحمة لأخيه . .
اندفع بعضهم و راح يركله بقوة و أخيراً ضعفت مقاومته و لم يستطع أن يتشبث بحافة البئر فهوى الى الأعماق المظلمة . .
الهواء داخل البئر كان رطباً و الفضاء كان مظلماً و كان يوسف ينظر الى فوهة البئر . . كان ينظر السماء الزرقاء الصافية .
شعر يوسف ان قلبه يمتلأ بالنور و أن ملاكاً يحدّثه بهدوء يقول له : اصبر يا يوسف . . لسوف تخرج من هذه البئر و سوف تخبر اخوتك هؤلاء بما فعلوا بك . .
غادر الخوف قلب يوسف . . لقد كان مؤمناً بالله و كان واثقاً بان ما حصل هو امتحان له . . لهذا صبر يوسف و كان ينتظر ما يجري بهدوء .
الصمت يغمر المكان . . يوسف هو الآن في البئر جالس فوق الصخرة التي ينبع من تحتها الماء . .
كان ينظر السماء و شيئاً فشيئاً تلاشت الزرقة . . ادرك ان الشمس قد غابت و أن إخوته سيعودون . . فبكى من أجل ابيه . . و نام يوسف . . .
الحزن الطويل :
غابت الشمس و ما يزال الإخوة العشرة يفكرون بعذر مقبول يقدّمونه الى أبيهم . .
قال أحدهم ان الأرض مليئة بالذئاب . . فنقول له ذهبنا نتسابق و تركنا امتعتنا عند يوسف فجاء الذئب و افترسه . . ثم نعطيه قميص يوسف بعد أن نلطخه بالدم .
في ذلك اليوم انجبت نعجة حملاً صغيراً . . و حتى لا يشك بهم أبوهم ذبخوا الحمل الصغير أمام أمّه دون رحمة . . و لطخوا قميص يوسف بدمه . .
وهكذا عادوا الى أبيهم . .
كان الظلام قد غمر الارض . . اختاروا العودة في الظلام حتى لا يرى يعقوب علامات الكذب في وجوههم .
كان سيدنا يعقوب واقفاً ييتظر عودة أبنائه من بعيد سمع أصوات الماشية وسمع صوت بكاء . .
وشيئا فشيئاً لاح له أبناؤه . . ولكن يوسف لم يكن معهم جاءوا جميعهم إلاّ يوسف . .
رآهم يبكون بصوت عال . . يبكون بلا دموع . .
سأل يعقوب :
ـ أين أخوكم يوسف ؟
أزداد بكاؤهم . . و قدَّم شمعون قميص يوسف المطلخ بدماء المؤامرة الدنيئة ، قال لأبيه :
ـ ذهبنا نتسابق و تركنا أمتعتنا لدى يوسف . . فجاء ذئب و افترس يوسف . . وجدنا قميصه الدامي . . يا أبانا لقد أكل الذئب يوسف في غفلة منا .
فنظر يعقوب الى القميص كان سالماً ليس فيه شق واحد ، أدرك ، يعقوب انهم يكذبون عليه . .
قال و هو يبكي :
ـ ما أرأف ذلك الذئب . . أكل حبيبي يوسف و لم يشق له قميصاً !!
تبادل الاخوة العشرة النظرات . . قالوا في أنفسهم ما أغبانا كيف غفلنا عن هذا الأمر لو أننا مزقنا القميص لصدقنا أبونا .
ولكنهم و بدل أن يعترفوا بجريمتهم قالوا :
ـ أنت لا تصدقنا يا أبانا . . مع اننا لا نكذب أبداً . لقد أكل الذئب يوسف ، و هذا قميصه الدامي !
بكى يعقوب هملت عيناه بالدموع و قال :
{ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }.
قال يعقوب سأصبر سأتحمل و أنا اعرف أنَّّ نفوسكم قد وسوست لكم .
في تلك الليلة لم ينم سيدنا يعقوب كان يفكر في شيء واحد فقط هو : اين يوسف ابنه الطاهر . . ولده الطيب المبارّ ؟ و منذ تلك الليلة بدأ حزن يعقوب الطويل .